أعجبتني قصةُ أختنا كاملة بدرانة في ( بوابات الكهف ) وتذكرتُ من خلالها قصة قديمة جدا لي فأحببتُ أن تشاركوني آرائكم في خربشاتي القديمة , ولاأخفيكم اني محرجة من عرضها فإني اراها دون المستوى
__________________________________________________ ______
( قد حان الموعد )
كنتُ فوق طائرٍ ضخم الجثة عظيم الريش ذو جناحين كبيرين يحلقُ بي في الفضاء الواسع , شعرتُ بالنعاس يداهمني ويلعب بأجفاني تدرج في النزول حتى وقع في الأرض ورماني معه في تلك المفازة المخيفة حيث تحيطها أشباحُ الجبال , ارتعدتُ ارتعادةَ خوفٍ وضياع , لم أجد ملجأً وقد حان وقتُ الغروب , أدرت ظهري للخلف فإذا بي أجد كهفا اتجهت إليه مسرعا عله يكون كملجأ لي ريثما أرى الحل مع هذا المكان الغريب ،ولجت إليه والظلام حالك لم أعد أرى شيئا فاستندت على أحد جدرانه جلست أعبث بطرق الحائط حيث كان يصدر صوتا يهيئ للسامع أنه ليس صلبا وكأنه بابا مخفيا وقد تحقق ماظننته لآخر طرقاتي القوية لاأعلم مالذي ضغطت عليه يبدو أنه كان زرا ..! فإذا به يُفتح تملكني الخوف , نور ساطع أعمى بصري ، دخلتُ مدينة شاهقة المباني , ازداد عجبي عندما رأيت أناسا سكارى وماهم بسكارى غشاهم الجهل رغم حضارتهم يتخبطون في خضم الفتن دخلت بين ازدحامهم حتى لكأني نملة تمشي بينهم , أخذت أتجول في المدينة يبدو أنها حديثة ومتطورة،أثار فضولي إحدى فنادقها العامرة وكأنه شكل قارب منظره براق دلفت إليه وليتني لم أفعل ،نساء كاسيات عاريات، النبيذ يملأ المناضد ،عهر وفساد،صخب وجلبة غادرت المكان وأكملت طريقي شارد الذهن فإذا بي أقف عند أحد الأزقة لألمح لصا يتسلل أحد البيوتات المتراصة جلست أتساءل :أوصل الناس إلى هذه الدرجة أليس هناك تطبيقا لأحكام الشريعة أو عقابا وحدودا تؤدبهم , تنهدت بضيق لأسير في إحدى تلك الشوارع العريضة،الأنوار تتلألأ ،روائح الشاورما تنبعث على مفارق الشارع البعض يمشي بخطوات وئيدة والآخر يسرع الخطى , وقفت إحدى السيارات بجانب محل لبيع الأشرطة كان ينبعث منها صخب الموسيقى الغربية ترجّل عن عربته شاب في مقتبل العمر يرتدي بنطالا ضيقا ورداءً أحمر اللون يلتصق بجسده وكأنه فتاة مشى خطوات وهو يعدل من نظارته الشمسية ويتدلل بشعره الطويل المنسدل على كتفيه , أسرعت الخطى لأقترب منه فلم أعد أتمالك نفسي ألقيت عليه التحية ثم وجهت له النصيحة قائلا: ياأخي ماهذه الملابس والتعاليق حول عنقك أأنت تمثل أحد فتيان الإسلام؟!
نظر إلي ساخرا ثم قال بعد برهة من الزمن: ألا تدري أيها المعقد أننا في عصر الموضة!!
فرددت عليه باقتضاب:عصر الموضة .. بل فوضى والله !
لم يأبه بي ودخل المحل أما أنا فتوجهت لحال سبيلي سارحا في ملكوت الله ولم أتنبه لنفسي إلا عندما تعديت المدينة بعدة كيلو مترات وولجت المدينة التي بجوارها ذهب عقلي وطار تفكيري عندما استقبلتني تلك المدينة بوابل من الرصاص وأصوات المدافع والدبابات هناك أشلاء،حيارى،فتارة أرى طفلا عيناه مخضلتان بالدموع وأخرى ثكلى تنعى وليدها بعدما دهسه الكفار بأقدامهم حتى قطرات المطر تشاركها في الرثاء عند جدار بيتها المتهدم فبقيت بلا مأوى , وفتاة ينتهك عرضها لتبقى مكسورة الخاطر قد فقدت عذريتها وعفافها .. تتردد أصوات البكاء بين الفينة والأخرى وتنتشر بقع الدم كبحيرات ويدفن رجالا في قبر واسع قد تناثرت أعضاءهم وقطعت رؤوسهم ، إزهاقٌ للأرواح وأعين بيضاء يتوجه نظرها للسماء .
