على ضوء التصريحات التي ادلى بها الدكتور محمد البرادعي لصحيفة spiegel.de الألمانية ، فإن مؤيدي الرجل انبروا دفاعا عنه في كل المنابر وبخاصة صفحات مواقع
التواصل الإجتماعي كالفيسبوك وتوير ، وهذا المقال ليس نقلا لآرائهم وإنما رؤية لأبعاد هذه الآراء وما تمثله من خطورة أوضحها في نهاية المقال .
اغلب ما قيل دفاعا عن البرادعي برغم أن تصريحه لا يحتمل معنيين ومازال منشورا على موقع الجريده الألمانية أن الإخوان المسلمين حرفوا الخبر ونشروه للناس ولا أعرف أي ذراع طويل للإخوان المسلمين في المانيا حتى يحرفوا مقالا في صحيفة ألمانية ، وليس مثل هذا الرأي مما يستحق نقده لكني أقف عند قولهم ( نعم ، وفيم لوم البرادعي الهولوكوست حقيقة . وواقعا )
من هنا أبدأ مقالي لأعرض ما يستحق العرض والتفنيد إذا ما وقف شاب مصري ليقول كلاما كهذا . دفاعا عن تصريح رخيص لم يحرفه احد ولم يجبر أحد محمد البرادعي على قوله لكنه قاله .. فنسأل إذن السؤال المهم ، لماذا صرح البرادعي بهذا التصريح ؟ وماذا كان قصده ؟ لكني أستأذن القاريء للرجوع قليلا إلى الوراء لإستعراض بعض النقاط المهمه أولا .
أولا / ما هي الهولوكوست بإختصار.
الواقع أن الهولوكوست واقعه يقصد بها في تعريفها العالمي عملية إباده جماعية لعدد خرافي من اليهود لا يقل عن ستة ملايين يهودي في معسكرات نازية على يد هتلر . وقد بدأت فكرة الإباده مع الألمان المعاقين بدعوى تطهير العرق الألماني والتي كان أساسها أفكار الطبيب الألماني المتطرف ألفريد بلويتز عن تحسين النسل البشري ، وأفكار كارل بايندينك في كتابه "الرخصة للقضاء على الأحياء الذين لا يستحقون الحياة بالإشتراك مع الطبيب النفسي ألفريد هوج الذي كتب عن القتل الرحيم للمصابين بالأمراض المستعصية ولم تذكر هذه المؤلفات حديثا عن أي إبادة جماعيه إلا ان اغلب الباحثين يظنون أن ألمانيا النازية بزعامة هتلر استخدمت هذه الأفكار المتطرفة في تنفيذ عملية إبادة جماعية بدأت بالألمان العجزه وانتهت باليهود.
ثانيا / هل الهولوكوست ، حقيقة كما يؤكد اتباع البرادعي أم كذبة تاريخيه ؟
هناك ملايين الكتب والمؤلفات التي تعرضت لهذا الأمر ما بين مؤيد بالوجود على الإطلاق ، بين مؤمن بالفكرة ، لكنه يؤكد ان ثمة مبالغة كبيرة فيها وخصوصا في عدد الستة ملايين يهودي حيث ان أوروبا وقتها كان بها ستة ونصف ملايين يهودي وهذا يعني ان هتلر قضى على الوجود اليهودي في أوروبا تقريبا إذا أخذنا هذه الواقعة بتسليم كامل عن الصهيونية اليوم . وهو امر منافي تماما للواقع ومنافي لوثائق إثبات هجرة ملايين اليهود إلى بلاد مختلفه في اوروبا وخلرجها كما أنه لم يتم مصادرة اموال اليهود الذين هم إلى اليوم أغنى أغنياء العالم . هذا بالإضافة إلى الرأي الذي ينكر هذه المسأله برمتها وهو رأي له كتابه ومؤيديه في العالم كله . وهو ما يسوقنا لسؤال منطقي جدا هنا .
