أحدث المشاركات

قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»»

صفحة 1 من 6 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 57

الموضوع: أفلاك وأدراك

  1. #1
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.28

    افتراضي أفلاك وأدراك


    صَافَحتْ نَسَماتُ كَانُونَ البَارِدةُ وَجهَهُ مُسترْخِيًا فِي المقعَدِ الوَثيرِ لسيَّارتِهِ الفَارهَةِ وهي تَتهَادَى بِحِرصٍ على الطَّريقِ القدِيمِ الضَّيِّقِ لقَريَةِ الصَّيادين. كَانَ ثمَّةَ ابتِسَامةُ رِضَا تَسترِيحُ على وَجهِ الشَّيخِ الوَقُورِ وَهوَ يَستَعيدُ مَا وفَّقهُ اللهُ فيهِ منْ إصلاحِ ذَاتِ البَينِ وَحِفظِ عِلاقَةِ القُربَى بَينَ أَخَوين فَقِيرين منْ أهلِ القريَةِ بِما حَباهُ اللهُ من حِكمَةٍ وَثَرَاءٍ. إِنَّهُ دَيدَنٌ اعتَادَهُ منذُ أمَدٍ بَعيدٍ ضِمنَ أنشطَةٍ كَثيرةٍ يقومُ بها لا يرتَجِي بها إِلا وَجهَ اللهِ ورِضَاهُ ما كلَّفهُ هذا منْ جُهدٍ ووقتٍ ومَالٍ.
    - تَوقَّفْ!
    ارتبكَ السائقُ من صَيحةِ الشَّيخِ المُفاجئَةِ فالتفتَ إليهِ مُضطرِبًا لِيجِدَهُ ينظرُ إلى جانبِ الطَّريقِ الأَيسرِ.
    - اذْهَبْ وَائْتِنِي بِهِ!
    بخُطواتٍ حائرةِ أسرَعَ السائقُ نحوَ مستَودَعِ القُمَامَةِ.
    - مَا هَذا الذِي تَفْعَلُ؟
    - لمْ أفعلْ شَيئًا يا سيِّدِي!
    - قَدْ رَأيتُكَ بِعَينِي فَأَخبرْنِي بِالحَقِيقَةِ
    ارتبكَ ذاكَ قليلا ثمَّ قالَ متلعثِمًا:
    - لا أعلمُ عمَّ تَتحدَّثُ سيِّدِي ، لمْ أفعلْ شيئًا سِوى أّنِّي كنتُ أبحثُ عن بقَايَا طعامٍ هُنَاكَ فَأقيمَ بِهَا صُلبِي؛ أَنَا فَقِيرٌ منبُوذٌ وَأهلُ القريَةِ لا يَثقُونَ بِي وَيخشَونَ بَوَائِقِي كَمَا يَقُولونَ فلا أجِدُ بينهمْ مكَانًا لِرزقٍ وَلا مِنهُمْ مَكانًا لِعطْفٍ.
    - مَا اسمُكَ؟ وَأينَ تسكُنُ؟
    - سَائِد يَا سيِّدِي ، وَلا أَملكُ بَيتًا. أَنَامُ هناكَ تحتَ ذلك الجِدارِ قُربَ مجمعِ القمَامةِ بِرفقَةِ كَلبِي الهَزِيلِ هذَا.
    التفتَ الشَّيخُ نحوَ الكَلبِ بِطرفِ عَينهِ وَصمَتَ قَليلا يُجاهِدُ دَمعَةَ إِشفَاقٍ تُرَاوِدُ عَينَيهِ ثمَّ قَالَ:
    - اركَبْ معِي ولا تَخْشَ ظُلمًا ولا هضْمًا!
    ارتَبكَ وهوَ يُقلِّبُ عينيِهِ بينَ السيَّارةِ الفارِهَةِ وَثِيابِهِ الرثَّةِ القَذِرَةِ فشجَّعهُ الشَّيخُ بنظرةِ وُدٍّ وعطفٍ فجلسَ إلى جانبِهِ كَسِيرًا مُنطوِيًا عَلَى كَلبِهِ.

