كانت دوما تسبح في فضاء التمني وتنسج حكايا الزمن المأمول ،،،وتحملها عبق الطفولة الجارفة ،،،وأحلام السنين ... تتأمل على ضفاف الحب والوفاء أسراب الحمام .تمضي وأجساد يطويها الحمام وتسافر في دروب اللاعودة... .
كانت تريد أن تجعل الأيام قصيدة شعر منظومة على قافية بنفسجية الإيقاع...وشذاها يطبع الكون برحيق الشوق والحنين...ورويّها لا يكتمل إلا برواية الأفراح ...
حدقت إليها وأنا أستجمع شتات أفكاري... فتاة عنيدة عاشت فراشة تتربع وسط لوحة أبدعها التخييل ولوّنت بألوان الورد كل محيطي...
ومع أن المنى لا تنال بالتمني...إلا أنها وسمت الحياة بعبير الأمل وزرعت البسمة في دروب الظلام ...واحترقت كشمعة شامخة تتلاشى لترسم معالم السبيل ...
يرتبط منظرها في الذاكرة بصوت فيروز وهو يشدو " أنا حبّيتك انا حبّيتك.."
مع الأيام، أيقنت أنها أودعت حلمها صندوق التضاد ...فأضحت حياتها بحر أحزان بلا رمل ولا شاطئ …تحيطها نيران التيه والغضب وهي تبحث عمن يحفظ أمانها وينظّم إيقاع خفقان قلبها ...
تجلس على قارعة الليل تتذكر...تحصي عبارات وهمسا ذاهبا على ظهر الريح تعيد صياغة الخطاب المعسول بالسم
في لحظة غفل فيها الزمن وتوقفت عقارب الوقت كان هنالك يردد بجنون: "وحدك استطعت جمع الشتات المتناثر على أصقاع هذه الأرض..ولا أحد سواك أفلح في تضميد الجراح النازفة الذاوية في صمتها المريب…."
ينتشلها من تداعياتها نقيق ضفدع شارد عن البحيرة المجاورة فتضم وشاحها حول جسمها وتحاول مدذ بصرها في اتجاه الصخب وتمتلئ عيناها بنور القمر والطبيعة الجميلة الهاربة على امتداد البصر ....
هذا المكان في شرفتها هو ملاذها الآمن حيث يحتضن البحر أسرارها وتشاركها كائنات البحيرة الصغيرة معاناته...
تتذكر في أمسياتها الحزينة نداءه مستعطفا:"أرجوك اسمحي لي أن أدفن
وجهي بين كفيك لأشعر بوجودي......."
وخزة ألم تنهش قلبها ...لم يكن بإمكان من يعشق الحرف النابض أن يقاوم نبضات حروف معجونة بالترياق وماء الورد...لذا ما كان بمقدورها تجاهل الحياة المنبعثة بين كلمات تنساب كالبلسم الشافي لوجدانها الذي يهيم بالقريض وفي سويدائه يسكن هاجس القصيد....
" حبيتك في الشتا حبيتك في الصيف... " وتقتحم نيرانا تتشظى وتمخر عباب شك يتهيأ لابتلاع حلم وليد....
غرقت في يمّ ملتهب دام يجمع بين النار والماء ...فاحترقت ...واحترقت
ثم احترق سلطان المارد وغاص في قعر جبروت التملك والتواني....
غرقا ومات الحب ثم انتحر الشوق على مشارف العناد والوهم...أو الجهل
مفارقات غريبة وعجيبة هي الدنيا عندما تقبل عليها تهرب منك وعندما تعود أدراجك تلاحق أنفاسك وتخطب ودك ....
