أحدث المشاركات

مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» الطفل المشاكس بقلمي» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»» @ تَعَاويــذ فراشَــةٍ عَاشِقـَـة @» بقلم دوريس سمعان » آخر مشاركة: دوريس سمعان »»»»»

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: "حمرة خجل" للأديب مجدي شلبي

  1. #1
    الصورة الرمزية محمود سلامة الهايشة قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 502
    المواضيع : 213
    الردود : 502
    المعدل اليومي : 0.07

    Thumbs up "حمرة خجل" للأديب مجدي شلبي


    لماذا القصة القصيرة جدا؟.. مجدي شلبي نموذجا..بقلم: الكاتب والناقد الدكتور السيد نجم


    القصة القصيرة جدا ظاهرة أدبية شاعت خلال السنوات القليلة الماضية، وان بدأت في السبعينيات من القرن الماضي، إلا أنها لم تلق الاهتمام النقدي الواجب والشيوع إلا مع مطلع القرن ال21، بعد أن تنكر لها البعض (الكثير) من قبل. ويعتبر الأديب "مجدي شلبي" من هذا الجيل الذي أخلص لهذا الشكل السردي، ويسعى لتحقيق ذاته الأدبية من خلالها، فكانت تلك المجموعة القصصية "حمرة خجل" التي تتضمن 39 قصة قصيرة جدا.
    .. ربما القصة القصيرة جدا هي محاولة من القاص: للقبض على لحظات مثقلة، شديدة التعقيد.. محاولة لاختبار طاقات هذا الجُنَيْسِ السردي.. تتسم بشغف القاص للشكل اللغوي والتعبيري والحكائي واللعب السردي.. وقد تبدو وكأنها محاولة ليبرهن القاص لنفسه على أنه قادر على رصد تحولات الواقع، والتجديد أيضا.. وقد يبدو الأمر مزاجيا فتبدو القصة القصيرة جدا جاذبة لأن وقت كتابتها لا يستغرق زمنا طويلا، فحياتنا اليومية مشبعة بالملل والرتابة، بينما كلامنا عادة ما يطوّقه الإطناب والتكرار.
    وكتابة القصة القصيرة جدا تهبنا حيزا للتعبير والإضمار والتكثيف والحذف والاختزال، وكذا إبراز مفارقات الواقع وزيفه.. ولعلها تعكس حنين البعض لجذور موهبته وقت أن كان يكتب الشعر.. ولأنها تعبر عن الحكمة القائلة: (ما قل و دل).. وربما لأنها بحكم حجمها وأشكال تناولها قادرة على التخابث، فلا موانع ولا تابوهات في أجندتها، ولا معايير مقدسة لديها، الكلّ سواء وسواسيه في المعادلة الإبداعية، فهي تفقأ عيني دكتاتور أو مستبد أو طاغية في سطور معدودات.
    القصة القصيرة جدا هي الوحيدة القادرة على محاكاة العالم وفي الوقت نفسه محو فضاءاته وسخافاته، فهي الأقدر على التسرب والتوغل عميقا في ذات المتلقي والتأثير فيه بل تدفعه حنكة القاص إلى المشاركة في أحداث القصص وصياغة قصته الخاصة.. وهو ما يدفع البعض لكتابتها مخافة أن تخنقه الصرخة التي بداخله.
    هي قصيرة جدا, لكنها كبيرة الفعل, مداها رحب، وسيع..
