.دقّت ساعة الحب،وكانت الخفقة الأولى بعد ولادة الوقتِ على يديك،حين أدار القدر بوصلة قلبي إليك ذات لقاء،لست أذكر تفاصيله التي غاب عنّي أغلبها،جلّ ما أذكره حين ألقيتَ في يميني قصاصة العِشْق التي قَذفتْ بِهَا عصا الدّهشة إلَى بؤبؤ عيني، انزلقت عبر مجرى دَمي ،
عَبَرَتْ عُروقي،و رَسَت أخِيرا فِي وَريدي؛فأضحيتَ شَريك الرّوح في الجَسد،بعْد أن كنتَ جَار الجَنْب،يومها أخذتَ بتلابيب وجداني،وجدتني أنجذب اليك،أسقط بين يديك فراشة تميس مع خطى النسيم؛عندما شققتَ عن صدري،و غرستَ اسمك فسيلةً أينعت نخلا يساقط الرطب الجنيّ،يقتات منه نبضي،و أخرجتَ شجرا إلى ظلاله أفيء حين يلفحني حرّ الأسى، كأنما كنتَ غيمةً سكبتْ بضع عبرات من مقلتها على أرضي،فاهتزت روحي و ربت؛مِن بعد قحط،أوقدتَ قناديلي من قبس اللهفة المتوهج في عينيك،فانقشعت عتمة اليأس،و انتشر الضياء في زوايا مهجتي،وبين ثناياها،عانقتني اشراقة الحياة،كأنّ جَوْفي صار منحدر النور،أو أن الشمس تأوي إليه حين الهزيع،و اكتسى الفؤاد حلّة بهيّة نسجتَها من ديباج توقك إلي،
و طفحت السعادة في داخلي،ففاضت من عيوني أدمع حرّى؛لا تحمل طعم الملح،فقد مزجت بسلاف الفرح لا بِأجاج الجرح.
هي الدهشة التي أذهلتني عن نفسي،وشغلتني بعهدي الجديد عمّن سواي،أخرستْ ألسنة اللوم،و هسيس الغيرة، فما يقال تتقاذفه المطرقة و السندان،و تطرحه في غيابة التجاهل،وحده صوتك ترنمية فرح تلج الوجدان، تبتهج بها الروح،تُذيقني السرور حدّ الثمالة، فأنتشي بكلمة واحدة من أربعة أحرف، ثلاثة منها سيامية ،تحتمي بظهر الألف القائم ." أحبكِ".
أنتَ أسطورتي،جعلتَني أقفزُ في نفسي،أخبئ قرص الشمس في كبدي، أمتطي خلفك البراق، فتعرج بي إلى مجرات السماء،تصطنع لي من النجوم قلادة تطوّق بها جيدي،أنت عباءة تدثّرني حين القرّ،يد تربت على كتفي حين البأس،نفس أشدد بها أزري،و أسند عليها ظهري آمنة.
أنتَ لي وطن اتسعت حدوده لِتَسع هذياني و جنوني،أنت لي المنفى حيث تقيّد بشرودك جزءا من آمالي.
أنا ياكُلّي فلذة منك، لا أطيق النوى،فحين يغمرني الشوق اليك،و يغلبني السّهد،يقذفني تيّار الوجد في يمّ اللهفة، فتُفيض عَبراتي سواقيه ،و أصبح منه و فيه نهرا، ينساب بين كفّيك،فاشربني على مهل.و أنْت تشربُ مـاء قلبي،تذّكر أنّ نبع الحنين لا ينضبُ،إلا أنّ طحالب الجفا تنمو في الماء الرّاكد،فيصبح من بعْد صفاء مـَاء آسنا.
فأنا لا أخشى يد الزمان أن تهزّ كفها في وجهينا؛بقدر ما أخشى أن يضيق صدر أحدنا بالآخر،و تخمد جذوة الشغف التي تَسرج فتيل العشق في القلوب،أو نخضع لصولة العناد،ونسقط في فخّ الغياب.