    *********

    جلسَ الشيخُ ذاتَ فسحَةٍ بعدَ عصرِ يومٍ ربيعِيٍّ في شرفَةِ قَصرِهِ الشَّامخِ فوقَ التَّلةِ المُطِلَّةِ على عِدَّةِ قُرَى تَناثَرَتْ في الأودِيَةِ المُحيطَةِ يَرقبُ البُستانِيِّ مسرُورًا بما يقومُ بهِ من عمَلٍ حثيثٍ وَحِرصٍ واضحٍ على أنْ تكونَ حديقةُ القصْرِ خَضراءَ نَاضرَةً وأنْ تكونَ شَجَراتُهَا ذاتَ ظِلٍّ وثَمَرٍ. هَا مَرَّتْ أعوامٌ ثلاثةٌ منذُ عيَّنَهُ فَلمْ يَفتَأْ مُكبًّا عَلى عملِهِ بِاجتِهَادٍ وَالتزامٍ شَاكرًا أَنْعُمَهُ وَغيرَ مُصدِّقٍ أنَّهُ باتَ يجِدُ المَأكلَ والمَسْكنَ في قصرٍ منيفٍ وأَنَّهُ يجِدُ الرِّعايةَ وَالعِنايَةَ كُلَّما رَأَى الشَّيخُ مِنهُ خَيرًا وَصِدقًا.
    لقَدْ قرَّرَ أنْ يمنَحَهُ المَزِيدَ منَ الصَّلاحِيَاتِ.
    جفَّفَ سَائدٌ عَرَقَهُ وقالَ:
    - هذَا كثيرٌ يا سيِّدِي. قَدْ أكْرَمتَنِي كَثِيرًا؛ آوَيتَنِي وَاجْتَبيتَنِي وَرَفعتَنِي فوقَ منْ كانُوا يَرَونَنِي دُونَهُمْ ، وَلَقدْ كُنتَ رَفَّعتَنِي منذ مدَّةٍ قصيرةٍ لأكونَ مسؤُولا عنِ الحَديقَةِ وَإِسطَبلِ السَّيارَاتِ وَأَعْتقِدُ أنَّ هَذَ.....
    - بلْ أنتَ تَستَحِقُّ هَذَا وَأكثرَ بِمَا أَرى مِنكَ منْ جديَّةٍ والتزَامٍ ووَفَاءٍ للقَصْرِ وأهْلِهِ، وإِنِّي أرى أنْ تَكونَ المسؤولَ الثانِي بعدَ مُديرِ القَصرِ وَأَعلمُ أنَّكَ لنْ تُخيِّبَ ثِقَتِي وَلنْ تَخْذِلَ ظَنِّي.
    - أشكُرُكَ يَا سيِّدِي وأمتَنُّ لكَ، وَثِقْ بأنَّني سَأكونُ كمَا تُحِبُّ. فَضْلُكَ عليَّ وعَلَى غَيري لا يُنْسَى وَإنِّي سَأفْتَديكَ بنَفسِي وَسَأقُومُ على خِدْمَةِ هذَا القَصْرِ مَا حَييتُ.