    بعد هذا كله، ربما من الأفضل القول: أنه يكتب القصة القصيرة جدا، ولا تسأل كيف ولماذا؟ .. ومع ذلك نحن أمام جهد مخلص جاد من القاص يسعى لان يضع اسمه فى ميدان تلك اللعوب المسماة "قصة قصيرة جدا"، فهي تحمل في حد ذاتها غواية خاصة بحكم حجمها المراوغ. ليس هذا الملمح الكمي وحده، يحدد لمفهومها.. هناك قصر الحدث، والتكثيف الفني والدلالي، مما يستدعي قدرات خاصة أيضا في توظيف آليات قص تحمل المتلقي إلى عوالم قصصية حقيقية من خلال الرؤية السردية.. بإيحاءات رمزية وتداعيات إنسانية لها بعدها التاريخي والاجتماعي والثقافي والقيمى.. ويبقى أن الأهم هو مدى قدرتها على خلق العمق الأدبي الذي يعطي للعمل قيمته الإبداعية.
    * أسئلة:
    والحقيقة فإنّ القِصّة القصيرة جِدًّا تثير تساؤلات نقدية لن يجيب عليها سوى المبدع لها:
    ـ ما الذي يتبقّى من القِصّة في القِصّة القصيرة جِدًّا؟ بعد أن تماست مع قصيدة النثر، وفن صياغة الحكمة وربما الخبر الحكائى..
    - هل توافقت القصة القصيرة جدا مع مقولة "النفرى": "كلما اتسعتْ الرؤية ضاقت العبارة"، لكن ضيق العبارة لا يعنى حتما صغير الحجم وقصر العبارة حتما، كما يفهم البعض؟
    ـ هل التحديد الكمي للقصة هدفا فى ذاته؟
    وهو ما سوف نختبره ونتابعه فى مجموعة مجدي شلبي "حمرة خجل"، فقد جاءت في جملتها متعاركة مع الواقع، ومعبّرة عن هموم القاص.. وصفية مرة، وشاعريّة مرة أخرى، ساخرة مرة ومثيرة للشجن مرة أخرى.. متنوعة المناحي والرؤى مع الإنسان فى لحظات ضعفه وشروده وحيرته.
    ملامح القصة القصيرة جدا عند (مجدي شلبي)؟
    .. الشذى مع الترقيم، وهى تلك القصص التي تتسم بالقفزات الشعورية عبر الزمان والمكان، مع الرغبة فى الوصول إلى "حكمة ما" أو "عظة وعبرة". يتسم النص بذكاء الفكرة والتناول، بحيث أوجز النص الكثير مما يقال، وهكذا واحدة من ميزات القصة القصيرة جدا.
    * قصة قصيرة جدا: "غير مأسوف عليه"
    (1) امتطى صهوة الجواد، وبعد أن اعتدل فى جلسته؛ أصدر قراراً بإعدام جميع المشاة!
    (2) سقط أرضاً؛ فاعتذرـ بعد فوات الأوان!
    (3) حملت الجياد السائر الوحيد إلى مثواه الأخير؛ غير مأسوف عليه!
    (4) كُتب على شاهد القبر: هنا يرقد جثمان فخامة الزعيم الذي قتل شعبه!
    .. القصة القصيرة جدا مبنية على الجمل البسيطة ذات المحمول الواحد، وابتعدت عن الجمل الطويلة والمركبة ذات المحمولات المتعددة، كلما كانت القصة أكثر تركيزا، بدت أكثر إدهاشا للقارئ.
    * لو تأملنا القصة: "عقود النعام"
    (ما كاد المأذون يدعو الولي ليردد خلفه:
    ـ قبلت زواجك من موكلتي البكر......
    حتى رأت العروس ألا تبدأ حياتها الزوجية بكذب وخداع وتضليل؛ فأعلنت في صراحة أنها ليست عذراء!
    شعر الأب برغبة فى الاختباء والاختفاء عن الأحياء؛ تحت الأرض؛ بعيداً عن وصمة عار انتهاك الشرف والعرض، ثم سقط مغشياً عليه....
    رغم سعى ابنته لإفاقته؛ إلا أن القدر حقق له رغبته.)
    فإننا نجدها قد بنيت تركيبيا على الجمل البسيطة ذات المحمول الواحد، سواء أكان محمولا فعليا أم اسميا أم ظرفيا أم حاليا... وتقوم الفواصل وعلامات الترقيم الأخرى، كالاستفهام، ونقط الحذف، والنقطة، وعلامة التعجب، بدور هام في تقطيع الجمل. وتهيمن في هذه القصة القصيرة جدا، وغيرها من القصص.
