جاء فيما أثر عن الأقدمين من الحفاظ والرواة ممن لا يتواطؤون على الكذب ،وممن تجري الحكمة على السنتهم، الحكاية التالية الواقعة احداثها في سمرقند العظيمة بعد وفاة صاحب الامر فيها ،حيث سرى في المدينة همس ما لبث ان عم الداني والقاصي ،فلبست المآذن السواد ونكست الاعلام وضج الناس بالصراخ والعويل
وتملكهم حزن برحيل الحاكم أمر الله فيهم وحيرة بمن يتملك امرهم و يخلفه في تدبير شؤون حياتهم.
أجتمع اهل الحل والعقد وتشاوروا في امرالخلافة ،واختلفوا، ولم يرشد لهم رأي فتراجعوا شانهم حتى كاد الامر يخلق فتنة ،فاهتدوا الى شريعة تحفظ تماسكهم وتبعد شر الاختلاف والفرقة عن مدينتهم.
وأجمعوا الأمرهم على تحكيم الطبيعة لاختيار الأصلح .فأذن مؤذن في الناس:من يجد في نفسه القدرة على الرعاية وتدبير الامر فليحج الى ساحة المدينة.
وتهافت الصالح والطالح الشريف والوضيع الغتي والفقير حنى ضاقت الساحة عليهم بما رحبت ،الكل ينشد الرياسة وفضيلة القيادة .
أعتلى قاضي المدينة مئذنة الجامع الكبير و طير حمامة .حلقت فوق الرؤوس المشرئبة .دارت ثم لفت
تتحسس طمعهم وخبث نفوسهم وعطشهم الى التسلط ،ولما أدركت مضمر ما يبطنون حطت مرهقة على كتف ماجن سكير ، هلل الناس في اكبار و عقدوا له الرياسة وأقسموا له على السمع والطاعة.
وأضاءت النجوم الأرض وتعاقب الليل والنهار وفسد الامر وعم الكساد . ولم يكن للحاكم الجديد هم غير الاستمتاع بالملذات حلالها وحرامها ،فضاعت الحقوق وعمت المظالم . وضج الناس الى قاضي المدينة عله يلتمس لهم حلا ، فدخل على مدبر امر الناس و رفع اليه امر تظلماتهم ، فنظر اليه والسكر يغالبه وخاطبه بلسان لا يقوى على التلفظ:
-لو اراد الله بهم خيرا لما حطت الحمامة عاى كتفي .