    *********

    - أنتَ مُجرَّدُ سائقٍ ولا تُدركُ منَ الأمُورِ شَيئًا. وَلا يعنِي أنَّني إذْ عوَّدتُكَ مُسامرتِي أنْ تَنسَى قَدْرِي وَتتَجَاوزَ فِي حَديثِكَ معِي.
    - لمْ أتَجاوزْ ولَمْ أتَجَنَّ. إِنَّما تحدثْتُ معَكَ بِلسانِ الصَّدِيقِ وَالزَّمِيلِ ليسَ إِلا. الشَّيخُ أَكرمكَ وقَدَّمَكَ على غيرِكَ؛ فَأَنا أَقدَمُ منكَ فِي هذَا المَكانِ وهَا أنتَ أصْبحْتَ مسؤُولا عنِّي وعنْ غيرِي ، أَما تَرى أَنَّه لا يردُّ لكَ طلبًا وَلا يحرِمُكَ من أمْرٍ؟ بلْ لقد باتَ من عظيمِ ثِقتِهِ بكَ يَعملُ بِرَأيِكَ وَيُراعِي أمْرَكَ وَيَنتدِبُكَ لِتقومَ مَقَامهُ بينَ النَّاسِ.
    - قلتُ لكَ لا تَتَجاوزْ قَدْرَكَ! واعلمْ أنَّ الشَّيخَ لا يستطيعُ أنْ يستَغنِيَ عنِّي بلْ ولا يستطيعُ أنْ يُدبِّرَ أمرَهُ بِدُونِي وَلَنْ يَجِدَ يومًا مِثلي، وإنِّي أَوفَيتُهُ سَنَواتٍ خَمسًا وَلمْ أَجِدْ مِنهُ المُقابِلَ المُستحَقَّ. أَما ترى إلى حيثُ يسكنُ والمُدِيرَ في ذَلكَ القَصرِ الفارِهِ، وَأَسكنُ أَنا في هذَا المَبنَى الجَانِبيِّ فِي الحَديقَةِ. هَذَا ليسَ بِعَدلٍ وَلا يَكُونُ الوَفَاءُ هَكَذَا أَبَدًا.
    - أتطعنُ في ذِمَّةِ الشَّيخِ وَعدْلِهِ وهوَ منْ يَشْهدُ لهَ النَّاسُ بِالعدْلِ وَبِالحِكمةِ؟؟ أَتتحَدَّثُ عنِ الوَفَاءِ وَأَنتَ مَنْ عَقَّ العَطفَ وَعَضَّ الكَفَّ؟؟ مَنْ يَفِي مْنْ؟؟ ثُمَّ هلِ الوَفَاءُ عندَكَ قِيمَةٌ تَتغيَّرُ بِالرِّضَا والسُّخْطِ؟؟ أَنتَ تعلمُ خُلُقَهُ وَأجدَرُ النَّاسِ بِالوَفَاءِ لهُ، وَاذْكُرْ إذْ كُنتَ منبوذًا مُستَضعَفًا تأكُلُ منَ الفَضَلاتِ فَآواكَ وَنصَرَكَ وَرفَعَكَ بينَ العَالَمينَ.
    - إِيَّاكَ أنْ تُذَكِّرنِي بِمَا كَانَ! مَنْ أنتَ لِتتحدَّثَ معِي عن مَعَاني الوَفَاءِ؟؟ إنَّهُ خَطَئِي إذْ تَنَازلتُ فَحدَّثْتُ أمثالَكَ.
    - بلْ دَعنِي أُحدِّثكَ عنْ قصَّتي مع الشَّيخِ فَتعلمَ ما تجْهَلُ وَتعِيَ مَا أنْتَ منهُ تَحِيدُ. لقَد انْتَشلَنِي هَذَا الشَّيخُ منَ الضَّياعِ وَإدْمَانِ الخَمرِ يومَ فَقَدتُ وَظيفَتِي وَمَاتتْ أُمِّي وَاستولَى عَمِّي عَلى البَيتِ. وَلَمْ أدركْ حكمَتَهُ حينَ عيَّننِي سائقًا إلا حينَ وجدتُنِي مضطَرًا للتوقُّفِ عن الخَمرِ في سَاعاتِ العملِ وَالقِيادةِ. ثُمَّ إنَّهُ أكْرَمَني بِالمالِ وَبِالحنوِّ حَتَّى لقَد بت أسْتَحيي أنْ أشربَ الخمرَ في أيِّ وقتٍ أو أيِّ مكانٍ فَأُسِيءَ إلى مَكانَةِ الشَّيخِ أو سُمعَةِ القَصرِ فَحَرَّمَتْهَا عَليَّ أَخْلاقِي لا مِلَّتِي.
    - إليكَ عَنِّي فَقَدْ مَللتُكَ ، ولا تَعُدْ للحديثِ معي مرةً أخرى فَأُؤذِيَكَ.