    .. القصص ذات الجمل الفعلية، للتدليل على الحركية، التوتر الدرامي، إثراء الإيقاع، وخلق لغة الحذف والإضمار.
    * قصة قصيرة جدا: "القلل القناوى"
    (وصل إلى أرض الوطن؛ غاص فى أوحال الرشوة الإجبارية؛ وقبل أن يحقق حلمه بإنشاء مصنع؛ انقطعت الكهرباء عدة ساعات....
    اعتذر معالي الوزير عن الأعطال المتكررة؛ وأرجعها إلى العجز عن تلبية الاستهلاك المتزايد!
    شعر المستثمر الوطني بمسؤوليته عن تزايد الاستهلاك؛ فترك المعدات والآلات يأكلها الصدأ ؛ وأنشأ فاخورة لإنتاج القلل والبلاليص!)
    .. من أهم الظواهر في القصة القصيرة جدا، ظاهرة تراكب الجمل، وتتابعها في سياق النص ، من أجل تأزيم العقدة، وخلق التوتر الدرامي، عبر تسريع وتيرة الجمل، يتميز بالسرعة والإيجاز، وكثرة التعاقب في تسلسل الأحداث، وتتابع الأحوال والحالات..
    * كما فى قصة "اللغز"
    (أثناء تشييع الجنازة؛ رفع المرحوم الغطاء عن النعش؛ فرأى سيدة لا يعرفها تبكيه بحرارة شديدة؛ أرخى الغطاء عليه، وراح يفكر بصوت غير مسموع:
    ـ من تكون هذه السيدة؟!
    وصل المنعوش إلى مثواه الأخير؛ قبل أن يهديه التفكير لإجابة قاطعة...
    ورغم مرور سنوات؛ على تحوله إلى رفات؛ مازال اللغز المحير قائماً!)
    .. بمقياس الامتداد توسع الجملة في أحداثها وعقدتها حتى تصير بلا حل ولا انفراج، بل تتعقد القصة صراعا وتوترا من جهة، وتمتد سردا وخطابا ومساحة لتهيمن على كل القصة.
    * كما فى قصة قصيرة جدا: "فوبيا الناس"
    (رغم اضطهادهم لي؛ مازلت أتعامل معهم؛ مرتدياً كمامة الحذر؛ ومصطحباً كلبي الأوفى من البشر؛ وكل ما أخشاه أن تظهر مواهبي المكنونة، وقدراتي المهولة؛ فتثار حفيظتهم المجنونة؛ ويحاولون قتلى بطريقة غير معلومة...
    أنام بعيون ذئب مرتاب، وكلبي يحرسني بالباب كخفير درك؛ وخشية الوقوع فى شرك الطعام المسموم؛ جعلته حيوان تجارب لطعامي وشرابي أياً ما يكون!
    عقب أن شعرت بالاطمئنان؛ تناولت الطعام..... فإذا بطارق غريب؛ يصيح من قريب:
    ـ كلبك مات......
    وقع الخبر على بطني وقوع الصاعقة فأصابتها الآلام؛ وزاغ بصري الحديد؛ وتوالى القيء الشديد؛ وجميع أعرض التسمم الغذائي الحاد
    أضاف الصائح:
    ـ .....لقد دهسته سيارة مسرعة.
    نظر إلى ساعته فوجد عقاربها تدور للخلف؛ فترك سيارته على حالها، وعاد إلى بلدته راكباً حماراً أعرجاً؛ كان فى طريقه لأحد المطاعم الفاخرة!)
    .. توافر الجملة السردية بأفعال ألحكي والسرد،
    * كما فى قصة "الهدف"
    (جلست ذات مساء تستعيد ماضيها الذي كان؛ فتاة حسناء تهافت عليها الرجال؛ ولم يفز بها إلا كهل ملك المال، فمكنه من الزواج بذات الحسن والجمال
    ويالها من ليلة عصيبة؛ تنهدت وهى تتذكر محاولاته الفاشلة، رغم مساعداتها اليائسة؛ خلال ساعات اعتصرت فيها الألم والحزن والإحباط
