أحمد البرعي ..
حرفُكَ آسرٌ , وربُّ محمَّدٍ , أحسنتَ اختيار عنوان القصيدة ( إباءٌ رفيف ) ثمَّ أنِّي قرأتُ هنا إحساسُ أميرٍ راقي , ساميَ الفكرِ , مهذّبةٌ طباعه , مزدانةٌ أخلاقه , رهيفةٌ صفاته , يتوجه إباءه في خضم حزنه وانكساره , شكرًا لحرفك وشكرا لملهمك المبدع / خالد البناني , شكرًا لكما يارائعان
كأنَّ النَايَ لم يَعزِفْ سِوَاهُ
شَقِيٌّ حالمٌ أردَتْهُ آهُ
الناي عزف مشاعر روحه بذاتها وحياته بعنائها , عزف مايختلج في أعماقه من أحاسيس مشرأبة بالأشجان ورفعت من نسبة رقته وحلم طباعه متاعب الحياة , وقد اقرأ هنا أنَّ الآه الواحدة لديه ترتجُّ له صدور العالمين , فماأروع المشار التي نزفتها هنا ياأحمد ..
فقيرُ الحُلمِ مَكسِيٌّ بهَمٍّ
تواضعَ للتَّمنِّي كي يَراهُ !
فَلا هَمٌّ تَوَضَّأ بالتَّمنِّي
ولا بالحُلْمِ قدْ صَلَّتْ شِفَاهُ
الحلم كشخص فقير ضاعف بؤس عيشه كساء الهمِّ الذي يرتديه , لم يجدي تطهير همه بوضوءه بالأماني وشفاه كفرت بالحلم ويئست فلم يتقرب لأحلامه وأمانيه بالوضوء فالصلاة أوالدعاء
عَفِيفٌ لا تُدَنِّيهِ خُطُوبٌ
رَفِيفُ الثَّغْرِ لو سَالتْ دِماهُ
يُصَبرُ صبرهُ حِلْمَاً بِحِلْمٍ
يُدَاري بابتسامَتهِ شَقَاهُ
يُخَبِّىءُ دمعَهُ غَيْمُ التَّأني
وَيسترُ عنهُ ما أخْفَى أناهُ
من جمال صفاته وطهر عفته أنَّ هطول الخطوب عليه لاتجعله ذليلا أو خاضعا بل يبقى صامدا رغم ثقل الغموم التي يحملها كاهله , ومن أجمل الصبر والتجلد أن تبتسم عند فيضان الأحزان وتلاطم الرزايا وفوران الدموع فلا تتشكى ولا تسخط بل يزداد إيمانك وتهدئ من روع ألمك فيخفُّ إحساسك بالشقاء أو تكاد لاتحس به من تفاؤل روحك وحسن ظنك بالله ومن يفعل ذلك دوما نحسبهم من أهل الهمم وأصحاب القمم نفوسهم عالية وصدورهم رحيبة وعقولهم حكيمة تعي وتبصر الخير في في الضراء هؤلاء هم أهل الإيمان واصحاب الطباع الراقية ... ولعلني أشير في آخر بيت حينما ذكر ( يخبئ دمعه ) قد يكون هذا من تمام الصبر ولابأس إن سالت الدموع دون عويل ونواح وتذمر لأنعا قد تخفف وتنفس عما يعانيه قليلا .
رَقِيقٌ إذْ يُطَبِّبُ جُرحَ خِلٍّ
وليسَ لِجُرحِهِ خِلٌّ سِوَاهُ
ماأروع الإنسان الذي لم يمنعه نبل حزنه بأن يشارك الآخرين أفراحهم بل ويصبح بلسما لقلوبهم وطبيبا لجروحهم , وحينما يأتي موعد تقرح جروحه وتصوح آلامه لايجد الخل لأسباب :
إما ابتعادهم عنه وقت حزنه وخذلهم له , أو لتحفظه هو وصبره لدرجة كتمانه فلا يحب أن يخبر غيره فيتعبهم معه أو يحملهم هموما من أجله فيتحمل معاناته لوحده بينما يضحي ويتفانى في خدمة الآخرين واثاء ظروفهم ,هذا هو المضحي المخلص .
قرأتُ الإحساس العميق وروعته ووفائه وصدقه ورقيه لعدد من الشعراء ولكني رأيتُ هنا الجذور المتأصلة والمتعمقة من رقي الطباع وارتقاء الروح ونفاسة المشاعر وجمال الحرف الذي أقول لو أنك اقتنصت من جواهراللغة ماهو أكثر تميزا في مفرداتها وألفاظها لكمل سنا شعرك الأخَّاذ ولا يعني هذا أنَّ هنا عيب في لفظ قرأته كلا والله لكنه مجرد حرص أكثر على هذا النبض الصادق الذي أشكرك عليه من الأعماق ... أختك / براءة الجودي