ربيع العرب
الفجر بانَ فلا شكٌّ ولا رِيــَــــــبُ
وعن نواظرِنا الظلماءُ تنســــــَحبُ
وفتيةُ الكهفِ عافوا النّومَ وانطلقوا
هذي المعالي لـــــهم في نَيلِها أرَبُ
ليكتبوا صفحاتِ المجدِ من دمـِـهم
فالمجدُ بالدّمِ لا بالقولِ يُكتَتَــــــــبُ
ما عاد تنفع في المأســـاةِ حوقَلَـةٌ
وإن دهى الخطبُ ماذا تدفعُ الخُطَبُ؟
وأتى الربيعُ وقد طافت به سُحُبُ
تُساقِطُ الجمرَ ثوراتٍ وتَنســـَـــــكِبُ
على عروشٍ أقام الظُّلمُ دَولَتَـــها
ففجَّرت غضباً من خـــــــلفِهِ غَضَبُ
أضحى لها العرشُ دون الشّعبِ دولَتُهُ
إن شـــاء قامَ وإمّا شــــــاءَ يَنــــقَلِبُ
سحائبٌ قد أتَت يوماً على قــَـَدرٍ
من حيثُ ما كانوا يوماً لِيَحتَسِـبوا
فشرّدتهُم ومَن في القومِ خَلفَــهُمُ
فلو تراهُم غداةَ الرَّوح إذ هَرَبوا
والكونُ كلُّ عيونِ الكونِ شاخصةُ
تُبـَـادرُ اللَّحظَ والأيّــــام ترتَقِــــبُ
رَبيبةُ العُهرِ عند حدودِها انحَسَرَت
جرَّت ذُيولَ الورى عَرجاءَ تَنتَحبُ
لكنّهُ المجدُ لا يُجنى بـــــلا ثَمَنٍ
ومن أراد سموّاً دونهُ التـّــــــــــعَبُ
يا عينُ جودي كماءِ المزنِ يذرفهُ
سحّاً غزيراً من الأحشاءِ ينسكــــبُ
على فراخٍ وعشٍّ حين روّعهم
فلا فراخٌ ولا عشٌّ ولا لُعَــــــــبُ
أتت على الكلّ أنيابٌ لمفتـرسٍ
فدونَكَ الجسدُ المنثورُ والكُتُــبُ
يا ابنَ الوليدِ ألا خيلٌ فتُسرجُها
أجِبِ الصّريخ َفإنّ القومَ قد نُكِبوا
فشامةُ العزِّ يدمي القلبَ مشهدُها
لو كان فيه حياةٌ أو به عصـــــبُ
يا سائلاً خبراً حمصٌ غدت خبراً
أو شئت تنبيك عن أنبائها حلـــــبُ
من بعد عينٍ غدا تاريخها أثراً
فأصغه السمع لا همسٌ ولا صخـبُ
أطفالُنا سقطوا يشكون خالقَهم
ظلمَ الذين على أنّاتِهم طَرِبــُــوا
ماذا قد اقترفت أيدي طفولتِنا
حتى براءتَها بالسيف تستلــبُ؟
يا طاغِ دونك أيامٌ تُضاف بها
الى طغاةٍ تألّق نجمُهم وخَــــبوا
يا سوأةَ الدّهرِ يا عنوانَ نكبتنا
يا لعنةَ العصر سوف ينالك الطلبُ
غداً ترى فرحى الأيامِ دائرةٌ
لأيِّ مُنقلَبٍ يوماً ستنقلــــــــــبُ
من يزرع المرَّ يجني من مرارته
والشّوكُ في الأرض لا يُجنى به العنبُ
والنار كيف يرومُ الظلَّ موقدُها
ومن مواقِدِهِ يُستــَـخرَجُ الحطـبُ
من يقصد الحقلَ يشدو في خمائلهِ ظـ
ـلًّاً وموقدُ النار سوف يصيبه اللّهبُ
يا كاتب التاريخ سجّل إننا عربُ
وإننا لجذورِ المجدِ ننتســـــــبُ
إنّا الشهودُ على مأساةِ أمّــــــتنا
فليسقطِ الظلمُ والتدجيلُ والكذبُ
أعدِ الصّياغةَ يا تاريخُ واروِ بنا
إنّا لنا الشمسُ أمٌّ والفخارُ أبُ
فقد مهَرنا العلا من كلِّ غاليةٍ
فمن دمانا ثغورُ الأرض تختضبُ
فقوميَ اليومَ يقفو ركبَهُم أممٌ
إن جاء جاءوا وإمّا يذهبوا ذهبــــوا
وإن تنادى عِطاشُ الكونِ من ظمأٍ
كنّا الدليلَ فمن تاريخنا شربــــوا
وفي حضارتِنا فيضٌ لِمُغتَرِفٍ
ومن مشاربِنا يُستَطلــــَبُ الأدبُ
إذا الرّزايا طرقنَ القومَ تلقـــهم
تنازعوا صهواتِ الموتِ كي يثبوا
هم الصناديدُ عافوا الأرضَ وانطلقوا
الى الميادينِ إمّا استُوثبوا وثَبوا
الى المنونِ تنادَوا بل قد استهَموا
لا يملكون سوى نفسٍ وقد وهَبوا
أكرِم بقومٍ إذا مُسَّت كرامتُـــــــهم
دعُوا المخاطرَ فوق ظهورِها ركبوا
نحن الذين عبابُ الضَّبحِ يعرفُنا
لنا الصَّدارةُ والباغي له الذنــــــبُ
إذا وثبنا فنحنُ القومُ من مُضَرٍ
إمّا مضينا رأيتَ الشّمسَ تحتَجِـــــبُ
ساخَت قوائمُهُم إن قامَ قائمُــنا
كالطّودِ يَعلُو وكالبنيانِ ينتَصِـــــــبُ
يا قدسُ قومي اكتَسي أثوابَ عِزَّتِنا
فموعدُ النّصرِ يا قدساهُ يقتــــــربُ