يُداري خلفَ ضحكتِه أسَاهُ
وتُبدي العينُ ما تُخفي الشِّفاهُ
غريقُ الحُزنِ مبتلٌّ بدمعٍ
تحاولُ أنْ تُكذِّبَهُ يَدَاهُ
يُجَفِّفُ قَطْرَهُ، كفّاً بِكَفٍّ
وتَعْصر قلبَه المفجوعَ آهُ
جميلُ الصبر فوق الصبر يَعْلو
ويَعْرُجُ مؤمِناً يَتْلو خُطَاه
يُصَلِّي للذين أبَوْا رُجوعا
فسَاروا، دُونَ وِجهتِه، وتاهوا
هو المنذورُ للمنفى، شَريداً
يُحاصِرُ غُربةً لَفَّتْ ثَراه
مضى في الضوءِ، حيث الضوءُ حلمٌ
رآه مُشتَّتاً، ثم احتواه
إلى حيث انتهى من قَبْلُ، لكنْ
بلا ضوءٍ يَقُودُ لما نَواه
بعيدا، دونَ إسراءٍ ووحيٍ
تَمَثَّلَ سِدْرَةً في مُنتهاه
هو المنفيُّ والمَنفى، تساوى
به الوجهان، لم يُشبِه سِواه
أراني فيه مَنفِيا ومَنفى
كأنِّي فيَّ مِنْ حُزني أراه
أيا بَعضاً به قد آبَ كُلِّي
وكُلاً راحَ بعضي في مَدَاه
كلانا واحدٌ، واسمين صِرنا
أنايَ تَوحَّدَتْ فيها أنَاه
ينادي "يا أنا" "يا أنتَ" حتى
يكادُ يَضِيعُ بينهما صَداه
أُبايعُ قولَه غَيْباً بقَوْلي
فأروي عنه ما عني رَواه
يُفَكِّرُ في رُؤىً مني توالتْ
وإنْ فكَّرتُ أَوْرَدَ لي رُؤاه
يُجَرْجِرُه الهوى نحوي فيَدْنو
وأدنو منه يسحبُني هواه
وأنزِفُ مِنْ جِراحٍ فيه سَالتْ
تَمُرُّ به مُدايَ، وبي مُدَاه
يفيض بمقلتيَّ الدمعُ حُزناً
يخالط ما تصبه مقلتاه