رسائل مُحترقةإلى مَنْ سكن فيّ ولم يدرِ:
حين عرفتك كُنت فراشة، اضطجع في فراش النقاء، أنسج حلمي من خيوط القمر ليلاً قبل المنام؛ ليُهدهدني كحضن أُمي لأنام.
كنت أحلم بأنني فراشة أرفرف مع سِرب الفراشات ، نطير بعيداً نحو المروج، نداعب الزهور، لم نكن نخاف، إلّا من الطيور الجارحة التي تزهو بافتراس الجمال؛ وتشعر بالسعادة حين تقتات منه. أحياناً كُنت أستيقظ من منامي مفزوعة ومُجهدة ، بعد مُطاردة ضارية، من جارح ضارٍ ، يطاردني.
كنت افرّ منه إليك ،أحوم حولك، لكنك كنت تفرّ من أمامه أنت أيضاً خوفاً من بطشه. أتذكر يوماً أنني نهضت ليلة مفزوعةً من منامي بعد أن جثم عليّ جارح رمادي؛ لافتراسي بمنقاره ، فاتت أمي بعد سماع صراخي، وقرأت القرآن حولي تعوّذني من الجن. كنت حين ذاك وردة مُغلقة، لم تتفتح أكمامها ، ولم يفُح عطري بعد ، حتى أتى في الصحو من كان يطاردني في المنام، ــــ لكنه غيّر شكله ــــ ، يود أن ينسمني، ويزهو بعطري ليثمل به بقية عمره، لا يعنيه الأمر إن صرتُ ممرضته، ثم أرملته مبكراً ، فهو يبني سعادته على أنقاض سعادة الآخرين. كُنتَ تعرف أنني أهواك، من رسائل طرف العين، وبسمة الود لتنقذني، لكنك لم تفعل شيئاً، لأنك كُنتَ غُصناً طرياً، سهل الكسر.
بعد أن قُدمتُ إليه، باقة ورد ، وضعني جوار سريره، يكفيه لمسي واستنشاقي؛ ليرد أنفاسه المتهالكة، لم يبق إلا أنفه الذابل ليستمتع به. كنت ادهن جسمه بالزيت ؛ ليستلذ بنعومة يديّ الطريتين ، وأساعده بتخضيب لحيته بالحناء. صرت أُمّاً بعد أن غمس فيّ مِنقاره المعكوف، وابنتي الأن في حضني تبدو يتيمة الأب.
عِشت فترة زمنية أحصي أنفاسه، لعلّ أحظى بُحرية شبابي المُتقد تحت الرماد، وأزيل عنه غبار الزمن، الذي يخنق أنفاسي، وأعود إليك لتغسله عني، لكن انتظاري امتد لسنوات عِدة ؛ ليطول عذابي. كنت أقول أن عهد النخاسة ووأد البنات وعصر الجواري أنقضى، لكنه ما زال يسود بطرق أخرى، فها هو أبي قايضني بحُفنة من المال ، لم أكن أعرف حين اشتراني هذا المُتهالك....، أنّ نهر الشباب، حين يتدفق في المرء تصاحبه نارٌ تطفو عليه، تحتاج إلى نهر آخر ليُطفئها . نعم يحاول مَن اشتراني أن يطفئها بماء الذهب؛ لكن هيهات ذلك ولو نهر منه .
لو كُنت في سن الرشد حين اشتراني هذا المتهالك لرفضت مُقايضة الشباب بالذهب، وفضلّت أن انتظرك ولو عِشتُ معك تحت الصفيح، فالعيش تحت ظل الصفيح مع السعادة، خيرٌ من العيش في ظل قصرٍ مع التعاسة !. وفي الأخير ها هي رسالتي التي لن تصل إليك ، تحترق بين يديّ، بنظرات ابنتي التي هي أغلا شيء عندي من كل شيء.. وإلى اللقاء في رسالة أخرى مُحترقة.....