    *********

    لمْ يلتفتْ الشَّيخُ الطَّيبُ كَثيرًا إلى تحذِيرَاتِ مُديرِ القَصْرِ بِأَنَّ سَائِدًا هَذا لا يُؤْتَمَنُ وَأَنَّه يُكثِرُ التَّهامُسَ المُرِيبَ مع بعضِ عُمَّالِ القصرِ والعديدِ من زُوَّارِهِ. كَانتْ ثِقَتهُ بِهِ وَبِمَواقِفِهِ السابقَةِ تُقَلِّلُ فِي عَينهِ مَا تَحملُ سَهَراتُهُ المُريبةُ خارجَ القصرِ مؤخرًا وبعضُ تصرفَاتِهِ غيرُ المعتادَةِ مِنْ ريبةٍ وَقَلقٍ، فَمَا انفَكَّ يُكرِمُهُ وَيرفَعُهُ وَيُقَدِّمُهُ حَتَّى طَغَى سَائدٌ وبَاتَ يرَى نفسَهُ أَحْكَمَ منَ الشَّيخِ وَأَكْرَمَ، وَأحْلَمَ مِنهُ وَأعلَمَ. وَفِي مَسَاءِ ليلةٍ مُعتمَةٍ ذَهبَ مديرُ القصرِ فيها لزيارَةِ أهلِهِ فِي إِجَازَةٍ قَصِيرةٍ أَحكَمَ سائدٌ الخِطَّةَ إذْ سوَّلَتْ لهُ نفْسُهُ قَتلَ الشَّيخِ؛ فَتَسلَّلَ مِنْ خَلفِهِ وَهوَ قَائمٌ يُصلِّي وَقدْ أمْسَكتْ كَفُّ الغَدْرِ بِخِنجَرِ العُقُوقِ لِتغرِزَهُ فِي ظَهْرِ مَنْ كانَ ظَهْرَهُ.

    أَنهَى الشَّيخُ صلاتَهُ مُستعجِلا بعدَ أنْ عَلَتْ خلفَهُ جَلَبَةٌ كبيرةٌ وصراخٌ مُدَوٍّ، وَالتَفَتَ لِيَجدَ الكَلْبَ السَّمِينَ وَقَدْ أَحْكَمَ فَكَيّهِ على عنُقِ سَائِدٍ جُثَّةً هَامِدَةً وَالخِنجرُ مُلقَى إِلى جَانِبِهِ فِي بِركَةٍ منْ دِمَاءٍ.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.74

    افتراضي

    قصة عمرية جديدة بمحمول كما اعتدنا زاخر بالحكمة والفكر والمعاني في قالب لغوي مدهش تتفتح لودقه الأذهان ويتهئ لنبل القيمة الرئيسة المطروقة فيه أو نقيضها الوجدان
    معلّم ومدهش كدائما

    حجز مقعد ولي عودة لقصة تستحق قراءات متأنية

    دمت بألق
    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.15

    افتراضي

    ماشاء الله ولا قوة إلا بالله
    مرور سريع وحجز مقعد ولي عودة أكيدة لقراءة متأنية ورد يليق بعمل أدبي يستحق التثبيت والدراسة
    دام ألقك سيدي
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.86

    افتراضي

    صافحت نسمات كانون الباردة الوجه المسترخي.... بداية توحي بالهدوء النّفسي للشّخصيّة المتّزنة التي تتّضح المعلومات عنها أكثر مع السّرد، وإذ بها ذات مقام محمود ولها أهميّتها في الإصلاح الاجتماعي... وتظلّ وتيرة الأحداث في الجوّ الهادئ إلى أن تظهر شخصيّة جديدة هي شخصيّة سائد، الرّجل الذي يعتاش ممّا ينبشه من القمامة ... ومقام الشّيخ وحكمته وصفاته الحميدة لا تسمح بألّا يلتفت إلى سائد ... وكان سائد المحرّك للأحداث التي تطوّرت بمحاولاته لخيانة الشّيخ إلى أن وصلت الذّروة حين حاول قتله... وهنا لبّ الفكرة ... قذارة الإنسان وجشعه وعدم معرفة حجمه وقيمته، كلّ ذلك قد يؤدّي إلى تصرّفات حمقاء بل دنيئة بارتكاب جريمة القتل لمن أحسن إليه، وأعلى من شأنه ... وتعكس التّصرفات قول:"اتق شرّ من أحسنت إليه" وتنادي القصّة بأخذ الحيطة والحذر، وعدم إعطاء قيمة لمن لا يستحقّها ... فالكلب بدا أحكم من صاحبه، وميّز أنّ صاحبه الحقيقي هو من أطعمه بعد أن كان جائعا هزيلا... وهنا سخريّة النّصّ ... الكلب صاحب سائد، ولكنّه كان صاحب الشّيخ!
    اختيار الاسم سائد للشّخصيّة جاء موفقّا جدّا، حيث أظهرت سلوكيّاته أنّه طمع أن يكون السّيّد في الوقت الذي لا يصحّ أن يكون سيّدا على نفسه لانجراره وراء الجشع، وعدم التّمييز بين الوهم والحقيقة ... حين يصل من لا يعرف قدره وينفخه بتحسّن حاله واحتوائه من قبل كرماء ويصل إلى مكان لم يحلم به، ولا يحقّ له إلّا بمساعدة الأذرع التي ترفعه، يظنّ نفسه بالفعل أنّه ذو قيمة وتزداد أطماعه وأفكاره السّوداويّة في السّيطرة
    قصّة رائعة في عرضها لشريحة معيّنة من النّاس طمّاعة غادرة لا تقدّر فضل اليد التي تمدّ لها وتساندها وتدعمها وترفعها من الحضيض إلى الأعالي ...
    بورك القلم والفكر، ودمت رمزا للكلمة الحرّة أخي الدّكتور سمير
    تقديري وتحيّتي