ثالثا / ما هي الدول التي تجرم عدم الإعتراف بالهولوكوست ؟
فقط ، في العالم كله سبعة عشر دولة ،أشهرهم ألمانيا ( بضغوط وإبتزازات صهيونيه بالطبع ) وإسرائيل . أي ان جميع دول العالم لا تجرم عدم الإعتراف بالهولوكوست فيما عدا الدول المذكورة كما أن الملايين من الكتاب حول العالم انكروها تماما وأثبتوا أدله تستحق النظر منها أنه لا يوجد وثيقة تاريخيه واحده مكتوبة تؤكد هذه الواقعه وتثبتها إلى السلطات النازية !! علاوة على ما أثبته المؤرخون من تناقض أعداد اليهود في العالم مع سياق الواقعه كما تسرده الصهيونية للعالم وأن المثبت أن عدد السجناء اليهود جميعا في السجون النازية لم يتجاوز العشرين ألف سجين !! إلا ان الصهيونية تحتاج بالطبع إلى شحن العالم للإعتقاد بان اليهود "شعب الله المختار" عانى على يد الألمان وعاش أسوأ كوابيس البشرية على يد الإرهاب ، الأمر الذي يجعل منهم اليوم رعاة الإنسانية وحماة العالم من التطرف والإرهاب " الإسلامي" والأمر الذي يجعل الحكومة الألمانية -إلى ابد الدهر- مدينة لليهود ، والحكومة الألمانية التي يبتزها اليهود لدفع ملايين الدولارات كتعويضات لليهود وهي ملايين متدفقه ولن ينتهي تدفقها ، لا تستطيع المانيا ان تقول لا ، فدولارات العالم كله لن تعوض يهودي سامي مختار واحد تم إلقائه في محرقة هتلر
رابعا / نعود إلى السؤال الأساسي : لماذا صرح البرادعي بهذا التصريح وماذا كان قصده؟
الرجل ذكي ، لا شك ، فعندما تجلس مع صحفي لجريدة ألمانية وتتحدث كرئيس سابق لوكالة الطاقة النووية التي وقفت إلى جانب الولايات المتحده في حربها ضد الإرهاب "الإسلامي" وعندما يكون خصومك السياسيون في بلدك من ذات التصنيف في العالم الأول ، فانت بغير الكثير من الذكاء ستربط لا محالة بين الإرهاب الذي اشتركت مع قوات التحالف الدولية في محاربته ، وبين ذات الإرهاب الذي يهيمن على بلد استراتيجي مهم "له أهميته " عند الألمان والأمريكان واليهود على السواء ، فأنت إن أردت الدعم الأوروبي الأمريكي الكامل فأنت لا تحتاج إلا إلى مغازلة اللوبي الصهيوني الذي يسيطر على هذه الكيانات بثلاثة كلمات فقط .
( إنهم ينكرون الهولوكوست )
وفي ذات السياق ، انت تخبر العالم ، ان الليبراليون ، الذين انسحبوا من اللجنة التأسيسية التي شكلها ( المتطرفين الإسلاميين ) إنسحبوا لجملة أسباب والرجل بذكاء تام ، وضع الثلاثة كلمات ( إنهم ينكرون الهولوكوست ) من جملة الأسباب التي انسحبوا من اللجنة التأسيسية ( المتطرفة ) من أجلها .
وعلى هذا الأساس الأمر اعم وأشمل كثيرا من نقد الإخوان المسلمين أو التيار الإسلامي ككل أمام العالم ، بل هو تصريح لأرباب الإستثمار في العالم انكم إذا أردتم الإستثمار في مصر فالبرادعي هو خياركم وإذا أردتم ، دولة توافق على حصار الإرهابيين في غزة ، وتخطو مع إسرائيل إلى مستقبل مشرق في المنطقة فمصر بقيادة البرادعي هي خياركم الأول لمحاربة الإرهاب في المنطقة ، وإذا اردتم ان تعرفوا حجم البرادعي واتباعه في مصر ، أنظروا إلى الليبراليون والديمقراطيون الذين انسحبوا من التأسيسية التي ( لا تعترف بالهولوكوست ) ، والذين يتم سحلهم في ميدان التحرير على يد اصحاب التطرف الإسلامي .. إننا خياركم في مصر أيها الساده .
