كبرياء لا تشبع من أطباق الذل والانكسار
لكل إنسان كبرياء مهما كانت مكانته الاجتماعية فلا بد أنْ تجد ولو مثقال ذرة ، وهناك من الناس مَنْ تتلاطم الكبرياء في عروق دمه كاليهود الذين تجرؤوا على الذات الإلهية فقالوا : إن الله فقير ونحن أغنياء ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
لكنْ هل الكبرياء في الإنسان فطرية أو مكتسبة ؟
الكبرياء فطرية باعتبار أنّ الإنسان كائن مختار يميل إلى الخير وإلى الشر وهذه هي القابلية التي لا نجدها عند الملائكة لكونهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
وبهذا الاعتبار أي ( اعتبار القابلية ) لا يكون الإنسان مسؤولا لأنها مجرد استعداد والاستعداد ليس تنفيذا ، وقد تُعبّر عنها أخلاق خاصة مثل العزة والأنفة ....
أما الكبرياء المكتسبة التي يكون فيها الإنسان مسؤولا فهي الشعور بعظمة الذات وفوقيتها وانفلاتها من الطبقة البسيطة بسبب مال أو جاه أو نفوذ ، ولا يلزم من وجود هذه الأمور وجود الكبرياء إذا كان الإيمان دائم الحضور .
إنّ الكبرياء المكتسبة تبدو لنا من حيث المسؤولية أنها مسألة فردية يتحمل آثامها المصاب بها ، وهذا ليس بصحيح فالمجتمع يتقاسم أوزارها مع صاحبها !! ولدينا مثال :
من أبرز المصابين بالكبرياء في تاريخ البشرية فرعون ، حيث ادعى الربوبية بقوله " أنا ربكم الأعلى " فالقارئ للآية قد يتصور أنّ فرعون مسؤول وحده عن هذه الطلقة الكفرية التي خرقت التوحيد ، والأمر ليس كذلك ؛ فقد جاء في آية أخرى من سورة الزخرف " فاستخفّ قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين " معنى استخفّهم أي دعاهم إلى الجهل والطيش فاستجابوا له ، فالمجتمع بهذه الاستجابة يكون هو المغذي لهذه الكبرياء التي لا تشبع من أطباق الذل والانكسار الجماهيري ، لا يهمها أن يكون الأداء خالص النوايا أو تمثيلا يُرادُ به الحصول على منصب أو وساطة أو حصانة ... أفلا يكون المجتمع بعد ذلك صانعا للطغاة ؟
لكن أيُّ مجتمع ؟
لقد أجابت الآية الكريمة " إنهم كانوا قوما فاسقين " فالمجتمع يكون سهل القياد إذا فسق عن أمر ربه ولم يعرف الأحق بصفة الكبرياء الذي قال " الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار "
أما المجتمع المثقف الذي يعرف أحقية الذات الإلهية بهذه الصفة فإنه يصعبُ خداعه .
لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله " فما أعظمك يا محمد !!
سأكسر قلمي وأريق مدادي ، هذا سيد الخلق أجمعين يرسم حدود مدحه ، ويأتي بعده من يتطلع إلى خصائص الذات الإلهية لتجعل منه الجماهير صنما مرهوبا ، اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئا أعلمه وأستغفرك لما لا أعلمه .