مكر الذئاب في تغيير معنى الحجاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الذي يفتتح بحمده كل رسالة ومقالة، والصلاة على محمد المصطفى، صاحب النبوة والرسالة، وعلى آله وأصحابه الهادين من الضلالة.
أما بعد:
فقد ثبت في الأحاديث أنه يأتي قوم يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها، وصدق صلى الله عليه وسلم فإنه قد أتى طوائف من الفسقة يشربون الخمر ويسمونها مشروبات روحية ، تقليدا لإبليس لعنه الله فهو أول من سمى ما فيه غضب الله وعصيانه بالأسماء المحبوبة عند السامعين ، فإنه قال لأبي البشر { يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى } فسمى الشجرة التي نهى الله آدم عن قربانها شجرة الخلد، جذبا لطبعه إليها وهزا لنشاطه لقربانها وتدليسا عليه بالاسم الذي اخترعه.
وهذه البدعة الشيطانية في ترويج الباطل بتغيير الأسماء والإصطلاحات راقت لأصحاب الباطل وإخوان الشياطين فغيروا كثيرا من الأسماء فسموا الحشيشة بلقمة الراحة، وسمى الظلمة ما يقبضونه من أموال عباد الله ظلما وعدوانا ومكوسا سموها مسقفات أو خدماتية أو ضرائب، وكذلك تسمية القبر مشهدا ومزارات الأولياء والأنبياء .
فتغيير الاسم لا يغير حقيقة المسمى ولا يزيل حكمه,
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إِيَّاهُ
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ
واقرأ قول المصطفى فيما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث هشام بن عمار عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن المصطفى قال: ((ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحِرَّ والحرير والخمر والمعازف يسمونها بغير اسمها.. وليَنزلن أقوام إلى جنب علم فيروح عليهم سارحتهم فيأتيهم لحاجة فيقول ارجع إلينا غدًا فيبهتهم الله ويضع العلم ـ أي ويضع الجبل ـ ويمسخ الآخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.
وفي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ يَرْفَعُهُ { لَا تَذْهَبُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ حَتَّى تَشْرَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا }
وَقَدْ جَاءَ حَدِيثٌ آخَرُ يُوَافِقُ هَذَا مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ : يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِاسْمٍ يُسَمُّونَهَا إيَّاهُ ، وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ ، وَالْقَتْلَ بِالرَّهْبَةِ ، وَالزِّنَا بِالنِّكَاحِ ، وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ } وَهَذَا حَقٌّ ؛ فَإِنَّ اسْتِحْلَالَ الرِّبَا بِاسْمِ الْبَيْعِ ظَاهِرٌ كَالْحِيَلِ الرِّبَوِيَّةِ الَّتِي صُورَتُهَا صُورَةُ الْبَيْعِ وَحَقِيقَتُهَا حَقِيقَةُ الرِّبَا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّبَا إنَّمَا حُرِّمَ لِحَقِيقَتِهِ وَمَفْسَدَتِهِ لَا لِصُورَتِهِ وَاسْمِهِ ، فَهَبْ أَنَّ الْمُرَابِيَ لَمْ يُسَمِّهِ رِبًا وَسَمَّاهُ بَيْعًا أو فائدة بنكية أو مرابحة فَذَلِكَ لَا يُخْرِجُ حَقِيقَتَهُ وَمَاهِيَّتَه عَنْ نَفْسِهَا ، وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَ أَهْلَ النِّفَاقِ تَسْمِيَةُ نِفَاقِهِمْ عَقْلًا مَعِيشِيًّا ومصلحة سياسية وَقَدْحِهِمْ فِي عَقْلِ مَنْ لَمْ يُنَافِقْ نِفَاقَهُمْ وَيُدَاهِنْ فِي دِينِ اللَّهِ ؟
وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَ المكسة تَسْمِيَةُ مَا يَأْخُذُونَهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا حُقُوقًا سُلْطَانِيَّةً وَتَسْمِيَةُ أَوْضَاعِهِمْ الْجَائِرَةِ الظَّالِمَةِ الْمُنَاقِضَةِ لِشَرْعِ اللَّهِ وَدِينِهِ شَرْعَ الدِّيوَانِ والقانون ؟
وَأَيُّ شَيْءٍ نَفَعَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ تَسْمِيَةُ شُبَهِهِمْ الدَّاحِضَةِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْإِيمَانِ عَقْلِيَّاتٍ وَبَرَاهِينَ.
