قبل أن أبدأ في سرد جُرحي أريد القول أنني اشتقت لكم أحبتي و اتمنى أن تكون عودة موفقة...
أودّ أن أموت...نعم أودّ أن أموت!!!
أعني ذكرياتي هي التي تموت!، ألا يوجد عزرائيل للذكريات؟، لم أكن أعلم أن لها سكاكين و سيوف هي تجرحني و تطعنني و تمزقني، أقسم أنها تفعل بي هذا في كل يوم بل كل دقيقة بل كل ثانية، أنا أعي ما أقول.
ما الحلّ؟
أريد أن أغرِقَ الكون و من عليه بحمم حروفي وآهاتي، أودّ أن أدخل يدي في قاع ذاكرتي لأتصدّق بكلّ ما تحّويه من دموع وشجون، أريد أن أبقى صفر اليدين بل صفّر الذِكريات.
النسّيان يبتعد عني كلما اقتربت إليه، إنه يأبى أن يصافحني .
الكل من حولي حيرى، أعلم أن الأصابع تُصَوبُ إلي بالجنون ومن قال غير ذلك، انه جنون الذكريات التعيسة، هي وحدها من كانت تملك عصى موسى لا لتتكئ عليها و لا لتهشّ بها على غنمها و إنما لتسحر بها دموعا من محاجري لتجري أنهارا تحت أرجُل الكون.
لكن لماذا أنا ؟؟؟...
ألست كباقي القوم؟ أم منّحوت على كتفي خاتم التعاسة، أم على سمائي غمامة تحُوم فوق رأسي لا لتُضَلِلَني بل لِتَظلِمَني، أيُعقل أن أكون رسولا للحسرة والألم..؟!.
أيعقل ؟.
الممثّلون كُثر، لم أدرس في معهد الفنون و لا المسرح، لا أريد الشهرة- لعّنة - الله على الشهرة.
أبدأ المسرحية...
الكلّ فرحٌ و مغتبط لأني بطل قصته، الكل يصفّق لأني سأعتلي مسرحه سنوات و سنوات.
أسرق النظر من خلف الستار...
الجمهور ينتظر بشغف لأني تأخرت في العرض...
أنا من خلف الستار أقصّ من أطرافي كي أبدو صغيرا...
البداية كانت منذ الطفولة...
أن أبحث عن ملابسي القديمة...
ملابسي الصغيرة...
أنظُر في المرآة ...
النسّيان يقول لي بسخرية:
- يا لك من جميل.
التفت إليه فجأة حتى أتَمَكّن منه، لكي أستنشقه...
أرتشفه...
أبلعه...
لا أريد أن أمثّل، أنا أرتجف... أنا أختنق...
النسّيان فَرَّ هَارِبًا، صِرتُ مُرغما بإخراج الصدقة فأبواب الرحمة تكاد تُغلَقُ في وجهي الحزين...الجمهور قلق ...
أنا أبحث عن أوراقي ...
عن قصتي...
الأحداث كثيرة...الأحداث متداخلة...
أين هي الصفحة الأولى...
الدمعة الأولى...
الشهقة الأولى...
سأبدأ بعد حين
المُخرج تأخر- عفوا- بل توفي، نعم قد توفي في النهاية، أعني في نهاية المسرحية لكنها لم تبدأ بعد، الأسئلة تتهاطل علي، هل هي الحقيقة أم الجنون يستوطنني؟، بل هي الحقيقة، أذكر أني سقيت قبره في ذلك اليوم بآخر عبرة من عبراتي الكظيمة لسنين طِوال
حان دور كلامي ليتكلم، عيناي تشخُص كأنها تود قول أشياء عجزت حروفي أن ترسمها، أكاد أقع ...
الكلمات تتردد...
لا أكاد أسمعها، لا أفرق بين ألفها و يائها، لون وجهي يتغير...
عيناي تختنق...
أنا أحتضر... لابد أن أبدأ، لا بد أن أتصدق بذكرياتي التعيسة، يدفعني النسيان إلى الأمام بقوّة، الأضواء تكسو الكون بنور أحمر كالدمّ، كلّ ماحولي ينمّ عن الحزن و الأسى... التّصفيق حارٍّ كحرارة الشمس لكن من دون جمهور ...أين أنا ؟ أفِعالم الأحياء أم في برّزخ الأموات؟، أنا أسمع أصواتا من بعيد تصرخ باسمي و تقول:
- ابدأ القصة...ابدأ التمّثيل .
الجمهور أكثر مما كنت أتصور، لكني و يا أسفي سأسّرد القصة من دون أن تنعم عيناي بمرآهم، سأبدأ القصة من سنوات صِباي العسيرة، والتي اتخذتني فيها الأشجان حبيبًا لها و خليلا.