رشفة عشق و كؤوس نوىبعد منتصف العشق انحدرت شمس الشوق ،و أشاحت بوجهها عنّا تاركة سماء الوجد يغشاها الكدر ،مصقول سقفها بغيمات النّوى، يفترش أرضها عوسج العتاب،خالية ربوعها إلا من نخلة أمل مازالت صامدة أمام رياح الجوى
و عواصف الانتظار،و أنا المنفيّة فيك داخلي ؛قابعة في قبوك أعدّ أنفاس الخيبات و هي تتمطّى في مشيتها ، أقضم يد الصبر ،أعضّ على شفة الحنين ،أستجدي الصدى أن يردّد صوتك ،و الفضاء أن يأتيني بطيفك ..
تمتدّ يميني إلى قوارير الذكريات المصفوفة على قارعة الأمس تلْمسها ؛تُفْقِدها اتّزانها ،فتتساقط أمام عيني تباعا مثنى
و ثلاث من غير ترتيب،يلج عطرك خياشيمي، فتهتز روحي من بعد هدأة ، و تستيقظ فيها لواعج الحنين الغافي على وسادة الصبر . أناديك فلا أجدك ،لم تعد قريبا بما يكفي لتَسمعني ؛رغم أنّ صوت الرّوح لا تحدّه جسور و لا تمنعه جبال..
هو العشق الذي أشربني مُدامه كأسا تلو كأس حتى ثملت
و ما بلغت منه ارتواء ، خفقة تتبعها خفقة ، تتالت الخفقات ،حتى فقدتُ قلبي منّي و هو داخلي ، نازعتني فيه، فوجدتني بعد ادّعائي الزائف أن قلبي لن يشاركني فيه أحد أسلّمه لك بطيب خاطر ؛و بهذا فقدت سؤددي عليه.
و التحفتُ لهيب العشق ، تلفحني جذواته ، تُدْفيني جمراته ، أستوقد من قبس لهفتك نارا ، أؤججها بحطب الشغف .
و كجائع لم يأكل منذ أسابيع التهمت بأنفاسي كل ثانية
و كل لحظة جمعتني بك في الصحو أو في المنام ، امتدّت يدي إلى سنابل عشقنا التي زرعنا قمحها في قلوبنا ؛ سقيناه بدمع العين و عهدناه بكفّ النسيم ، فأخرج سنابله
و خيره ، فغرّني الكبرُ و طال بي الأمل ، و استأنستُ لصحو الحضور و غفلت عن تمرّد القلب و انصياعه لصولة الغياب،هذا الوحش المستتر تحت جلباب الاشتياق ، فكلما غبتَ قليلا قلتُ : عليك ياقلب بالصبر ، ففي قليل من الغياب كثير من الحنين.علّه يأتيني بعده بزمرد و لازورد من لهفة ينثرهما على راحتي ، و يبسط في حضرتي رداء الهيام. و تماديتُ في انتظاري في نفس المقعد ،و قرب النافذة أتلصص عبر شباكها طيفك ،و تماديتَ أنتَ في اعتكافك محراب التجاهل، و التواري خلف ظلال الغياب .و في كل حين كنتُ أسائلك و ما من جواب يزيل عنّي نقاب التيه في دروب الاحتمالات ،و بعد لأي ، أخذ و ردّ معك و مع نفسي أيقنت أنّ نهمي الشديد لسمفونية غزلك ،و تعطّشي لندى ياسمين حضورك قد جعلاني أفقدك قبل أن أعرفك؛حين التهمتُ مشاعري معك دفعة واحدة ، لم أتمهّل قط ، لأني ما حسبت حسابا للعشق أنه كالشمس مشرق إلى حين ، و أن في القلب أرضا قد تمر بها سنين عجاف، قد تأتي على ما صنعتُ و تذهب بما جنيتُ ، فلم أدّخر لهذا و لم أحتلْ على نفسي حين منحتكَ شذرات الشغف التي صففتُها تميمة تنبئك بحنيني ، فأغدقتُ عليك من كرم عشقي حتّى سئمتَ الهوى في حضرتي ، و مللتني حين زادت لهفة اشتياقي و جاوزتْ بنبضها برج الحنين المنهار فيك، فما أغنتْ عني عناقيد العنب المتدليّة من كلماتي ،
و لا أسمنتْ من جوع أوانيّ التي ملأتها شهدا من رحيق الضلوع ..فانسحبتَ تجرّ أذيال الرّحيل ،ماسحا بلامبالاتك آثار ما كنتتَ تحمله في قلبك لي من أحلام شاركتك رسمها، لكنّك حكمت عليها بالوأد قبل أن تصافح أجفانها النّور .