ومن هنا أيضا انطلقت بدعة جديدة انطلت على كثير من الناس وللأسف على بعض العلماء والدعاة من تغيير اسم (الحجاب) .
فالغرب الكافر شن حملة مسعورة لمنع مظاهر الإسلام والحشمة في بلاده ، ولكنه بمساعدة منافقي هذه الأمة الذين لهم سهم في كل باطل قام بتغيير معنى الحجاب ، فإن الغرب عندما شن تلك الحملة إنما كان يقصد ( غطاء الرأس ) وهو ما يسمى عندنا (منديل ) أو ( شال ) أو ( طرحة) أو غيرها من الأسماء التي يستخدمها أهل العربية والعامية في بلاد العرب في هذه الأيام.
ولم يكن يقصد ( الحجاب ) بمدلوله الذي نزل الأمر به في القرآن والسنّة . فلا أدري كيف ساعدهم الشيطان أم هم استشاروه في ترجمة الكلمة الفرنسية والكلمة الإنجليزية بالحجاب في اللغة العربية .
وانظر بعد ذلك إلى الطامة التي عمّت وطمّت .
فأصبح كثير من الدعاة الغيورين الذين لم يلتفتوا ألى هذه الخديعة يصيحون صباح مساء بمهاجمة الغرب الذين منعوا (الحجاب)
فصارت الكلمة بين مد وجزر ؛ مد الغرب المحارب للحجاب وجزر الدعاة الذين يدافعون عن الحجاب حتى استقر في نفوس الكثير أن غطاء الرأس هو الحجاب.
وبدأنا نلمس ذلك في بعض الحوادث هنا وهناك ، فأنا شخصيا عانيت الكثير في محاولة إقناع بعض الفتيات اللواتي لهن علي حق النصح أنهن غير محجبات وهن في أشد الإصرار على أن غطاء الرأس هو الحجاب الذي أُمرن به . ويبدأ الإستدلال منهن بكلام المشايخ الذين كانوا ينادون بمحاسبة الغرب على منع الحجاب في المدارس الغربية .
فلا حول ولا قوة إلا بالله
ومن هنا فانا أنصح كل داعية غيور للعودة إلى هذا المضمار مرة أخرى للدعوة إلى بيان معنى الحجاب الحقيقي الشرعي ، وإلى عدم الإنجرار خلف مخططات الغرب الكافر الذي يدس للدين الدسائس على أيدي المنافقين والمحاربين من أبناء جلدتنا .
وأختم هنا ببيان معنى الحجاب اللغوي ومعنى الخمار ومعنى النقاب ومعنى اللثام ،حتى نترك للمترجمين للغرب الباب الواسع في اختيار الكلمة المناسبة عندما يحتاجون إليها ولا يدلسوا على الأمة بتغيير المصطلحات جهلا فيقعوا فيما وقع فيه الشيطان عمدا وقصدا.
وأنبه قبل ذلك أن اللغة العربية هي أوسع لغة في المترادفات والمتجانسات والمتشابهات لو كانوا يريدون الترجمة الصادقة .
