**(( عاشَ يتوكّـأُ على أمالــهِ ردحاً من الزمانِ ، وعساهُ يبصرُ
منها بُرْدَ اليقين ، وبريقاً يردّ عن نُهُرِهِ ربقة الحسّاد ولجلجةَ
غَيْرةِ المترفين ، يرنو إلى أصيلِ الذكرياتِ الوادع ، وأصيصِ
مُرْتَـبعِ الورودِ الغابراتِ الناجعِ ، فلا يجدُ غيرَ رُفاةِ الأحلام
وأُفولِ نجوى الراحلين .
دائماً ما كان يرى حيالُه من تناقظات وقيعةِ الواقع العجبَ العُجابَ
الذي تـشيبُ له القلوبُ قبل النواصي ! .
هذا يحبّك تشدو عن أبي بكرٍ وعمر ، وهذا يودّ لو أسهبتَ
وأنت تكتبُ عن عليٍّ والحسين ، وذاك يميلُ إلى ما أحبّه
" شيكسبير وإلوار " !! .
وعلى حين غرةٍ ناداهُ فؤادُه بلسانٍ عربيٍّ فصيح :
لولا دلفتَ إلى مَن أشرقتْ لمساتُ آرادهم على جبين الضحى
عِشقاً وترنيما ، ورفرفت طيوبُ تراثِ أمجادهم حول شرفاتِ
الخافقين عِرفاناً وتسليماً .
تريّثَ قليلاً ، مذهولاً ، واجماً ، ثمّ قال :
أوَ أهرُبُ من حُلُمٍ إلى آخــر ؟؟ .
أجابه الفؤادُ :
بلْ هوَ عِلمُ وعينُ وحقُّ اليقين !.
قال : أسعفني إذاً أيّها الفؤادُ الصدوقُ ، فما عهدتُكَ إلا
ناصحاً أميناً ، كيما يأنسَ الضميرُ ويقرَّ البالُ وتزدهرَ السريرةُ
بكلّ ما هو جميلٌ ، فاللهُ جميلٌ ويحبّ الجمالَ .
فردّ عليه قائلاً :
تسمّعْ وأنصتْ واهجرِ الأحلامَ متشبّثاً بالأملِ الوضّاحِ المغيثِ
المنيل ِ ، أما نظرتَ بين الربوع سُقيا وظِــلالَ وثمارَ ومسكَ
وأزهارَ واحةٍ تفيضُ أنساً وحبّاً وترافةً وبهجةً مُثلى لكلّ ذي
لُبٍّ وودادٍ ، فيها للفكر صرحٌ ممرّدٌ ، وللأخــلاقِ نمارقٌ وسؤددُ ،
وللآدابِ رونقٌ وبهاءٌ وعسجدٌ ؟ .
قال : أيقنتُ الآنَ علمَ وحقَّ وعينَ يقينك ! لك الشكرُ أيّها الفؤادُ
على الترياقِ الوافي وذوقكَ الأوفى .
ودّعــهُ وأتى إلى تلك الواحةِ الغرّاءِ فإذا باليراعةِ تسكبُ ريّها
في ظلالها قصصَ الوفاء ليثبّتَ بها الخاطرَ المعطاءَ ، مستذكراً
ومذكّراً ما فاتَ من شعرٍ ونثرٍ أحلامَ المساء وآمالَ أدواحِ السماءِ
والأسماءِ ....... ))**