الأمر لم يكن تشوها للإخوان المسلمين أو التيار الإسلامي أبدا ، برغم كل ما قيل في اللقاء مع الصحفي الألماني ، لكن المسكوت عنه ، والذي لم يتم التصريح به إلا بثلاثة كلمات فقط ( غنهم ينكرون الهولوكوست ) . كلمات توقع البرادعي ، ان تكون كافيه ، حتى تستجيب الولايات المتحده الأمريكية إلى تصريحه بوجوب تدخلها وان تعلن موقفها من ( اللجنة التأسيسية ) التي شكلها التطرف الإسلامي في مصر ، بأن الولايات المتحده ترفض هذه اللجنه وتتضامن مع البرادعي ، رجل العالم الأول في مصر! لكن تصريحات الولايات المتحده كانت مخيبه لآمال البرادعي الذي ربما لم يعرف حجمه الحقيقي لا هو ولا أتباعه لا في مصر ولا خارجها .. وهو أصغر ما يكون كخصم سياسي في الساحه اليوم .
الآن لم يبق لنا إلا بيان البعد الخطير في دفاع بعض الشباب الذين يلتفون حول الرجل ، على أية حال ، ورغم ما صدر منه ، في حين وقفت الممثلة جيهان فاضل من هذه التصريحات موقفا وطنيا شجاعا بانسحابها من الحزب الذي اسسه ورفضها تصريحاته .. لماذا يصر هؤلاء الشباب على الدفاع عن البرادعي ، للدرجة التي يقولون فيها بصراحه ، وماذا في الهولوكوست ، إنها واقعا ً كائنا ، وإنكارها جهلٌ ورجعيه.
بالطبع لا يعنينا الهولوكوست ، فهي كواقعه لا يجرؤ يهودي واحد في العالم اجمع أن يفرض الإعتقاد بها أو مناصرتها كقضية في العالم العربي والإسلامي الذي لا يعترف شعبه المسلم بأحقية إسرائيل في أرض تغتصبها منذ ستين عاما وأكثر في قلب العالم العربي .
إلا أن رفض أتباع محمد البرادعي للتيار الإسلامي الذي هو الأغلبية الساحقة في مصر ، يمثل واقعا يهون في سبيل تغييره كل شيء .
هم على إستعداد ( كما يقول بعضهم ) للتحالف مع إبليس حتى يخلصهم من الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي ، والإعتراف بل وتأييد الهولوكوست. ولا عجب ان نذكر الآن والآن بالذات ، انهم من اكثر المعارضين لمواقف مصر بقيادة محمد مرسي الداعمه لغزة ، أنت ترى الشاب منهم يتحدث عن غزة بنفس اللغة والألفاظ التي يتحدث بها قادة إسرائيل عنها ، فالسياق متصل إذن . وتدويل موقف البرادعي من التيار الإسلامي يستحق ان يكون البرادعي واتباعه في جانب الهولوكوست وإسرائيل ، فالعالم الأول لن يمد يد العون إلى هذا الفصيل - كما يعتقدون - إلا ان يكون داعما للنغمة العالمية السائده ضد الإرهاب الإسلامي. وبخاصة الإرهاب في غزة والذي يدعمه مرسي وجماعة الإخوان! بل والتيار الإسلامي كله.
والعالم الأول ربما لن يتحرك إلا إذا شعر بتهديد حقيقي من التيار الإسلامي ومادام العالم الأول مازال يحكمه الكيان الصهيوني فلا عجب أن يصرح البرادعي "بذكاء سياسي واضح بالثلاثة كلمات ( إنهم ينكرون الهولوكوست ) .
خامسا واخيرا / ماذا عن الولايات المتحده والعالم الأول ؟
ولمذا اتعرض لموقف الولايات المتحده بالأصل في حديث عن البرادعي ، أقول ان الولايات المتحده لديها أذكى المستشارين في العالم الذين يضمنون بحق بقاء هذه القوة الغاشمه على صدر العالم ، وضمان هيمنتها ، والولايات المتحده تدرك تماما ان للتيار الإسلامي في العالم العربي كله وليس لمصر واحدها نموا مضطردا وسريعا ومخيفا جدا إلى القمة .. فما هو موقفها تجاه هذا الشبح المخيف في المنطقة ؟
إن الولايات المتحده تدرك تماما ان للتيار الإسلامي في العالم العربي وبالأخص في مصر مدين لا ثالث لهما:
المد الأول / هو مد ثابت المواقف ، حاد التصرف ، شديد الإنتماء إلى أصله ومعتقده ويمثل أتباع هذا التيار غلبة متنامية ومضطرده في الشارع العربي والمصري وهم " احبابنا" السلفيين .