حالتان متناقضتان هناك في رغد وترف وهنا لايأبهون بغيرهم فوضى يباع فيها الحر للعبد وتسلم الحصون للخونة لتتهاوى بيارق الإسلام دون ضجيج , أخذت أركض وأنا أتحاشى طلقات النيران كي لاتلامس جسدي أي معاناة هذه؟
أخيرا استطعت الخروج من تلك المدينة المرثي حالها , ومازلتُ أسير إلى أن أضعت الطريق أردت العودة للكهف لأجد المخرج ومازلت أتخبط في هذه الأرض الواسعة حتى بدت لي معالم مدينة أخرى، زقزقة العصافير وخرير الماء يبعث في نفسك الراحة حقا إنها مدينة هادئة تبدو كالقرية في وداعتها ترى الأطفال يركضون هنا وهناك في براءة متناهية ممايضفي على القرية جوا من الأمان , تمشي من بين شوارعها فترى المسجد ممتلأ بفتيان كطيور تحوم وتحلق حول شيخهم الكبير يتلقون منه آداب الإسلام وأحكام القرآن , مررت بإحدى أماكنها فإذ ببصري يقع على أناسٍ عجيبين غريبين في طريقة لباسهم وكأنهم تماثيل خرجت للتو من أحد متاحف التاريخ ,أحدهم يوجد حول معصميه سوارين جلديتين أما قائدهم فيرتدي خوذة معدنية على رأسه ودرعا على صدره يتدلى سيفه بقربه , فلا تسمع سوى صوت صهيل الحصان يخترق تكبيراتهم العالية الله أكبر، الله أكبر , فقلت في نفسي نعم الله أكبر إما النصر وإما الشهادة في سبيل الله , أولئك هم الرجال حقا
" أولئك أتباع النبي وحزبــــــــــه *** فلولاهم ماكان في الأرض مسلم
ولولاهم كانت ظلاما بأصلهــــا *** ولكن هم فيها بدور وأنجــــــــم
فيا لائمي في حبهم وولائــــهم *** تأمل هداك الله من هو ألـــــــوم
بأي كتاب أم بأي حجـــــــــــة *** ترى حبهم عار علي وتنقــــــــم
وماالعار إلا بغضهم واجتنابهم *** وحب عداهم ذاك عار ومأثــــم "
خرجت من هذه المدينة وأنا أشعر بحرقة على ماض ضيعناه، يالي من أحمق انشغلت بتلك الأمور ونسيت أمر عودتي للكهف ،أين هو؟! أنهكني التعب وحل الظلام بجلبابه الأسود يا الله أعنِّي !
تحركت عقارب الساعة دقائق فقط فإذا بالبهجة تنضحُ من وجهي ركضت بكل طاقة تبقت لدي وكأن الأرض تطوى من شدة سرعتي أخيرا هاهي بوابة أخرى للكهف , جلست لتهدأ دقات قلبي رأيت جرة بها القليل من الماء فشربت ماتبقى منه،بعدما استعدت نشاطي نهضت لكي أخرج من ذلك الكهف وأنتظر الطائر الذي ألقاني هنا عله يجدني فيشفق علي لأعود لمنزلي لكن صخرة عظيمة تدحرجت فسدت فوهة الكهف يالها من ورطة مكثت في زاويتي دون حراك لأفكر في حيلة ما أنجو بها وبينا أنا كذلك إذ رأيت ظل رجل ضخم وعملاق أشبه بالصخرة في هيبته وجموده أمسكني بقوة وهزني وهزا كدت أن أموت ،تمنيت أن الأرض تنشق وتبتلعني ،الدموع تنحدر والجسد يرتعد وينتفض خوفا أحسست بقشعريرة تسري في أوصالي لاأدري ماذا أصنع؟!
( سعد , سعد , سعد , قم لصلاة الفجر هداك الله )
استيقظتُ على صوت أمي وهي تنادي بي لأستعد للذهاب للمسجد , حمدت الله على أنه حلم وبقيت أردد :
قد حان الموعد أمتي للجهاد , قدحان الموعد لرفع مجد اسلافنا
قد حان الموعد .. قد حان
بقلم / براءة الجودي