    وهاهي الآن تروى ظمأها من بحور العشق دون معاناة؛ لكن هيهات أن يهدأ لها بال، أو يهنأ لها حال
    توقف عرض شريط الذكريات؛ على يد شاب مفتول العضلات؛ جاء طالباً يدها فى الحلال
    فلم تقبل...
    ولم ترفض!)
    .. على قلتها فقد وجدت، أعنى تلك القصة القصيرة جدا الحوارية، وهذا النمط يتسم بما يعرف بمظاهر الصراع اللغوي، وتجسيد اختلاف وجهات النظر، كما قصة قصيرة جدا: * "كبرياء"
    (فى صباح ملبد بالغيوم؛ بادرته الشمس بدفئها وجمالها:
    ـ كيف حالك يا فؤاد؟
    بحث فى ذاكرته عن اسمها دون جدوى؛ إنها جارته التي أحبها؛ لكنها تزوجت منذ سنوات من غريمه العائد من دول الخليج!
    نطق بتلعثم وارتباك:
    ـ كيف حالك يا... يا مدام؟!
    شعر أن السماء لا زالت على حالها رغم سطوع الشمس؛ فالسحب الكثيفة ليست بحال سحب صيف!)
    .. تستند القصة الوصفية عند "مجدي شلبي" إلى استخدام الصفات والأحوال والصور المجازية، قصة قصيرة جدا:
    * "المزلقان"
    (جرس الإنذار يدق بشدة؛ المزلقان مازال مغلقاً؛ والمارة والسيارات فى انتظار مرور القطار.... توقفت المحركات وأصيبت حركة المرور بالشلل التام، ونزل الركاب لاستطلاع الأمر...
    انتشر الباعة الجائلون بشكل لافت يلبون طلبات الزبائن:
    ـ اشرب يا عطشان
    ـ طعميه ساخنة وعيش نجف
    ـ اوكازيونات: تشيرتات الواحد بعشرة جنيه يا بهوات؛ ولا استغلال المحلات
    ـ مشويه على نار الحب يا بطاطا
    ـ هادى حماتك المفترية؛ سكاكين، ملاعق، كوبايات
    بعد ساعة بالتمام والكمال؛ فُتح المزلقان؛ رغم عدم مرور القطار!
    من بعيد شاهدت البائعين؛ يصافحون عامل المزلقان المسرور بعطاياهم.)
    * ملامح عامة فى قصص المجموعة "حمرة خجل":
    - لعل التكثيف من أكثر ما يلاحظه القارئ فى قصص تلك المجموعة، وهو لا يعنى صغر الحجم بل هو الانتقالات الشعورية وربما الزمنية المكانية، مع الحذف والإيجاز دوما.
    - غلبة الروح الساخـــرة بين طيات اغلب القصص، من خلال الاستهزاء، والتهكم من المعطى الموضوعي أو الذاتي، وذلك في عبارات ساخرة، وألفاظ قائمة على التلميح والتعريض، كما يتجلى ذلك بينا في قصة "متى يبيض الديك يا أبى؟": حيث حرمته زوجة الأب من البيض الذي يأكله نيئا بدلا عن بيعه أو استبداله بأشياء أخرى لا تهمه، فلما ذبحت زوجة الأب الفرخة انتقاما، اشترى الأب ديكا، فكانت خاتمة القصة الساخرة: "فى الصباح أحضر والدي ديكاً ضخماً يمتعنا صياحه؛ لكنه من أسف لا يبيض!"
    - كما يبدو للقارئ أن القاص مهموم بما هو آني من أحداث وأحوال تمر بها البلاد، وهى ميزة الأديب الجاد المتفاعل مع أهله وناسه.. إلا أن بعض الأحوال مثل "أزمة البنزين والوقود"، مثل تلك الحالات مع القصص القصيرة جدا (بالتحديد) لو قرأت بعد فترة زمنية قد تبدو مبهمة وربما غير مبررة أو غامضة، على العكس من رصد مثل تلك الأحوال فى رواية أو حتى قصة قصيرة تمهد وتبرر للحدث.

