.. كن مئات من النسوة يقفن في صف طويل ممتد كخيط من الحرير تنتظم فيه حلقات من الاصداف بالوان مختلفة ..واقفات بهدوء و سكينة وانظارهن مشرئبة نحو باب حديدي يحرسه جنديان مدججان بسلاح الي ..يرقبن السماح لهن بدخول قاعة الاستفتاء ..لم يكن ثمة ما يعكر صفو المشهد الا من تمتمة هنا وحديث جانبي هناك فالكل بانتظار دوره بصبر و روية..
..فجأة توقفت سيارة سوداء فارهة و ترجل منها شابان تبدوا عليهما ملامح الفتوة ..جالا ببصرهما من خلف نظارات سوداء في المكان ...ثم نزل رجلان اخران أحدهما طاعن في السن يبدوا أنه مستشار والاخر تعلوه هيبة ووقار تدل على انه كبير القوم....ساد صمت أجواء المشهد فقد عرف الجميع ان كبير القوم جاء يتفقد المكان فهم بانتظار ما سيقوله لهم ..تقدم الكبير خطوتين الى الأمام بتؤدة ووقار..فتحرك خيط الحرير الذي انتظمت فيه النسوة واضطربت أصدافه يمنة و يسرة ....صمت مطبق ساد المشهد ..حتى قطع الصمت هتاف الكبير : ايتها النسوة ..لقد كثرت شكاوى الرجال عليكن ..فما خطبكن اذ تركتن ازواجكن و بيوتكن بلا غداء ..؟؟حتى تشاركن في الاستفتاء ؟؟
..تقدمت امرأة في العقد الرابع من عمرها وبكفها يد طفلة في السابعة وباليد الاخرى للطفلة علم تلوح به ..قالت المرأة :ايها الكبير لسنا كلنا كذلك ..فقد تركت طبخة المحاشي على نار هادئة ريثما أدلي بصوتي ثم أرجع...ثارت همسات وهمهمات ..ثم أفلتت الطفلة يدها من كف أمها لتتقدم الصفوف وتواجه الكبير بهتاف : أليست المرأة شريكة الرجل في صناعة المستقبل ..وكيف تحدثوننا عن المساواة ثم تلوموننا على طعام تأخرنا في صنعه ؟؟اين هي الديمقراطية التي تنادون بها ليل نهار ..؟هنا ساد الوجوم المشهد وخشيت النسوة من غضب الكبير..وسكن خيط الحرير عن أي حركة ..فلا تسمع الا همسا ..خشيت الأم على ابنتها ولكنها سلمت امرها لله ..نظر الكبير الى مستشاره الطاعن في السن ثم هتف : مروا أصحاب المطاعم و المخابز أن يصنعوا اليوم طعاما لكل بيت وأن يوصلوه بالمجان للجميع ..ابتسم في وجه الطفلة ..ثم استقل السيارة الفارهة و مضى هو ومن معه..سادت فرحة عارمة المشهد واضطرب خيط الحرير وتحلقت أصدافه الملونة حول الطفلة وسط هتاف من البهجة و السرور..بينما لم تتوقف الطفلة عن التلويح بالعلم.