الحجاب : الساتر للمرئيّ من حائط أو ثوب وهو من الفعل ( حجب ) والحِجابُ السِّتْرُ حَجَبَ الشيءَ يَحْجُبُه حَجْباً وحِجاباً وحَجَّبَه سَترَه وقد احْتَجَبَ وتحَجَّبَ إِذا اكْتنَّ من وراءِ حِجابٍ وامرأَة مَحْجُوبةٌ قد سُتِرَتْ بِسِترٍ والحاجِبُ البَوَّابُ وجمعه حَجَبةٌ وحُجَّابٌ وحَجَبَه أَي مَنَعَه عن الدخول وفي الحديث قالت بنُو قُصَيٍّ فينا الحِجابةُ يعنون حِجابةَ الكَعْبةِ وهي سِدانَتُها وتَولِّي حِفْظِها وهم الذين بأَيديهم مَفاتِيحُها والحَجابُ اسمُ ما احْتُجِبَ به وكلُّ ما حالَ بين شيئين حِجابٌ والجمع حُجُبٌ لا غير وقوله تعالى (ومِن بَيْننا وبَيْنِك حِجابٌ )معناه ومن بينِنا وبينِك حاجِزٌ في النِّحْلَةِ واحْتَجَبَ المَلِكُ عن الناس ومَلِكٌ مُحَجَّبٌ وكُلُّ شيءٍ مَنَع شيئاً فقد حَجَبَه كما تحْجُبُ الإِخْوةُ الأُمَّ عن فَريضَتِها فإِن الإِخْوة يحْجُبونَ الأُمَّ عن الثُّلُثِ إِلى السُّدُسِ والحاجِبانِ العَظْمانِ اللَّذانِ فوقَ العَيْنَينِ بِلَحْمِهما وشَعَرهِما والجمع حَواجِبُ يَحْجُب عن العين شُعاع الشمس وحاجِبُ الأَمِير معروف وجمعه حُجَّابٌ الحاجِبِ واسْتَحجَبَه
والمَحْجُوبُ الضَّرِيرُ
وقولُه في حديثِ الصلاةِ حِين توارَتْ بالحِجابِ الحِجابُ ههنا الأُفُقُ يريد حين غابَتِ الشمسُ في الأُفُق واسْتَتَرَتْ به ومنه قوله تعالى حتى توَارَتْ بالحِجابِ وامرأَةٌ محْجُوبَةٌ ومُحَجَّبةٌ للمُبالَغَةِ قَدْ سُتِرتْ
.حجب: الحجب: كل شئ منع شيئا من شئ فقد حجبه حجبا.
ومن تلك المعاني نرى أن الحجاب هو ما منع بين شيئين أو أكثر وحال بينهم فلا يرى بعضهم بعضا أو لا يرى أحدهم الآخر
. والحجاب الشرعي الذي يجب على المرأة إذا خرجت من دارها أن تلبسه هو ما يستر جميع بدنها بأي نوع أو زي، ما اجتمعت فيه الشروط الآتية:
أن يستوعب جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان على الراجح من أقوال العلماء، وأن لا يكون زينة في نفسه، وأن يكون صفيقاً لا يشف، وفضفاضاً لا يصف، وأن لا يكون مبخراً أو معطراً، وأن لا يشبه لباس
الرجل، ولا لباس الكافرات أو الفاسقات، وأن لا يكون لباس شهرة. والشروط الأخيرة يستوي فيها الملبوس داخل البيت والملبوس خارجه.
الخِمَار: هو النَّصيفُ، وجمعه: أخمرة، وخُمْرٌ، وخُمُرٌ. وخَّمرتْ به رأسها: غَطَّتْه.والْخِمَارُ ثَوْبٌ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَالْجَمْعُ خُمُرٌ مِثْلُ كِتَابٍ وَكُتُبٍ وَاخْتَمَرَتْ الْمَرْأَةُ وَتَخَمَّرَتْ لَبِسَتْ الْخِمَارَ
وكل مُغطّىً: مُخمَّر وَمِنْهُ الْخِمَارُ وَهُوَ مَا تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَقَدْ اخْتَمَرَتْ وَتَخَمَّرَتْ إذَا لَبِسَتْ الْخِمَارَ وَالتَّخْمِيرُ التَّغْطِيَةُ ( وَمِنْهُ الْحَدِيثُ ) { وَلَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ }.
اللثام:
( ل ث م ) : ( التَّلَثُّمُ ) شَدُّ اللِّثَامِ وَهُوَ مَا عَلَى الْفَمِ مِنْ النِّقَابِ .
النقاب:
النقبة: ما أحاط بالوجه من دوائره. والنقاب: القناع على مارن الأنف.
هذا والله أعلم
كتبه ابو الطيب الطبري