    أما وقد انتهت كلمتي، فلا يبقى سوى الإبداع وجماله وتأثيره وفعلته، وفى القصة القصيرة جدا خواص التكثيف والتشريح والشعرية والإيقاع السريع واللقطات الذكية.. وغيرها من الميزات، وإبداع "مجدي شلبي" من هذا النوع الجميل الذي يحمل تلك الخصائص، وهو الباقي المتفاعل مع القارئ دوما.

  2. #2
    الصورة الرمزية محمود سلامة الهايشة قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 502
    المواضيع : 213
    الردود : 502
    المعدل اليومي : 0.07

    Thumbs up المفارقة التصويرية في " حمرة خجل " للأديب مجدي شلبي..بقلم ال


    المفارقة التصويرية في " حمرة خجل " للأديب مجدي شلبي
    بقلم الكاتب والناقد: محمود الديداموني


    منذ أن قرأت هذه المجموعة القصصية القصيرة جدا " حمرة خجل "(1) للأديب مجدي شلبي وأنا أحاول الإمساك بالخيط الذي يربط نسيجها كاملا فهى سواء من حيث تقنية البناء أو فنية التناول بعيدا عن الموضوع والأفكار ، نستطيع الحديث عن الموضوعات والأفكار بشكل مستفيض ،ولأننا بصدد قصص قصيرة جدا إذن لابد أن ندرك سمات هذه الكتاب التى تتجلى من وجهة نظرى في التكثيف حيث يعمد كتاب القصة القصيرة جداً إلى الجمل القصيرة المكثفة التي تصور عالماً رحباً تتسع دلالاته مع كل قراءة جديدة...وقد حدد الدكتور أحمد جاسم الحسين مقومات القصة القصيرة جدا في كتابه: ” القصة القصيرة جدا”، وذلك في أربعة أركان أساسية، وهي:القصصية، والجرأة، والوحدة، والتكثيف... والحقيقة أن هناك الكثير من الحديث والآراء فى هذا الإطار تتعلق بالترابط بين العنوان والحبكة والنهاية وكذلك إحداث الدهشة مع تحوير النقاد للألفاظ واختيار الناقد ما يرتئيه تعبيرا عن رؤيته النقدية فى موضع الدراسة أو البحث .
    فهل نجح كاتبنا فى منحنا النص الذي يصل بنا للدلالة وإحداث الإمتاع الذهني والوجداني في آن فى إطار مترابط ومكثف يقوم على الإيجاز منطلقا من أن القصة القصيرة جدا ليست نكته تكتب بل فن له أدواته وأركانه وسماته ؟
    سنحاول استجلاء ذلك من خلال نصوص مجموعته ولعل الخيط الذي يمسك النسيج تجلى فى عنصر المفارقة التصويرية الذي ظل قاسما مشتركا فى معظم نصوص القصص القصيرة جدا حيث المفارقة تقدم الواقع الاجتماعي والسياسي والنفسي للشخوص والأبطال وانعكاسات ذلك على المكان والزمان بطريقة تبعث على السخرية من كل هذا وفى نفس الوقت ترسم ابتسامة ربما تكون ابتسامة باكية فى أغلب أحوالها ، وكما عرفت المفارقة بأنها تعبير بلاغي يركز على تلك العلاقة الذهنية بين الألفاظ. تصدر هذه المفارقة عن وعي شديد للذات بما حولها. لذا فإنها حسب الناقدة نبيلة إبراهيم، اتصال سري بين الكاتب والمتلقي(2) ،
    إذا كانت المفارقة، تكشف عن تناقضات الحياة التي لا يستطيع فيها الإنسان الوصول إلى حقيقة واضحة. فإن السخرية تسلب الشخص قدراته. وتعريه من كل ما يتخفى فيه ويتحصن وراءه. إن المفارقة، قد تصنع السخرية.
    إن السخرية في هذا الإطار، مفهوم مرادف لمفهوم الضحك. سخرية وضحك باعتبارهما موقف ورؤيا للحياة والكون. إن كلمة سخرية تتضمن معنى التفاوت في المستوى. محددة خط سير فيه معنى الاستعلاء. بمعنى حركة من الأعلى إلى الأسفل. وقد تحمل معنى لعبة عدوانية متجهة إلى هدف معين. إذ تكثف السخرية المتجهة من الأعلى إلى الأسفل معنى الاستهزاء المحقر.
    وسنذهب للنصوص مباشرة نبحث عن كل ما سبق أو بعض ما سبق ونأخذ مثالا أو مثالين ندلل بهما على طبيعة هذا الفن.
    فى قصة الرقم واحد يقول :

