.. لا تزال الحدائة وما بعدها بكآبتها وتمردها تسبح ضد تيار عظيم من تراثنا ، وتسير على سنن من أُمِرنا بالتولي عنهم ..
ففي الوقت الذي يزدري فيه الغربيون تراثنا الأمجد ، نرى قوافل المنسلخين من عروبيتهم يحاذونهم شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ،
يركبون زورق الحداثة المثقوب لميخروا به عباب بحر خضم وقف الأغمار منه على شاطيء الترقب ، يمجدون هذا العبور المنتكس ، ويرون الإيغال في عباب البحر بهذا القارب المستعار مجدا وجرأة ، وهو - لعمر الله - خسف وضيم مؤذن بهلاك ..
أليس من العجب أن يظل متسنمو المشهد الأدبي من المنفلتين مستمسكين بكتاب ( سوسيور )، ويرفعون عن ألفاظنا دلالاتها ويفرغونها من محتواها في بطر ورئاء ، يتذرعون بـ( سيمولوجيا) فارغة المحتوى العقلي ، وإن ملأت قلوب التائهين الفارغين تيها وظلاما وسرابا ..؟!
لو تدبرنا سِير هؤلاء ( المجددين) ؛ لوجدنا أن خلفيتهم النفسية الفاسدة هي الرابط الأوحد في نتاجهم الفكري التالف ، ولو دققنا أكثر لوجدنا أن أكثرهم قد علق - في جزء ما من فكره - أيقونة توراتية مصحوبة بغضب الرب ..
لقد بدأ هؤلاء بالكلمة ، والتفوا حولها في نسيج مريب ، ثم صدروا - بعد ضوضاء وشغب - إلى سراديب التيه نحو (أدلجة ) المنهج بصياغات تجابه - في كل وجه منها - فطرة الله التي فطر الناس عليها ....
وقد ساروا زرافات ووحدانا نحو هدف مقيت ، يتواصون فيه بالجلد والعمل الدؤوب .. خلخلوا الأركان ، وصدعوا البنيان وأتوا على القواعد ، حتى كاد أن يخر سقف الأصالة والعرف فوق رؤسنا ..
استحضر الآن - على غير رغبة مني - ذلك الروائي المصري ( النوبلي ) الذي تتواضع كثيرا جماليات استعمالاته اللغوية في فنه القصصي ، غير أنه كان يتقن السير في دربهم بدرجة تقترب كثيرا مما أرادوه ، فكان (مفكرا) في زي روائي ، يدرج بحبكة واقتدار سمه الخبيث و فكره الإلحادي في رواياته التي تشبهه غلوا وانحرافا ..
الكلام كثير والقوائم تستعصي على الحصر ..
غير أن الظلام الكثيف لن يغير الحقائق وإن نجح في حجبها عن الأنظار
الأمل قائم ..و من رحم الليل ينبثق النور
ثم تأتي الشمس لتنسخ بوهحها وضوءها ظلام ليلهم البارد مهما بدا للرائي طويلا سرمديا