إلى تونس الكبيرة
جاء إعلان فوكويما متأخرا،لأن التاريخ فكر في إعلان نهايته يوم مات نيرون،و لفظ كالكولا أنفاسه ، وقضى هولاكو نحبه؟؟ هؤلاء العباقرة الذين صنعوا التاريخ بأحداث مذوية مازال صداها يتردد فينا؟؟ من منا لم تطربه أشعار نيرون،و هو على الربوة يتلذذ بإحراق روما؟!من منا لم يداعب خياله عبور جيوش هولاكو لنهر دجلة على جسر من كتب و مجلدات خزانات دار السلام؟!ألم تذهلنا مراسيم كالكولا المضرجة بالدماء!؟
صدم التاريخ يوم رحيلهم.أحس بالتضاؤل و العزلة. أيصير بعدهم سجلا للأقزام الذين لا يصنعون سوى فقاعات الأحداث؟ كاد يعلن نهايته، لولا نبوءة جاءته من زرقاء اليمامة:
قرأت كف المستقبل.رأيت جيلا من العظماء الذين سوف يعطون للتاريخ نفسا جديدا! انتدبهم الخلود ليحكموا! تمر بهم شعوبهم كلمى...جائعة...مهزومة،و وجوهم وضاحة، و ثغورهم باسمة؟!...
سعد التاريخ بهذه البشارة العظيمة. أنعشت قريحته. شحذت عزيمته. رفع يراعه:
لسم الله. أنا التاريخ، أسجل بمداد الفخر و الاعتزاز، أن حكاما في غاية النجابة، ابتدعوا ما لا يخطر على بال من أساليب الحكم. ابتدعوا الجمهورية التي يتداول على تدبير شؤونها إله واحد! الجمهورية الوراثية...الجمهورية الثلاثية الرؤوس... الجماهيرية...الملكية... الإمارة...السلطنة... الوزير الملك...الثلث الضامن...
حكاما حين أسلموا – إن أسلموا - قرأوا كتاب الله بالمقلوب، فصاروا أشداء فيما بينهم، رحماء بمن لعنوا في كل كتاب.
حكاما جبلوا على الكرم،فحققوا الاكتفاء الذاتي للشعوب، و جعلوا شرطيا لكل مواطن،و طبيبا لكل مئة ألف. قرّبوا الإدارة من الناس، فشيدوا مخفرا للتعذيب في كل حي. نشروا الحرية،فسمحوا للصحف، و القنوات الرسمية ببث خطاباتهم، و تغطية عظيم أعمالهم...
تعب التاريخ.انزوى في الظل يتأمل. ذابت حماسته. راودته فكرة إعلان نهايته مرة أخرى.
التمعت ومضة أمل في الأفق القاتم.على شكل بشارة متوهجة.
هي بشارة النار:
أشعلِ النار...تتوهج الألباب...تنجلي الرؤى...تْشِعُّ القلوب.
صاحِبِ الموت لتنال الحياة.
اِمتهنْ حرفة إسقاط الأشياء.
حطِّم الأصنام التي أقمت لها معابد في قلبك...
أصاخ التاريخ السمع مليا...ترك الظل...نفض عنه غبار السير الزائفة...أعلن بدايته المجيدة.