كانتْ أمّي الأمّيّةُ- رحمها الله - تُنتجُ بيديها في البيت ما تطرحُهُ مصانعُ بعُمّالِِها :تصنعُ من العجين الشُّـعيْريّة تفتلها شُعَيْرَةً شُعَيْرَةً !وتصنعُ المُرَبّات من العنبِ والمشمشِ والكرزِ والخوخ ، ومن اللبنِ الكشكَ ومن القَريشـةِ السّـوركة ، وتُنقّي كٌلّ أنواعِ الحُبوب وتصنعُ الزّعترَ الفاخرَ ، وتُحلّي الزيتونَ والعَطّونَ ، وتَحْفِرُ أكوامَ البانجانِ واليقطينِ وتُجفّفها في الشمس ، إلى جانبِ الرّمان ، وتستخرجُ ماءَ الورْدِ من زهرِ الليمون .
وكانتْ تُعدّ كلَّ أنواعِ المآكلِ والحلوى المعروفة في البلد . وكانت تغسل ملابسَنا بيديْها في حوضِ الماء والبوتاس ؛ حتى لَيَخرجُ من كفّيْها الدمُ !ثمّ لم تكُن تنسى الفُلّةَ البيضاء المُكبّسة ؛ تضعها على صدْرِ فُستانِها النظيف لتستقبلَ أبي لدى عودته من عملهِ ظُهراً .
.....................
انتزعني من هذه الذكرياتِ العَذْبةِ صوتُها الراعِدُ المُرعِبُ :
- قُمِ اتّصِلْ بهذا المطعمِ الـ ........ ما هذه الحال ؟! كُلَّ يومٍ ، كلّ يوم تتأخّـرُ وجبةُ الغَداء !!