|
أنكرتُ كفّيَ تحثو فوقكِ الترُبا |
للهِ ما أضيعَ الأبناءَ والأدبا |
جزيتُ رُحماكِ من يُمنايَ ملتحَداً |
يا خيرَ منجبةٍ والإبنُ ما نَجبا |
كيف ارتضى ليَ قلبي لحدَ واهبةٍ |
حياتَها لي فليت الرحْمَ ما وهبا |
وكنتُ كذّبتُ عيني عند رؤيتِها |
فإذْ دهى أجلٌ صدّقتُ مَن كذّبا |
أزورُ قبرَكِ والأضلاعُ أضرحةٌ |
قد بانَ ساكنُها من بينِها هربا |
يقود خطوي نداءٌ منكِ يصْدعُني |
جازَ البرازخَ حتى مزّق الحُجُبا |
أُقبّل القبرَ والأهدابُ مُخضلَةٌ |
وبؤبؤٌ غرِقٌ يستصرخُ الهُدُبا |
نزلتِ في حفرةٍ جدباءَ مقفرةٍ |
فاهتزَّ منكِ صعيدٌ أخصبَ الجَدبا |
ليهنِكَ اليومَ يا قبراً بثاويةٍ |
تضوَّعَ الترْبُ من أكفانِها وربا |
فأين حضنُكِ أُلقي فيه فاجعتي |
ينسلُّ حزني في أثنائهِ سرَبا |
حيث السكينةُ ما شابت وداعتَها |
ملالةٌ تعتري من غيرِكِ القُرُبا |
يا ليت لي كَرّةً أخرى إلى عمُرٍ |
قضيتُ في حضنِها باكورةً وصِبا |
طيفٌ أليفٌ يناغيني فأُدمنُهُ |
يحتلُّ ذاكرتي بالسلمِ والعَصبا |
اغيبُ مستحضِراً إياهُ في نَبَهٍ |
ويُبعدُ النومَ جرحٌ كلما اقتربا |
خيالُ أمي كما اعتادتْ يعوّذُني |
أنّى أقمتُ وأنى سِرتُ مغتربا |
يا أمِّ أذّنَ داعي الفجرِ فانتبهي |
وهاك دمعي وضوءً دافئاً صَبَبا |
يا أمِّ هذا أنا قد هدّني تعبي |
فأين صوتُكِ يجلو عنيَ التعبا |
يا أمِّ هذا فؤادي ناحباً دنِفاً |
فأين كفُّكِ كي يسلو الذي نحَبا |
أوّاه يا أمّ..رُزْءُ الصبرِ يعصرُني |
فما يرشِّحُ غيرَ المُرِّ إنْ حُلِبا |
يا أم..لا رزْءَ بعد اليومِ يفجؤني |
ورُبَّ نائبةٍ تستجقرُ النُّوَبا |
وكلُّ جرحٍ مع الأيامِ ملتئمٌ |
إلا رغيباً بسقفِ الروحِ قد نَشبا |
ثلجٌ هو الحرفُ والأبياتُ قاصرةٌ |
فكيف تحملُ يحموماً إذا انسكبا |
حُمَّ القضاءُ فلا عُتبى على قدرٍ |
وأيُّنا خالدٌ كي يُوجبَ العتَبا |
اللهُ يختارُ من نادت مشيئتُهُ |
وما لعبدٍ له أن يُضمرَ الغضبا |
ومِيْتةٍ ذُقتِها بالأمسِ صابرةً |
ولن تذوقي ردىً بعد الذي كُتِبا |
فأبشري وارجعي للهِ راضيةً |
إني مُجِدٌّ على آثارِكم دأَبا |
لا تبعدي ،أُمِّ، فالأقدارُ موعدُنا |
هيهات نُخلفُها أو نختبي هربا |
في ذمّةِ الله قد أودعتُ غاليتي |
أنعِمْ بمستودَعٍ لا يجحدُ الطلبا. |