قال يا شيخي اني رأيت أني اهيم في واد ظليل ،ماؤه معلق في الفضاء كأنه اللجين المفرغ في قوارير شفافة ، اشجاره براقة مختلفة فواكهها ،وطيوره تزحف على ريشها ،وحيواناته تسبح في الفضاء.
ورايت يا شيخي قصورا منيفة على ابوابها عسس كانهم الياقوت حسنا وبداخلها قاصرات الطرف من بنات حواء يحطن بشيخ وقور يداعب مفاتنهن ويكرع من عس خمر ،فعجبت لامره ،فقيل لي انه الهبيد
،فناولني العس فشربت منه حتى ارتويت.وانطلقت استروح االنفس في شاهقات القصور فرايت ما راعني عجبا :شيوخ اجلاء كلامهم كانه الدر المنظوم. فقال الشيخ :ا
-أعيدك يا بني من صناعة انت مقبل عليها ، فاذا اقبلت عليك بنضارتها ،فطابق الكلام لمقتضى الحال ،واقتصد في طلب الغلوحتى لايشط بك في فساد المعاني ،واكتم امرك حتى يظهره اكتمال القريحة وجودة الطبع.
وداخله زهو حين جرى لسانه بالقريض،فلاحق البلاغة يعب من معين علومها ،يسك المنظوم وحيا هابطا من السماء،وهام في الوادي ،واستطاب لذة الغواية،واستانس من نفسه القدرة على مطاولة الفحول وارتياد المجهول ،فدخل على سيد القبيلة مادحا مستهلا بما يتنافى والاطلال
صفراء كادت ولما تفعل ********كانها في الافق عين الاحول
فامر به السيد الذي كان يشكو من الحول فجلد وزج به في غيابات السجن ،فقال مؤنبا نفسه في اول ليلة هو يتامل ذاته هذا اول الغيث ،اين المقال من المقام ؟واخيبتاه .
وجرت مياه كثيرة تحت الجسر، ورمم لسانه بما يصلح حاله.،لكن القصيد ناصبه العداء رغم الفصاحة والبيان ،فكان كلما اخذ في المديح الا وانقلب الكلام الى هجاء ،وجاءه رسول السيد يدعوه للمثول بين يديه ،وناصحه الرسول ان يلازم حلو الكلام ورصين المديح.فهمس في لطف : رب السجن احب الي مما يدعونني اليه.و خط رقعة دفعها اليه أنقلب فيها القصيد الى ذم ،و اختفى الشاعر يحمل خشبته فوق ظهره لا يجد من يصلبه عليها