  5. #5
    الصورة الرمزية لانا عبد الستار أديبة
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    العمر : 53
    المشاركات : 2,496
    المواضيع : 10
    الردود : 2496
    المعدل اليومي : 0.60

    افتراضي

    الخير والعطاء بلاحدود يقابله الجشع ونكران الجميل والغدر
    القصة جميلة واللغة نقيّة كأننا في عصر آخر
    الأستاذ سمير العمري يا أمير الأدب
    هل تقبلني تلميذة في مدرستك؟

  6. #6
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.82

    افتراضي

    شَّيخِ وَقُورِ وعمل خير ومتسول متزلف وصولي وغدر وخيانة
    إنها الدنيا ومتناقضاتها
    ولكن الشيخ قدم ذلك الانتهازي ولم يقدم السائق مثلا رغم أنه وفي ومخلص ومجتهد وأقلع عن شرب الخمر حبا في الشيخ
    ولماذا كان الأوفياء ضعافا فلم يقاتلوا لمنع ذلك الخائن من إيذاء شيخهم؟
    ولماذا قاتل الكلب وحماه وفعل ما كان يجب عليهم أن يفعلوه؟

    القصة كبيرة جدا وعميقة جدا
    وتحتاج لقراءات أخرى قبل التعليق عليها

    وساقرأها كثيرا
    شكرا لك يا أميرنا
    بوركت

  7. #7
    الصورة الرمزية د. مختار محرم شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2011
    الدولة : في بيتٍ ما
    المشاركات : 3,219
    المواضيع : 139
    الردود : 3219
    المعدل اليومي : 0.67

    افتراضي

    الحكمة العمرية التي عرفناها دوما ..
    تلبس ثياب الأدب الأصيل والكلمة الراقية
    أينما وضع الأمير حرفه نجده يقول لنا الكثير ويعلمنا الكثير ..
    حقيقة تناقلتها الأجيال وتحدث عنها الأدباء والشعراء
    وحتى موروث الحكمة الشعوبي من الأمثال لم يغفل هذه الحقيقة فقال كلما اقتربت من البشر أكثر يزيد حبي للكلاب
    أهو من طبع الإنسان عدم الوفاء؟؟
    هل الغدر غريزة في طبع البشر؟؟
    ربما لو تأملنا كل ما قاله الأدب في هذا الخصوص نخلص إلى هذا الاستنتاج لكن أميرنا اليوم يجعلنا نعيش أحداث قصة أكدت إمارته للحكمة أيضا بجانب إمارته للأدب
    فقد عرض علينا شخصا يجسد الطيبة والكرم والعطاء كالشيخ .. وشخص يجسد بعد النظر والحكمة وهو أمير القصر .. وشخص يجسد الوفاء والتفاني دون انتظار المقابل وهو السائق .. ومع كل هؤلاء يبقى وجود الغدر والتنكر للمعروف أمرا واقعا نعيشه... وتبقى الكلاب أوفى من كثير من البشر ..
    قصة مثالية بناء ولغة وأحاسيس ونهاية رائعة .. ففي الأخير كانت نهاية الغدر بيد الكلب الذي يخصه هو !!!
    وهنا روعة أخرى للقصة تؤكد أن الغادر يضع نهايته بنفسه دون أن يتوقع ..
    الجميل في رائعتك أميرنا أنك جعلت الخير أكثر وأقوى عددا وعدة وجعلته المنتصر في النهاية مهما ارتفع الشر وزاد ظهوره ..
    شكرا لك على كل مافي هذه القصة من دروس ... وأسأل الله أن ينقي مجتمعاتنا من كل خائن غادر
    محبتي التي تعرف أستاذي

  8. #8
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.28

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    قصة عمرية جديدة بمحمول كما اعتدنا زاخر بالحكمة والفكر والمعاني في قالب لغوي مدهش تتفتح لودقه الأذهان ويتهئ لنبل القيمة الرئيسة المطروقة فيه أو نقيضها الوجدان
    معلّم ومدهش كدائما

    حجز مقعد ولي عودة لقصة تستحق قراءات متأنية

    دمت بألق
    تحاياي
    بارك الله بك أيتها المكرمة ، ويشرفني أن تكوني في طليعة من يستقبل هذه القصة ، ويسرني أن يكون لك عودة كريمة كالعادة.