    " غرفة واحدة نسكنها، طعام واحد نأكله، وثوب واحد ألبسه طوال العام!
    فى المدرسة كان مدرس الحساب يشير إلى عجائب الرقم واحد؛ شعرت أنه يقصدنى؛ فأطرقت بصرى وبكيت....
    لم يمض كثير وقت؛ حتى ظهر اسمى رقم واحد فى قائمة الناجحين؛ فحمدت الله الواحد الأحد وسجدت له شكراً. "
    قدم الكاتب لوحة سردية قائمة على تركيب الجمل مزج فيها بين الوجدانى والذهنى بطريقة تبعث على جمالية البناء وتعميق الدلالة فى أنه من رحم المعاناة قد يولد النجاح وهنا نؤكد على حقيقة واضحة يسعى لها كاتبنا فى هذه المجموعة تتعلق بكم الرسائل التى يطلقها هنا وهناك للواقع الاجتماعى والسياسى للمجتمع . فالبناء مكثف وفى جمل قصيرة جدا ووازن بين الوجدانى والذهنى ومنح رسالة سردية للمتلقي .

    بينما فى أقصوصة " غير مأسوف عليه " التى يقول فيها :
    (1)
    امتطى صهوة الجواد، وبعد أن اعتدل فى جلسته؛ أصدر قراراً بإعدام جميع المشاة!
    (2)
    سقط أرضاً؛ فاعتذرـ بعد فوات الأوان!
    (3)
    حملت الجياد السائر الوحيد إلى مثواه الأخير؛ غير مأسوف عليه!
    (4)
    كُتب على شاهد القبر: هنا يرقد جثمان فخامة الزعيم الذى قتل شعبه!
    قام بتقسيمها فنيا إلى أرقام ، تحت كل رقم كتب جملة عبرت عن حالة قصصية ، مانحا جزيئاته السردية خطا واصلا من خلال البطل " الشخصية " عبر اختصار حركية الزمن بشكل يدعو للمتابعة ، فقد قدم عبرجمله القصيرة جدا حكاية يستطيع المتلقى أن يتخيل أو يرسم بذهنه صورا سردية عبر هذا الزمن المختزل فى زمن الحكي .
    بينما يقدم الكاتب توصيفا جميلا ودالا عن حال الصحافة وتردي واقعنا الإعلامي والصحفي حين يقول فى " الانفلونزا هى الحل ! "
    (1)
    جلس إلى مكتبه؛ ليعد مقاله اليومى؛ أظلمت شاشة ذاكرته؛ خلع رأسه وعصرها بعنف؛ فسقطت من أنفه عبارات لزجة؛ جمعها فى قرطاسه؛ وقذف بها إلى المطبعة
    (2)
    فى اليوم التالى لم تعد لديه مشكلة؛ فقد انهمرت شلالات كتاباته (الرائعة) بفضل أصابته بانفلونزا حادة مبدعة!
    رغم صعوبة المفردات التى استخدمها الكاتب إلا أنه ككاتب له مطلق الحرية في التعبير عن رؤيته لهذا الواقع الصحفي المرير وكأنهم بالفعل يلقون بمخاط أفكارهم إلى المجتمع بما يلوث هذا الواقع ويحمل بذور العدوى داخله .
    ولم يترك كاتبنا قضية إلا طرقها فها هو يعبر عن قضية اجتماعية خطيرة تتعلق بالبناء الأسرى فى قصة "عقود النعام " فيقول :
    " ما كاد المأذون يدعو الولى ليردد خلفه:
    ـ قبلت زواجك من موكلتى البكر ......
    حتى رأت العروس ألا تبدأ حياتها الزوجية بكذب وخداع وتضليل؛ فأعلنت فى صراحة أنها ليست عذراء
