زيارة وزير
بعد أن سمع (باسم) بزيارة الوزير لمؤسستهم ابتهج لهذا الخبر وأسرع إلى زملائه وقال: غداً يا أصدقاء سيزورنا الوزيييير الجديييد، سيكون يوماً حافلاً وسننتهز هذه الفرصة التي لا تحدث إلّا كل عدة سنوات، سنشكو له ظلم وتعسف مدير هذه المؤسسة الحيوية ثم تقدم قليلا وضرب بقبضته الماسة بقوة : غداً سنتخلّص منه ونتحرر من ظلمه، غداً سوف نزفّه إلى خارج المؤسسة فافرحوا، وغنّوا يا أصدقاء.
رد محمد قائلاً : لا تفرح يا صديقي، سيعدُنا كما وعدنا الوزير السابق، بزمن يفيض لبناً وعسلاً، ثم يحسوه وحده و نحن نقدم له الأكواب ونمسح شاربيه كلما لطخه العسل و.. .
ــ لا، لا يا صديقي أنا، أعرف هذا الوزير، نزيه، صادق الوعد يلتزم بما يقوله، وسترون في عهده إصلاحات كثيرة
قال رفيق بحِدِّة : مديرنا هذا، مستبد، لقد خصم من راتبي دون وجه حق خمسة أقساط .
ضحك أحدهم بسُخرية وقال: لا تغضب يا صديقي، أنت خصم عليك لتأخرك صباحاً عن العمل، أمّا أنا فقد خصم عليّ عند مروره وأنا في الحمام، أيعقل هذا ؟! واللهِ يا أصدقاء لو أجد وظيفة في مكان آخر لأتركنّ هذه المؤسسة فوراً، ولن أبقى تحت رحمة هذا المُتجبر . كم تمنيتُ أحداً يذلّهُ، كما يذلنا هو، ثم رفع يديه نحو السماء ودعا (اللهم يا رب عليك بالظالمين .... )
قال باسم مُتحمساً :علينا أن لا نُضيّع هذه الفُرصة من أيدنا يا أصدقاء، سنقدم للوزير أدلّة على جُرم المدير، وأنا أعدكم، أعدكم .... أن تتخلص هذه المؤسسة منه ومن شره، وما عليكم الآن إلا أن تجمعوا ما تجدونه من أدلّة على فساده.
هلّلوا وصفقوا غدا سيحتفلون بطرد المدير إلى مزبلة التاريخ .
حضر الوزير اليوم الثاني صباحاً، تنّفسوا الصعداء وعندهم ما يرسلون به المدير وراء الشمس .
جمع المدير كل الموظفين لاستقباله عند بوابة المؤسسة، فرش الورد في طريقه، أمر النساء بالزغاريد والرجال بالتصفيق، كان المدير على شماله، يرحب : أهلاً وسهلاً ..... المؤسسة ازدادت بهاءً ونوراً بقدومكم...... وكانت سكرتيرة المدير في يمينه .
تبسّم الوزير وقال للمدير : ما هذا إلا زفّة عرس، رد المدير ضاحكاً: عندنا ما يسرّك يا سعادة الوزير.عبس وجه الوزير قليلاً، وبان عدم الرضى على وجهه .
انفرد المديرُ بالوزيرَ في مكتبه، وهو يكيل لهُ المديح، وعاد الموظفون كُلٌّ إلى مقر عمله .قال رفيق بفرحٍ أما نظرتم يا أصدقائي كيف عبس وجه الوزير من حديث المدير له، إنني أرى بشارة خير في هذا الوزير، فهو ليس مثل الوزراء السابقين، ولن يرضى عن ظلم المدير وتعسفه وفساده .
ظل باسم وأصدقاؤه في مكتبهم منتظرين زيارة الوزير لمكتبهم، واتفقوا إن لم يمر على مكتبهم سيقفون له في أي مكان يجدونه وسيشكون له ظلم مدير المؤسسة، ولن يتكرر ما حدث في الزيارة السابقة، حين خرست ألسنتهم جميعاَ .
خرج الوزير هو والمدير معاً من المكتب؛ ليزورا بعض الأقسام في المؤسسة، ومرّا على مكتب سليم وزملائه، فوقفوا له كالجند في الميدان وقدموا التحية .
سألهم عن العمل ومما يشكون؟ ردّوا جميعاً إلا باسم ظل صامتاً : الحمد لله يا سعادة الوزير، الحمد لله..... ليس هناك أية مشكلة والفضل يعود للمدير، وأضاف رفيق متحمساً يكاد يخطب: يا سيادة الوزير لولا مديرنا هذا ... لما نجحت هذه المؤسسة، فهو مكسب لهذه المؤسسة، وعندما كان الوزير يغادرهم، أراد باسم أن يتحدث بصوت مُنخفض كمن أصيب بالخرس، وملف الشكوى ومخلفات المدير بيده : يا حضرة الوزي.... يا سيدي يا ... يا .... واختنق صوته وبلع لسانه .