    في انتظار عودتك المتألقة بكل الشكر والود.

    دام دفعك!

    ودمت بخير وعافية!


    تحياتي

  9. #9
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.11

    افتراضي

    سبحان الله تلقى جزاءه قبل أن يتمكن من غدر الشيخ , القصة رائعة حقيقة , استغل سائدا ثقة الشيخ به التي تكاد أن تكون ثقة عمياء وهذا يعطينا درس أننا وإن وثقنا في أحد لابد أن نبقي شيئا من الحيطة والحذر إلا ماندر جدا وفي هذا الزمن قد فقدنا الأمانة ويعدون على الأصابع من هم كذلك

    أنتَ مُجرَّدُ سائقٍ ولا تُدركُ منَ الأمُورِ شَيئًا. وَلا يعنِي أنَّني إذْ عوَّدتُكَ مُسامرتِي أنْ تَنسَى قَدْرِي وَتتَجَاوزَ فِي حَديثِكَ معِي.
    أشعر أنَّ سائد يريد أن يساوي نفسه بالشيخ , أحيانا نقول للأمهات والآباء لاتفرطوا في دلال ابناءكم حتى لاينقلب الحال للعصيان وطول اللسان وتأخذهم العزة بالإثم
    هكذا كان سائد رأى أن كبيرا وليس هناك من يشبهه , ونحن نتعلم من الحياة أن الإنسان مهما تميز بأمور واشاد به وليّه فلابد أن يجد من هو أفضل وأكثر تميزا فعليه الاجتهاد وأن يكون عند حسن ظن الجميع
    وقبل كل ذلك أن يراقب الله ويخلص له في قوله وعمله , وأخذه لمكانة عالية هذه تجعل الروح أكثر نشاطا وإخلاصا لكن هناك حالات عكسية غريبة بين الناس أمثال سائد يتكبرون ويتطاولون دون احترام هؤلاء هم من كانت نظرتهم سطحية ولايعلمون معاني الأصالة والوفاء والشيم وجميل التواضع .


    أتطعنُ في ذِمَّةِ الشَّيخِ وَعدْلِهِ وهوَ منْ يَشْهدُ لهَ النَّاسُ بِالعدْلِ وَبِالحِكمةِ؟؟ أَتتحَدَّثُ عنِ الوَفَاءِ وَأَنتَ مَنْ عَقَّ العَطفَ وَعَضَّ الكَفَّ؟؟ مَنْ يَفِي مْنْ؟؟ ثُمَّ هلِ الوَفَاءُ عندَكَ قِيمَةٌ تَتغيَّرُ بِالرِّضَا والسُّخْطِ؟؟ أَنتَ تعلمُ خُلُقَهُ وَأجدَرُ النَّاسِ بِالوَفَاءِ لهُ، وَاذْكُرْ إذْ كُنتَ منبوذًا مُستَضعَفًا تأكُلُ منَ الفَضَلاتِ فَآواكَ وَنصَرَكَ وَرفَعَكَ بينَ العَالَمينَ
    يُقال : جزاء المعروف سبع كفوف , سائدا لم يشكر ربه ويحمده على الحال الذي وصل إليه بفضل الله ثم بفضل الشيخ وبالتالي لو لم يشكر الله فلن يشكر الشيخ , والدهى أنه يغتابه ويوشوش عند ذا وذاك
    وهذه قمة الدناءة في الأخلاق .

