|
أبكيكَ يا أبتي وتجري أدمُعي |
ويضِجُّ آسٍ في ثنايا أضلُعي |
أوَلستَ من وهبَ الحنانَ حروفَهُ |
وأفدتَ معنى الحِلمِ للمُتطَلِّلعِ |
وأفضتَ علماً يرتوي به ظامئٌ |
تاقتْ لصوتِكَ غيرُ ذاتِ المَسمَعِ |
شيَّدتَ في الدنيا بناءاً صيِّناً |
ضمنتهُ بمحبَّةٍ لم تُنزَعِ |
وهناكَ للأخرى أقمتَ منازلاً |
بالذِّكرِ والتَّسبيحِ والمُتطَوَّعِ |
خبرٌ تلقَّتهُ القلوبُ كجلمدٍ |
هاوٍ عليها من علوٍّ مُسرِعِ |
لم تستطِع دَفعاً ولاعنهُ تقىً |
قد أسلَمتْ للهِ رَسنَ الطَّيِّعِ |
لم يترُكِ الموتُ المُسدَّدُ للملا |
ذا شارِبٍ حيّاً ولا ذابُرقُعِ |
يسعى ولاينفكُّ يُخلي ديارَهُم |
يتوعَّدُ الاعمارَ باسمِ البَلقَعِ |
غادرتَ ياقمراً أنرتَ عقولَنا |
وقلوبَنا ليست ليالي الهُجَّعِ |
عرِّج علينا في المنامِ وقُل لنا |
ماذا رأيتَ من النعيمِ المُمرِعِ |
كيفَ انسلالُ الروحِ من أجسادِنا |
كيفَ القبورُ ومابها من مضجِعِ |
نبَّأتنا عن كلِّ تجرُبةٍ مضَتْ |
ما لي أراكَ اليومَ لمَّا تصدَعِ |
ومضُ الغمامةِ من جبينِكَ خِلتُهُ |
فتبعتهُ والصبحُ غالَ توقُّعِي |
شوقي إلى تقبيلهِ ما نابَني |
لم أنثني أدنو إلى ما يَسطَعِ |
أرَّقتَ يا أبتي جفونكَ فاضطَجِعْ |
واترُك حياةَ الهمِّ والمُتوجَّعِ |
دارٌ تعدُّ عليكَ كل تبسُّمٍ |
وترى الحُبورَ زيادةً لم تُشرَعِ |
قد كنتَ تفهمُ مقصَدي بإشارةٍ |
واليومَ أُسهِبُ شارحاً لا من يعِي |
وأرى مُرادَكَ في ملامِحَ نَضرَةٍ |
فاليومَ إن ترنو اللواحظُ تفزَعِ |
أقبِل أبي بأريجِ قولِكَ أُزخِمَتْ |
أوقاتُنا بالهذرِ والمُتصنَّعِ |
بوضيءِ قلبكَ باتزانِكَ بالنُّهى |
بصُفوٍّ ذكرٍ لا يعَكِّرُهُ دعِ |
بفسيحِ صدرٍ حُمِّلَ الغُمَّى كما |
حملَ الخِضَمُّ الفلكَ لم يتَزَعزَعِ |
ذبُلت زهورٌ كنتَ فصلَ ربيعِها |
والنحلُ تاهَ بلا دليلِ المَرتَعِ |
نِدُّ الضحى ألَقاً وأعظمُ رِقَّةً |
أبدلتَ للأجداثِ وهجَ المطلَعِ |
يا أحمدَ ابنَ خفيرَ عَزَّ مُضارِعُكْ |
فُقتَ المُنيفَ من الجبالِ الأرفَعِ |
وإنِ التمستُ لكَ الشبيهَ من الورى |
خُلقاً أبوبكرٍ رحيبَ الأذرُعِ |
مالَ السَّحابُ عن الرُّبوعِ وقال لا |
غيثٌ لكم غيرَ الدموعِ الهُمَّعِ |
ولقد خشيتُ على المقابِرِ مَدَّها |
ماللُّحودِ إذا انطوت من مَرجِعِ |
وإذا نَعيتُ فليسَ كَوني خالداً |
أو أنَّ شعري مُحدَثٌ لم يُبدَعِ |
إن متُّ مات المُصطفى وصحابُهُ |
إن متُّ مات الشنفرى والأصمَعِي |
ما أحرفي إلا هباءَةُ وصفِهِ |
وكأنَّما قِستُ العنانَ بإصبَعِ |
لكنَّني أرجو الجليلَ بمنِّهِ |
يتولَّني وأحبَّتي من مَفزَعِ |
ويعيدُ بعثَ رُفاتِنا في جنةٍ |
تُنسي الفؤادَ مَضيضَ كلِّ تفجُّعِ |