3
شرفة على موانئ الغربة
أجلس بين خطوات الماضي وأحلام المستقبل، أتساءل من أين سآتي بالكلمات التي تشرح غربتي..! من أين سأتي بالصمت الذي يقول كل شيء..؟!
ما زلت أسير، وعن أي معرفة بأي درب أسير..؟! استقليت أحلاماً أصبحت على وشك الأفول، سرت بها في كل البحور وجدتها مسدودة وجلست أنتظر زورق يلوح لي من جديد. كم تمنيت في لحظة أن أرى مرفأ الوصول، لكن الفرح إستكثر علي جمال رسي الآمال، فوقفت بكل ذهول أتابع الأمواج وأبحث بها عن ميناء أمانٍ.
نزعت اليأس من كل الشواطئ ووجدت ذاك البريق الذي يوحي بأمل جديد، فعرفت من هو من بعيد، ومع كل هذا كان من الصعب عليَّ الوصول..!
يقول أحبي من جديد وستزول الغربة مع أول احساسٍ بالأمان، ولكني فقدت الشَّهية للحب..!
يقول اضحكي.. وأتساءل لما الضَّحك..! فيكون الجواب منه.. لأنني عاجزة عن الحزن..
أريد أن أسافر ولا بدّ من السفر حيث مرافئ الانتظار وحيث يكون بي قدرة على أغتال الغربة بجمال اللقاء، فهناك من ينتظرني..
كم أود بلحظة بكاء أمام أحد، لأنني اعتدت البكاء دوماً مع الغربة ومع جدران الغرفة، فالحزن يتملكني والأمل يصنعني لوحة مع القدر، الحزن يغتالني بهدوء وبرصاصة صامتة، لعل هذا الحزن الذي يتملكني قضية شائكة وأكثر خصوصية وكأنه الوطن.
أتابع النظر لذاك البحر وتلك الأمواج المتراطمة، وكأنني أريد أن أكتشف هذه الليلة أن الوجه الآخر للنسيان.. هي الغربة، وكم هوصعب أن أجتاز ذاك الجسر المعلق بينهما، والذي يفصل بين التفاصيل الحزينة والضحكة البريئة.. أريد في لحظة الغربة التي أعيشها أن أختار لعمري مسقطه الأخير..! أن أحلم بالمستحيل وأتحداه..؟!
أين يقع البحر.. وأين تراها غربتي.. هل تحيطني أم تراني أنا التي أحيطها..! هل أحملها بداخلي أم أنها تحملني حيث اللاحدود واللاوجود.. أشعر وكأنني ولدت على جسر معلق وسط مجرى رياح يتلاعب بي يساراً ويميناً.. كبرت وأنا أحاول أن أتصالح مع ذاتي وأصلح بين الأضداد والانعكاسات داخلي، إلا أنني ولوهلة أولى أكتشف أنني أكره كل شيء له وجهان.. الحب والكره.. الجنس والاغتصاب.. الضوء والظلمة.. الأبيض والأسود.. الحلم والوهم.. البداية والنهاية.. الغربة والألفة.......
ومرة أخرى أحس بالوحشة لشيء ما عاد موجود في واقعي.. ولشيء آخر تمنيته يوماً أن يكون معي يقاسمني كل شيء حتى سريري.. أنظر للساعة وكأن عقاربها لا تتحرك فتنتابني الغربة من جديد، كلنا في فلك واحد وأنا في فلك يبتعد عنهم شيئاً فشيئاً.. لأنني ولدت من صمت البحر.. وعشت معه في كل حكاياته فقذفتني مياهه موجة غريقة تتجول مرة نحو رمال الشطآن وتجرني ثانية "إليها ومرة أخرى لصخرة أتحطم عليها.
أتذوق المياه كي أروي غربتي من العطش الدائم، فأشعر بطعم ملوحتها الذي يذكرني بسكون كل شيء من حولي، فتتزاحم عليَّ صور كل من أحب وتزداد خفقات نبضي ويتعرق جبيني ويرتجف جسدي ويعجز اللسان عن البوح لأعلن بعد العناء صرخة استجداء لتخرجني وتنتشلني من بحر غربتي وأنا في لب الوطن.. وحضن أغلى الانام.. أنا من البشر.. أنا من البشر...
رحلت عني كل زوارق وأطواق النجاة وتركت وحدي أصارع اخوتي الأمواج وبقيت طفلة تحلم برسم الوجوه على الرمال تحادثهم وتسرع إليها وتمسحها وكأنها تجبرني للعودة لطريق الوحدة لأرسمها من جديد.. ولن يبقى لدي سوى انتظار قارورة تحمل بداخلها رسالة منهم.. تحمل بعضاً من الآمال وبعضاً من رمال شواطئهم لترسب في قلبي وأودع بها قليلاً من غربة وحدتي...
دارين طاطور
16-03-2008
04:30
فجراً