    والحقيقة أنه كان من المهم أن تنتهى القصة عند هذه النهاية الصادمة ، رغم أن الكاتب قدم لتلك النهاية حين ذكر كلمات ( كذب / خداع / تضليل ) ولم يكن هناك من داع لذكر تداعيات ذلك على والدها .. لأنه بالتبعية يجب أن يتخيل المتلقى النهاية وتركه للتساؤلات مع وضعه لنهايات محتملة تخصه هو وهو ما لم يتركه له الكاتب هنا . فقال مسترسلا :" شعر الأب برغبة فى الاختباء والاختفاء عن الأحياء؛ تحت الأرض؛ بعيداً عن وصمة عار انتهاك الشرف والعرض، ثم سقط مغشياً عليه....
    رغم سعى ابنته لإفاقته؛ إلا أن القدر حقق له رغبته. "
    وها أنا أعود من جديد للحديث عن الموضوع وأستمر فى ذلك فها هو يضرب بقوة على عادات المجتمع فى تفضيل الذكور على الإناث ويقدمها فى جمل قصيرة محملة بالتشويق رغم قصر جملها فيقول فى قصة " الحدود الأربعة والسقف " :
    "لم تكن تعرف معنى للأسطح المستوية (الحادة والمتقاطعة) إلا بعد أن لُفظت خارج عالمها المستدير..
    عندئذ ارتطمت بسطح بارد، ارتعشت، صرخت؛ فابتسم الجميع من حولها وامتلأوا بالدفء! ..
    وجهها نحو السقف، لم تقو عينيها على رؤية شىء؛ تلقفتها الأيدى فى لهفة وشوق؛ متسائلين:
    ـ ولد؟.... ولد؟
    جاءت الإجابة بانكسار مع هز الرأس بإشارة نفى؛ فألقوها فى (الطشت)، وانصرفوا فى صمت ! " لقد حكى الكاتب لحظة الميلاد مبديا الكثير من ردود الأفعال وراسما الكثير من الوجوه ساعتئذ ..
    بينما فى قصة " البحث عن الذات! "يقول :
    استغرقت فى عملها وقتاً أطول من المعتاد؛ استبد بزوجها القلق؛ أبلغ الشرطة، ونشر إعلاناً فى جميع وسائل الإعلام...
    فى طريق عودتها إلى البيت؛ أخذتها الشفقة بتلك السيدة المفقودة؛ فتسرب الوقت من بين يديها؛ فى رحلة البحث عنها؛ قبل أن تدرك أن مواصفات الإعلان؛ تنطبق عليها بالتمام والكمال! " . هنا يقدم لوحة نفسية قائمة على المفارقة لكنها مفارقة تأملية ، تستثير الشجون وتدعونا للوقوف على أعتاب الذات لنستعيد ما قد فقد منها أو تاه فى متاهة الأيام والأماكن .
    الحقيقة أن الكاتب فى هذه القصص القصيرة جدا حافظ على التكثيف فى كثير من قصصه وطاف بنا عبر موضوعات اجتماعية كثيرة قدم فيها رؤيته وموقفه من خلال اعتماده على المفارقة التصويرية فى معظم قصص مجموعته وقدم العديد من اللوحات الساخرة لهذا الواقع ونذكر من ذلك قصته الطويلة نسبيا والمقسمة إلى فقرات مرقمة بعنوان " الميرى وسنينه "
    (1)
    انهمرت دموعه وسط شلال من عبارات الثناء؛ فاليوم حل موعد إحالته للتقاعد؛ صافحة المدير وأشاد به:
    ـ لقد كنت بحق (حمار شغل)!
    حمل نيشان الوصف على ظهره، ومضى إلى بيته فخوراً به!
    (2)
