هل يزحف الخريف على الربيع العربي!!؟؟لا أحد يشك في شرعية الثورة على الأنظمة الديكتاتورية الباغية التي أثقلت كاهل المواطنين وداست على حقوقهم وهي تحاول تدجينهم وتحويلهم إلى قطيع ... ولا أحد أيضا يستطيع تجاهل صرخات التنديد بهذا النظام أو ذاك والتي خنقت هنا وهناك وهنالك.
كما لا يمكن إنكار تشابه الأهداف ولا ركوب الغاية التي تبرر الوسيلة - وإن اختلفت هذه الوسائل المتبعة في البلدان العربية باختلاف طبائعها وظروفها- ولكن الذي يتوقف ليتأمل كيفية اندلاع الغضب ولا أقول ثورة لانعدام شروطها الموضوعية، فهي تمرد وعصيان عفوي لأن التفكير انحصر في " الشعب يريد إسقاط النظام" دون التفكير في بديل لهذا النظام.
فأن تتحول الانتفاضة إلى ثورة في ظرف حساس أمر يدعو إلى طرح الكثير من علامات الاستفام أهمها من المستفيد الفعلي من هذا التغيير؟
فالفرحة بالقدرة على الثورة على الدكتاتور العربي، الذي ضجر من خنوعنا وسكوتنا لعقود طويلة، جعلت معظمنا لا يشغل باله بمآل الأمر، فأن ينزاح كابوس القمع أمر جدير بالاحتفال مع أن التجربة العراقية كانت تحمل علامات استفهام كثيرة معظمها مخيب لكل للآمال.
إن الذين هللوا لسقوط بغداد ربما لم ينتبهوا في لحظة نشوة بالانتصار للدبابات الأمريكية المارة فوق أشلاء العراقيين، بل الأغرب أن يصل إلى الحكم هؤلاء الذين ركبوا هذه الدبابات مع أنهم لا يفقهون في علم السياسة شيئا مما يجعل منهم مجرد زعماء مافيا قادوا العراق إلى نفق مسدود بدل أن يكونوا حكاما لبلد متعدد الأعراق والإثنيات والعقائد ...
الغريب أن تتحول الويلات المتحدة إلى دولة مناصرة للتغيير وهي كما يسميها الجيل الذي حارب من أجل تحرر الأوطان " عدوة الشعوب" أو كما قال محمود درويش" أمريكا الطاعون والطاعون أمريكا"
في الكتب نجد مسميات مختلفة لحركات التحرر الوطنية تغيرت لتصبح "منظمات إرهابية" بإيعاز من أمريكا التي خططت وكان لديها نفس طويل جعلها تكسب رهان الحرب الباردة ليتمزق بعيد ذلك الاتحاد السوفياتي الذي بالرغم من اختلافنا مع أدلوجته إلا أنه كان البعبع الذي يقزّم أمريكا وينافسها في مطامعها ومدها التوسعي.
فبانهيار أوروبا الشرقية تحققت أحلام الويلات المتحدة ووسعت مجالات تدخلها واضعة خططها لقيادة العالم دون أن تنس حليفتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وشريكتها الدائمة في التآمر والقيام بالأعمال القذرة لصالحها الدولة الصهيونية. عفوا دولة " إسرائيل" فالصهيونية باعتباره مصطلحا عربيا يعني الإرهاب مما جعل "الدولة العظمى" تنفر منه وتمنع أذيالها من ذكره.
لقد كانت الخطة، منذ البداية، زعزعة التضامن وتفكيك الارتباطات بين الدول من خلال استغلال جملة من الأحداث التي لم تكن أمريكا بريئة من حدوثها في أغلب الأوقات. فعينها على الزعامة جعلها تبتكر مفهوما جديدا لـ "الإرهاب" يلائم أطماعها ويراعي مصالحها، وقد نجحت في ذلك بسبب فساد الأنظمة العربية وسوء تقدير القائمين عليها للنتائج، بسبب أنانيتهم وجشعهم، بحيث لم يشغلهم سوى كيفية الخلود في كراسي الحكم، فقربوا منهم من لا يشغله هم الوطن والمواطنة والدولة، وفتكوا بكل من حاول المقاومة والنضال من أجل دولة حرة ومواطنة حقيقية.
نعود إلى أمريكا ومخابراتها التي تغلغلت في المجتمعات العربية وصارت مثل النار في الهشيم، ونتساءل عن أسباب التدخل في السودان وتقسيمه، وعن الداعي إلى كسر شوكة العراق، وماذا وراء افتعال الصراع في المغرب العربي الكبير؛ ذلك الصراع الذي لم يرق إلى طموح أمريكا لأنه ظل صراعا نظريا يشتعل تارة ويخمد تارات أخرى بين هذه الدول، فتم الانتقال إلى الخطة البديلة المرتبطة بالتفرقة داخل كل دولة على حدة؛ فتم الإعلان عن حركة القبايل الانفصالية بالجزائر، وجمهورية سوس بالموازاة مع الإعداد لإعلان حكومة جمهورية الريف بالمغرب، في الوقت الذي يسعى فيه العالم إلى التوحد وإعلان الأقطاب.
انكشاف خطط أمريكا وولائها اللامشروط لصنيعتها الصهيونية وسعيها المستميت لتبسط نفوذها وتكسر شوكة العرب والمسلمين يؤكد المخاوف من تبعات تدخلها المشبوه في إذكاء "الربيع العربي" بالرغم من توفر كل الشروط الداعية إلى التغيير والثورة الشاملة.
إن التغيير أصبح ضرورة ملحة تستدعيها التطورات الاقتصادية والاجتماعية المهمة التي يعرفها العالم، ولكن هذا التغيير لا بد أن يكون من الداخل وبالشكل الذي يحفظ حقوق الشعوب ويضمن حرية البلدان وسياساتها الخارجية أيضا بعيدا عن أية تبعية.
أخيرا، سحقا لكل خريف يركب موجة الربيع ويختبئ خلف ياسمينه وأقاحيه.....