هل يجوز الخروج على الحاكم ..
سوف يذهب البعض إلى جواز الخروج ، ويستدل على مذهبه بنصوص صحيحة من كتاب وسنة وأقوال العلماء ..
وسوف يذهب البعض الآخر إلى عدم الجواز ، ويستدل على مذهبه بنصوص صحيحة من كتاب وسنة وأقوال العلماء ..
فتصيبنا الحيرة من جانب .. وعلى جانب آخر تظهر مسألة طالما تحدث عنها العلماء وهي مسألة تعارض النصوص ..
فهل يمكن أن تتعارض نصوص الشريعة مع بعضها البعض ؟
يجيب الإمام الشاطبي في موافقاته عن هذا التساؤل قاطعاً أي طريق للقول بتعارض النصوص ، فيقول :
( التعارض إما أن يعتبر من جهة ما في نفس الأمر ، وإما من جهة نظر المجتهد ، أما من جهة ما في نفس الأمر ؛ فغير ممكن بإطلاق ، وقد مر آنفاً في كتاب الاجتهاد من ذلك - في مسألة أن الشريعة على قول واحد - ما فيه كفاية ، وأما من جهة نظر المجتهد ؛ فممكن بلا خلاف ) .
فلماذا إذن نقف إزاء رأيين مختلفين تماماً ، وكلاهما يستند إلى نصوص صحيحة ؟
قد يبدو الأمر محيراً ..
لكن بقليل من التأمل أو بكثيره نصل إلى حقيقة مفادها أن أصحاب الرأيين يلعبون لعبة تجزئة النصوص وقطعها من سياقاتها ، وتجريدها من ملابساتها وأسبابها وعللها ، وهي طريقة قديمة وقع فيها جماعات في القديم والحديث فضلوا وأضلوا ، وهو منهج خاطئ وخطير ، نهى عنه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ..
فالمشكلة إذن ليست في النصوص بل في عقل المجتهد ، وما دام المجتهدون لا يتفقون على رأي بسبب تلك القراءات الجزئية التي تختلف حولها الأنظار ويلعب حولها اللاعبون التجزئة والتقطيع ، سوف أجيب عن السؤال ( هل يجوز الخروج على الحاكم ؟ ) بالرجوع إلى ( مقاصد الشريعة ) ، وذلك من خلال هذا الحوار :
ـ هل أنزل الله تعالى الشريعة عبثاً أم لغاية ومقصد ؟
ـ حاشا لله أن يعبث ، بل أنزلها لغاية ومقصد .
ـ ما هي غايات ومقاصد هذه الشريعة ؟
ـ استقرأ علماء الشريعة فوجدوا أن مقاصدها هي حفظ ( الدين ـ النفس ـ العقل ـ المال ـ النسب ) .
ـ إذن الله تعالى يريد منا تطبيق شريعته في الأرض وتحقيق مقاصدها ؟
ـ نعم ..
ـ هل وجود الحاكم الفلاني في منصبه يحقق مقاصد الشريعة أم لا ؟
ـ الجواب :
إذا كان بقاؤه يحقق مقاصد الشريعة فهو بقاء شرعي لا يجوز الخروج عليه .
أما إذا كان بقاؤه لا يحقق مقاصد الشريعة فهو بقاء غير شرعي يجوز الخروج عليه .
والله أعلم ..