وقدر أكبر من العجب،عندما استيقظت من سباتها تحت أنقاض الجدار المتصدع المسافر مع يباب هذا الكون... نجت ..وطفت .. تسأل ..باحثة .. علّها تجد من يسعى لإصلاح هذا الجدار. ومع أنها فقدت الإحساس بالبهجة وفارقتها الروح الشادية بألحان الوجد والوجود..إلا أنها انتفضت مثل العنقاء ورفضت الاستسلام لقدرها المحتوم
سمت فوق الآلام والأحزان فانتصرت على كل المحن والأهواء ...وهي تشمخ بـإباء وكبرياء ....بالرغم من اعترافها بوشوم وسمت حياتها بالمعاناة والأحزان وهي تودع وجوها تجمع كل الأضداد؛ لأنها كانت دواءها وداءها نورها،،،ونارها ،،،أنسها ويأسها،،، هناءها وعناءها..
وجوه استطاعت أن تحول حياتها في لحظات إلى فصول مختلفة،،،وتملأها بإيقاعات غير قابلة للتفسير أو التأويل،،،فهي وحدها فقهت تفاصيل روحها ونقاء وجدانها ونجحت بامتلاك مفاتيح أسرارها،،،واقتحام دنيا غرامها......
استقامت في وقفتها ورأت أرنبا يعدو ويدخل بين بعض الشجيرات غير مبال بأي خطر...بينما هي هنا تسيّج دنياها بالأشواك السلكية كي لا يعرف الظل كيف يصل إليها مرة أخرى ...
عجبا كيف ترسم أحلى الصور من وراء الأسوار السميكة التي تحتجب خلفها وهي ترفض اقتحام نار مزاج الغربة وماء ملاذ الخصب وتعزف عن الرقص على ألحان حب عارم، مبتور... دافق وقاتل....
دوما يقض السؤال مضجعي : إلى متى ستقاوم ...وتنفي ذاك الوجه الملائكي الذي غابت عنه ابتسامته الساحرة الراحلة على هامش الأيام والذكريات؟؟
وهل ستعود إلى ذاتها التواقة لرنة ضحكاتها المزروعة في أرجاء البيت الكبير ...
كل الجدران تحن لتلك الشعلة التي أنارت زواياها ذات ليال شتوية ...والبحر أيضا يفتقد رائحة عطرها ...وهديره يشتاق لصدى صوتها الضائع فيه
وهو يحضن أشواقها هي المتيمة بهواه...
وهل ستشعل فتيل الأمل بعودتها لتلهو معها كل كائنات المرج الأخضر كما في سالف الأيام ...إلى متى كل هذا التماطل وفي العودة حياة ونور...
بدأت تحزم أمرها وترسم معالم الطريق كي لا تذبل باقات الأقحوان على باب فجرها وتذوي زهرات أفراحها وراء السكون ..وأوار هذا الجنون
لن تسمح للرتابة والروتين باغتيال أحلامها البريئة بوهج الشمس ولفحاتها الملونة وجهها بالسمرة وبريق الألق المشع على عتبات شروق الصبح المحنط بالأمنيات وتداعياتها المشروعة ....
اليوم هي غير تلك التي رأيتها بالأمس تبتعد ... وتغيب وكأنها تحاكي الشمس في الغروب، وكانت توأم الروح ومرآة ذات يتماوج فيها الغضب والتحدي ..والهدوء والثورة.....اليوم أحكمت قبضتها على الريح وهي تحاول انتشال نفسها من بين غيوم الذات المنصهرة في بوتقة العزلة والاغتراب في ديجور سراديب الوجدان...ودولة المشاعر المستحيلة..
متسمرة هناك في انتظار المحال المحال.... وربما لا ...فالممكن والإمكان قد لاحا في أفقها.... ولوّحا بأبهى ختام ....
ومع ذلك لا أقوى على المراهنة إن كانت ستنفض عنها غبار السنين وتعلن ميلادا جديدا أم أنها سترحل خلف السكون والأوجاع وتنسى مدّ يد المساعدة لمن يروم النهوض من جديد!!!!!
وتستمر الحياة والقطار في لمح البصر يطوي مسافة العمر والأمصار
شئنا أم أبينا ....ثرنا أم استسلمنا ......بكينا أم ضحكنا........متنا أم حيينا...فلنستثمر العمر في..........ولكم واسع النظر.