قال لحاجبه والقلعة شاهقة وحصينة :
-اذهب الى المدينة وتحسس لي اخبار الناس ،فاننا مسؤولون عنهم يوم لا ظل الا ظله.
صعد الحاجب الى اعلى برج في القلعة ،واطال النظر اتجاه المدينة ، كانت هادئة وساكنة وكانت الشمس ترسل اشعتها الذهبية الحارقة.وحيين غرقت المدينة في ليلها الكئيب اشرقت عيونها السود بوميض خاطف،دخل الحاجب على سيده وقال بلباقة:
- ادام الله عزكم سيدي فانتم ظل الله في الكون عم فضلكم الداني والقاصي ،وقد شغلت الناس افراحهم ، وارتفعت السنتهم بالدعاء بطول العمر لراعيهم
غمرت الدعةالحاكم وداعبته لذة النعاس ، واستسلم لخدراحلام جميلة ،رأى انه يطير فوق المدينة بجناحين من لهب
وكلما حلق في فضائها تناثرت شرارات اشعلت اطرافها، راقه ذلك فحلق عاليا فتحولت المدينة الى رماد.
وانصرم المصيف وامتدت يد الخريف تجرد الحقول من نضارتها ورونق بهائها ،وهب نسيم بارد يداعب الاشجار
الجرداء،نظر الحاكم الى السماء ،رأى سحبا شاردة تكنسها الرياحوقال لحاجبه :
-اذهب وانظر هل تغيرت المدينة واحوال الناس؟
راغ الحاجب الى شرفة برجه وتامل المدينة ،راى بيوتها الواطئة تتاجج ببريق خاطف ورأى الساحةوقد نصب فيها
الساسة واللصوص المشانق واقبل على سيده بوجه متهلل وخاطبه :
-ايها المنصف العادل انت يد الله التى تصون الميزان،هذه مدينتكم تستظل بظل السلام وتنعم بالاستقرار، فامور الناس في رواج
انبسطت اسارير الحاكم،فتجشا شبعا واوما الى الجواري، فرقصن على انسياب الحان عذبة، فداعب جمالهن فحولته
الغاربة،واخدته سنة من لذة الحلم راى فينقا ينبعث من رماد المدينة يحلق عاليا ،طارده كالسهم المارق.
بكت السماء بدمع وابل ضمد جراح المدينة وكفنت الثلوج احزانها، واوصد الحاكم ابواب قلعته ،ودخل في بيات شتوي
و لما صحا قال لحاجبه:
-انظر الى المدينةهل تغيرت احوالها ؟
تسلل الحاجب خلسة الى برجه ثم عاد الى سيده الذي يقبع امام دفئ نار هادئة وخاطبه في شكل تراتيل:
-أيها الحليم الامين انت عين الله التي لا تنام ، عطفك شامل و عطاؤك نائل ،فقر عينا واهنا بنعيم دائم
وداعب الكرى عينيه وراى في احلامه انه يهوي من شاهق السماء تتلقفه صغار الطير فيتطاير ريش جناحيه.
ولما اينعت الاشجار واخضرت المروج خرج الحاكم الى المدينة ، وما أن اقتحم الساحة حتى عصف به سيل هادر
من الارجل ، جرفه السيل بعيدا عن المدينة المشتعلة ، وحين استفاق زكمت انفه نتانة الازبال المتراكمة فوق جسده العاري