وانا اجزم أن الولايات المتحده لم يهتز عرش سلطانها تحت اقدام سادتها كما اهتز لحازم صلاح أبو إسماعيل ، هذا الرجل الذي عرض افكارا وطموحا ومشروعا إسلاميا كان لينقل مصر والمنطقة العربية إلى مصاف العالم الأول في وقت قياسي ، ولهذا فقد تم تنحية الرجل بمشاركة امريكية خالصه حتى لو استلزم الأمر أن يخلق للرجل لا شهادة تفيد بأن والدته امريكية ، بل كانت الولايات المتحده مستعده لإعادة استنساخ والدته ذاتها لتؤكد انها امريكية !! وتم تنحية حازم بما يمثله من قوة ضاربه للتيار الإسلامي اليوم ..
المد الثاني / وهو مد لديه نفس القوة في الشارع بمقارنته مع السلفيين ، إلا أن له أداء وتنظيما ودبلوماسية ناشئه واخطاءا جسيمه يمكن استغلالها ، فسارعت الولايات المتحده لدعم الإخوان المسلمين ودفعهم في الظل إلى القمه لا لأن الإخوان منافقون ومتحالفون مع الولايات المتحده والتي هي اثقل ما على قلوب ساستها هو التيار الإسلامي كله بما فيه الإخوان انفسهم ، ولكن لأن الولايات المتحده رأت أن التعامل مع الإخوان سيكون مرنا أكثر وربما رأت الولايات المتحده بما تملكه من هيمنة واسعه في المنطقة انها تستطيع ان تحتوي الإخوان المسلمين برغم أفكارهم ومرجعياتهم المشتركه مع السلفيين إلا أنها رأت أن الإخوان اكثر مرونه ، وأكثر استعدادا للحديث كما أنهم وبحق ، اكثر عرضة للذلل والوقوع في الأخطاء بحسب الدبلوماسية الناشئة لهم والخطاء السياسيه التي يقعون فيها بالإضافة إلى العداء الشديد من جماهير الديانة المسيحيه وما تم تضمينه من تيارات صغيرة متفرقه فيما يسمى اليوم بالتيار الليبرالي في مصر . وكان هذا الواقع اهون كثيرا لأمريكا من السلفيين ومن رجل كحازم صلاح أبو اسماعيل ..
وعلى هذا .. فالولايات المتحده والعالم الأول وحتى الصهيونية العالمية التي يغازلها البرادعي الصغير ، يفضلون جميعا بقاء الإخوان المسلمين طالما بقي للتيار الإسلامي نفوذا وسلطة ً في مصر .إن التيار الإسلامي يعتبر خطيرا جدا في جانبه السلفي ورخوا إلى حد ما في جانبه الإخواني بالنسبة للأمريكيين.
وفي سياق متصل .. فإنه ربما يحتاج أتباع البرادعي أن يتذكروا أن كون اغلبهم من الشباب المتعلم الجامعي ، وأن كون البرادعي رجلا عاش في أوروبا وتلقد مناصبا دولية ، لا يجعل منهم ككل منظومة متحضرة راقيه أو صفوة المجتمع المصري ولا يجعل من الأغلبية الساحقة للتيار الديني عواما ً جاهلين . هذا يخالف الكثير مما ياخذه القاصي والداني كإنطباع اول عن الجتمع المصري بنظرة واحده! فإن كل متدين - حق التدين - مثقف نوعا ما ، وليس كل مثقف - متدين - . أما الدين فقد ثبت انه أقوى المرجعيات التي يبنى عليها أي مجتمع قوي في العالم كله .
ولهذا فإن ( إنهم ينكرون الهولوكوست ) عبارة سياسية ذكية ، لرجل سياسي ذكي ، لكنه منفصل تماما عن هويته وبيئه ومجتمعه الذي ينتمي إليه والذي ربما ينسى هو وأتباعه انه مجتمع مازال ، بل سيظل إلى الأبد .. رابط الدين لديه هو أقوى مرجعياته. وبالطبع نحن لسنا في حاجه - في الأخير- لوضع (إنهم ينكرون الهولوكوست ) في ميزان الدين ، أليس كذلك ؟
...................................
محمد إسماعيل سلامه
29 نوفمبر 2012