عودة للمربع الأول..
كان المنزل جميلا جدا..وجديدا جدا..
حتى أنه كان زاهيا ومشهيا بكل تفاصيله البادية ..للعين..بشكل مبهر ..
وكما وصفه لي أبا سامر تماما..
نعم كان مضطرا للهجرة في هذا الظرف الاستثنائي المر..والبلاد تحترق...والبلاد تتحطم ..أكثر من أي وقت مضى..
لكن هذه المرة كانت الحالة مختلفة جدا عن سابقاتها...ذلك أن أبناءها ساهموا بجدارة في تحطيمها..
يا للخيبة...
لقد مضى وقت طويل ونحن نبني بعناد الطموح أنا وأبا سامر مستقبلنا الكبير...و دون النظر للوراء...
لكن منزلنا الآن بات محطما تماما كما أرى بحرقة وألم .. وبفعل انفجارات ما عرفنا مصدرها... وما عرفنا مسببها..
كنت أجلس بقلق , على ما تبقى من درج العمارة أهذي بحرقة.. أهذي بلا ضابط ولا سيطرة..
حتى انتشلتني جارتنا أم عمر ذات الثمانين عاما.. وتقوي من عزيمتي المنهارة قائلة:
-صبراً أم سامر فإن موعدنا الجنة..
رددت بلا تحكم :
-عن أي جنة تتحدثين؟
كنت أحمل ما استطعت حمله على حجري , وأنا أشعر بالألم.
محل أبا سامر التجاري قد سرق مؤخرا كما في المرة الأولى , ثم احترق, ثم ...تحطم تماما.
هل كان خيار الهجرة الذي اختاره أبا سامر صحيحا هذه المرة ؟
يبدو أنه كان لابد من الهجرة فعلا ...فهذا يثبت أننا أحياء,على الأقل لأنفسنا..
نعم هي الهجرة فقط...لاهو نزوح ولا لجوء...
تركنا بعضنا هناك..بل كثيرا منا , وحروفا ما فيها من العقل سوى العلة...
نلوم أنفسنا ونلوم من حولنا..ونمضغ المر من جهلنا...
وشيطان حالنا يرقص أمام أعيننا بفرح..فنشيح النظر عنه إلا من مر وصلنا إليه.
حتى لسان عقلنا خرس هذه المرة!..
ما زلنا نتساءل ما الذنب الكبير الذي اقترفناه جميعا ؟هل تأخرنا في كل شيئ كان له الأثر؟
سؤال أتى متأخرا جدا على ما يبدو...
عندما طالعت المنزل من جديد, ونظرت في تفاصيله هبت الذاكرة تصرخ في وجهي بعنف:
-هذا هو أول منزل سكنته مع زوجك عندما جئت عروسا إلى هنا!صرخت بلا عقال:
-معقول؟ مستحيل..
طالعته من جديد تجولت في أرجائه المنيرة.. وعرفته وفهمت أخيراً,,أنني مابرحت المكان بعد...
جميل أن أولادي تعلموا تخرجوا..رحلوا لبلاد الغرب الذي يقفز ويتطور بقوة وصلابة وعناد وسرعة...
نظرت حولي من جديد..قلت لأبي سامر:
-هل عدنا للمربع الأول؟
قال لي بعجب:
-وهل غادرنا مكاننا أصلا؟؟؟
أسقط في يدي؟؟جلست على أرض خاوية من الأثاث...
وما وجدت ردا ولا تفسيرا ولا توضيحا لما حصل ..
سوى أنني كنت أشعر فعلا أنني عدت للمربع الأول وعلي بناء وعمل من جديد فهل سيكون؟؟؟؟
ريمه الخاني 6-11-2012