"عزف منفرد "
قلْ لي بِربّك ماذا أكتب؟
أ أكتب عنك ؟
أ أكْتب عن الشّوق الذّي يّعْتَصرني حدّ الوجع ؟
أ أكتبُ عَن غصّة تَخنُقني ،كَلعنَة تُطاردُني ،يفـِرّ مِنها الدّمع مُستترا بأجفاني .
أ أكتب عن عبَرات أذْرفها من كَمد في غيابك .يَحسَبها النّاظر لآلئ متناثرة عَلى صَدري ..
أ أكتبُ عن خيْبة أم خْيبتين ؟ و قدْ أدمنتِ الخيْبـَاتُ وخزي ..
أ أكتب عن قَطرات صَبر كُنت أتجرّعها علَى مَضَض ،فصِرت أسْتَسيغ شَرابها، أنْصب مِن حَولي مَائدة ، ملأتها أقداحا سَكَبتها صَبرا ،.
أ أكتب عَنْ دَاء،كلّما حسبتني شُفيت منه عَاودني مِن جديد ،داء عُضال هُو أنتَ ليْس يشفيني منه إلا أنتَ ..أو هكَذا اعتقدت ؛لكنّي اكتشفت أنّ حُضورك مَصل مفعولُه لا يتجاوزُ تلكَ اللّحظات التّي تُشَاركني فِيها الفَضاء .أمّا غِيابك فإنّي أظنّك مثلَ الكثيرين لا تُصدق أنّ فيه بعْض رَاحتي .لوْلا تلْكَ الوَساوس التي تقذفُها في قلْبي ألْسنة الغَيرة و أفْئدة الشّكوك .فتتأجج اللوْعة و تتّقد جذوات الخَوف مِن أنْ أفقدكَ فأفقد بفقدانكَ نفْسي.
أ أكتبُ عن سَنا فرح لاح في حُضورك ،سُرعان ما أفلَ وميضه حين برزت سَحابة كثيفة من دخان لغياب احْترفته.
احْترَفت الذهابَ حين أَحتاجُكَ ، و أعتَدت المجيء إليَ كلّما ضاقت بك الدنيا ، لأنك مَا وجدت قلْبا يَحتويك بجنونك و هدوئك ، طيشك ، و صخبك الطفولي ،تمرّدك و عنَادك كما احتواك قلْبي ..فما تلْبثُ أن تسْتريح قليلا حتى تشدّ رحالك ، و تواصل مسيرك في حلقة دائرية ،تبدأ منّي و تدور بك حولي ، لكنّها لا تنتهي عنْدي.
أنَا يا رفيقي أحْببت أنْ أشَاركك في كلّ شيء ،تفَاصيل الحَياة رغمْ بساطتها، أحلامك و ان كانت على بعْد فَراسخ عن يمينك. لكِنك لست ترضى أن تشَاركني قِسْطا منْ حيْرتي ،و هوَاجسي..
أنَا مذْ أحْببتك تنَصّل منّي كلّي و تمرّدت عن هدوئها نبضاتي .. كلما هاج بي هائج الشوق تراها ترْكض لاهثة تُسَابق زفراتي المتصاعدة .تُسامق أنفاسي لتجتاز سماءها .
أنا يا رفيقي حين أجدني بين يديك أبثّك الحنين و أفْرد فِي رحابك أجنحة السكينة مستسلمة لصولة الدهشة التي تتملّكني في رحابك ..لا صوت يعلو فوق دقات نبضاتي .. فالهدوء الذي يعتريني هو سلطان لا أملك لنفسي في حضرته إلا أن تتورد وجنتاي خجلا حينا ، أو تصْفر أحيانا ،تفقد ملامحي ترتيبها ، تذهل بسمتي فتظل طريقها إلى شفتي . . فيحضرني الوجع الذي لا يغادرني ،يخرج من مكمنه ،شاحذا نصله ،ليجتث مني حروفي من مخارجها ،فيتأبطني الصمت حينا و يوثق ربَاط الكلمات وثاقا متينا .إلا من أنّات و آهات لها نواح ،نشاز لعود ممزق الأوتار يضيق منْه السّامع ، فكيف لروحي أن تطيقه ؟
أنين تضج منه روحي لكنّك لسْت تدركه ، فأذنك صَمّاء تسْمع فقط ما تريده أنتَ من سمفونية غزل في عَينيك ، و تغَاريد تتغنى برسْمك و اسمك ، صوتكَ و كلّ ما يسْتحق أو لا يسْتحق فِيك مدْحا أو ثَناء. أمّا أنْ أحدّثك أنا عن هواجسي ، و أحلامي ، ظنوني و آمالي فلا مجال لذلك ، لديك متّسع من الوقت لتحدثني عنْ كل شيء ،لكن لا يتسع لك الوقت لتسْمع منّي شَيئا يفقدك احْساسك بالنّخوة ،
كلّ يغرّد لوَحده يا رفيقي ،كلّ منّا ينشد لحْنًا،تعدّدت الألحَان ،و فشل قائد الأوركسترا فِي التّنسيق بينا.
أنا يا رفيقي يسْكنني الوَجع ،و للوجع صفعات كالريح تراود نخلتي عن نفسها ، تنازعها في الرُّطب الجنيّ العالق بأهداب قصّتنا،هذا الوجع ينخر الفَرَح المَطمُور تحتَ عَباءة شغفي و لَهَفي بك ..
هوَ الوجع حتّى في حُضورك يشاركني لحْظة انفرادك بي . أبَيتَ أن تُشاركني اياه فلم يأبَ هو إلا أن يكون عتمة تبْسط رداءها على ناظرينا ، فضاع الحبّ في دهاليز الأنَانية.و غيَابات الغرور...