    على مدى سنوات قطع الطريق الواصل بين بيته والعمل ذهاباً وإياباً؛ أدرك الآن ألا ذهاب بعد اليوم؛ فحرص على مصافحة جميع العمارات والحوانيت والأرصفة والناس بعيونه الدامعة مصافحة وداع؛ شعر بدوار؛ أغمض عينيه، وما كاد يرتكن إلى إحدى السيارات الواقفة؛ حتى انطلقت صافرات الانذار؛ فقبضوا عليه بتهمة الاشتباه فى سرقتها... وبعد أن تمت إهانته بشكل تام؛ اكتشفوا براءته من هذا الاتهام!
    (3)
    ـ حمدا لله على سلامتك يا (سبع البرمبة)!
    بهذا العبارة ذات المعانى المقلوبة؛ استقبلته زوجته زنوبة؛ استقبالها الحافل المعتاد؛ وزادت عليه سؤالاً استنكارياً:
    ـ (ما جاب الغراب؟!!)!
    (4)
    فى المقهى المجاور اعتاد الجلوس دون أنيس فى ذات المكان؛ يحتسى مشروب الينسون؛ عله ينسيه ما به من أحزان وآلام..... وعلى مقربة منه شاهد عشاق النرجيلة يدخنون؛ وتبدو عليهم مظاهر السعادة والانسجام؛ تنفس بعمق؛ فانتقلت عدواهم إليه؛ وما هى إلا لحظات؛ حتى كانت المقهى محاصرة بقوات مكافحة المخدرات!
    (5)
    قام مفزوعاً من نومه؛ عندما أيقظته أمه؛ للذهاب إلى مكتب العمل للبحث عن وظيفة؛ فحكى لها ما رآه من حلم؛ قبل أن يحمل على ظهره شهاداته الدراسية، وسيرته الذاتية، مصراً على ركوب القطار الميرى!
    ونلاحظ أنها هنا عنى كثيرا ببعض التفاصيل مما أخرج هذا النص عن خصائص القصص القصيرة جدا لكنه فى الوقت نفسه استفاد من تقنية المفارقة .
    تحية للكاتب المجيد مجدى شلبي على منحنا هذه الوجبة القصصية الممتلئة بالأفكار والدلالات والباعثة على القراءة والتلقي .
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
    1ـ حمرة خجل . قصص قصيرة جدا – مجدى شلبي – محل الدراسة
    2ـ نبيلة إبراهيم، فن القص، في النظرية والتطبيق، دار قباء للطباعة، ص:197.
    بقلم : محمود الديداموني

المواضيع المتشابهه

  1. الشاعر أحمد معروف شلبي
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-03-2017, 10:37 PM
  2. بنت اسمها شلبي !
    بواسطة يتيم الشعر في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 18-10-2008, 07:14 AM
  3. تهنئة للأديب الكبيرعضو الواحة/الاستاذ مجدي محمود جعفر.
    بواسطة نورا القحطاني في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 09-12-2006, 11:41 AM
  4. خديجة تكتب ذعر الخيل من حمرة الشفق..
    بواسطة ضحى بوترعة في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 10-05-2006, 01:51 PM
  5. أنا وردة حمرة مصرية.
    بواسطة نهاد صلاح معاطي في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-10-2003, 11:49 PM