جالسٌ في غرفتهِ الكئيبةِ قبالةَ الشبّاك ينفثُ بقايا دخانٍ
وشيئاً من تأمّلاتِ الدجى تعتريه كلما لاحَ وميضٌ يضيء
من الشواردِ ما تولى ! وقد تراخت إحدى النوافذ خاليةً من
الزجاج ! منها يسمع ما كان يتواردُ إلى الآفاقِ من أزيزٍ
تقشعرّ منه قلوبُ الواجمين ، أو رشقاتُ رصاصٍ من هنا
وهناك ، أو صوتُ منادٍ وهو يقرأُ قصاصةً جاءته ينعى بها
أحّد الذين سقطوا من رفقائه أو أقربائه أو جيرانه .
هنا دلفت إليه أمّهُ تومــأُ بيدها لا تريد إيقاظ الصغار النائمين ،
هرع مسرعاً وهو لا يلوي على شيءٍ سوى حبّه الجارف لها
عساه يكون من البارّين ، إذا بها تشكو من ألمٍ في الفؤاد أوحاه
داءُ " ضغط الدم " الذي قد لا يمهل صاحبه .
خرج – والظلام الدامس يزيد الداءَ داءً – لعله يعثر على مَن يسعف
أمّه ، وأنّى له ذلك وحظر التجول يحرق ما تبقّى من
آمال الوقت الثمين ! ، لكنّه خاطر بروحه كي يصل إلى أقرب
نقطة تفتيش ، وقبيل اقترابه بخطوات عاجلته رصاصة مرّت
من فوقه تنبيهاً !، توقف وأخذ يلوّح بخرقةٍ بيضاء بيده الوحيدة !
حتى إذا وصل وهو يُتمتمُ بالكلام مع أحّد المترجمين ! قالوا له
إذهبْ وسوف نبعث بالإسعاف !.
رجع وجلس مع أمّه ، مرّةً يصبّرها ببعض خلجاتٍ ،
أو يحكي عن الخاليات ، أو ، أو ...
وهي ترنو إلى وحيدها والدمع يكادُ يفرّ من أحداقها ! .
ساعةٌ ، وساعتان ، وثلاث ، ولا من مسعفٍ ، حتى إذا
بزغ الفجرُ وانقضى حظر التجوال أسرعوا بها إلى المشفى
وقد أمسكتْ هذه المرة عن الكلام ! ، قال الطبيبُ : لقد تأخّرتم
كثيراً ..... !!!! ، وما هو إلا زمنٌ حتى فارقتْ الروحُ السعيدة
الجسدَ المتعب راحلة إلى بارئها تخبره – وهو أعلم – بما فعل
المجرمون بفلّوجة المؤمنين وأهلها الصابرين .....
آبَ إلى غرفته ونافذته الحزينة ولكن ليسمع هذه المرّة نعيَ أمّه ..............
************************************************** ****************