    القصة معبرة جدا , وأخذتُ افكر في نهايتها هل كان الكلب هو نفسه الذي مع سائد ذاك الكلب الهزيل , فإن كان هو فهو اكثر وفاء من سائد ( فسبحان الله )

    أبي صاحب القلم الرائع / سمير العمري
    أشكرك على القصة المؤثرة لاحرمك الله الجنة

  10. #10
    الصورة الرمزية ناصر أبو الحارث شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    الدولة : حيث راية الإسلام
    المشاركات : 336
    المواضيع : 5
    الردود : 336
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    - لا أعلمُ عمَّ تَتحدَّثُ سيِّدِي ، لمْ أفعلْ شيئًا سِوى أّنِّي كنتُ أبحثُ عن بقَايَا طعامٍ هُنَاكَ فَأقيمَ بِهَا صُلبِي؛ أَنَا فَقِيرٌ منبُوذٌ وَأهلُ القريَةِ لا يَثقُونَ بِي وَيخشَونَ بَوَائِقِي كَمَا يَقُولونَ فلا أجِدُ بينهمْ مكَانًا لِرزقٍ وَلا مِنهُمْ مَكانًا لِعطْفٍ.
    - سَائِد يَا سيِّدِي ، وَلا أَملكُ بَيتًا. أَنَامُ هناكَ تحتَ ذلك الجِدارِ قُربَ مجمعِ القمَامةِ بِرفقَةِ كَلبِي الهَزِيلِ هذَا.
    *********
    - هذَا كثيرٌ يا سيِّدِي. قَدْ أكْرَمتَنِي كَثِيرًا؛ آوَيتَنِي وَاجْتَبيتَنِي وَرَفعتَنِي فوقَ منْ كانُوا يَرَونَنِي دُونَهُمْ
    - أشكُرُكَ يَا سيِّدِي وأمتَنُّ لكَ، وَثِقْ بأنَّني سَأكونُ كمَا تُحِبُّ. فَضْلُكَ عليَّ وعَلَى غَيري لا يُنْسَى وَإنِّي سَأفْتَديكَ بنَفسِي وَسَأقُومُ على خِدْمَةِ هذَا القَصْرِ مَا حَييتُ.
    *********
    - أنتَ مُجرَّدُ سائقٍ ولا تُدركُ منَ الأمُورِ شَيئًا. وَلا يعنِي أنَّني إذْ عوَّدتُكَ مُسامرتِي أنْ تَنسَى قَدْرِي وَتتَجَاوزَ فِي حَديثِكَ معِي.
    - قلتُ لكَ لا تَتَجاوزْ قَدْرَكَ! واعلمْ أنَّ الشَّيخَ لا يستطيعُ أنْ يستَغنِيَ عنِّي بلْ ولا يستطيعُ أنْ يُدبِّرَ أمرَهُ بِدُونِي وَلَنْ يَجِدَ يومًا مِثلي،
    - إِيَّاكَ أنْ تُذَكِّرنِي بِمَا كَانَ! مَنْ أنتَ لِتتحدَّثَ معِي عن مَعَاني الوَفَاءِ؟؟ إنَّهُ خَطَئِي إذْ تَنَازلتُ فَحدَّثْتُ أمثالَكَ.
    - إليكَ عَنِّي فَقَدْ مَللتُكَ ، ولا تَعُدْ للحديثِ معي مرةً أخرى فَأُؤذِيَكَ.
    *********
    أَحكَمَ سائدٌ الخِطَّةَ إذْ سوَّلَتْ لهُ نفْسُهُ قَتلَ الشَّيخِ؛ فَتَسلَّلَ مِنْ خَلفِهِ وَهوَ قَائمٌ يُصلِّي وَقدْ أمْسَكتْ كَفُّ الغَدْرِ بِخِنجَرِ العُقُوقِ لِتغرِزَهُ فِي ظَهْرِ مَنْ كانَ ظَهْرَهُ.


    ليس مهما كيف تنتهي القصة بعد هذا
    التغير في موقع وطبيعة الخائن والتغيير في لغته كان عجيبا في بناء القصة وتصاعد بمنطقية من وضاعة القدر والتسول والذل لبذل كلمات الشكر ثم قطع العهود بالوفاء والإخلاص ثم الانخداع بالذات والكبر ثم التخطيط للغدر
    والغدر موضوع كبير وأشكاله كثيرة، كتب فيه كثيرون وربما كتب فيه الجميع
    وهذه قصة من اجمل ما قرأت في الغدر
    مودتي وتقدير

صفحة 1 من 6 123456 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. أفلاك....
    بواسطة زهراء المقدسية في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 40
    آخر مشاركة: 30-01-2011, 12:09 AM