لا أتمنَّى أن يسامحَني أحدٌ على فعلتِي هذة !! ولا أريدُ أن يعذرَني أحد .بل أتمنَّى مِن كلِّ مَن يقرأ قصَّتي هذة أو يسمعَها أن يعزِّرَني ,,يوبِّخَني,,أو يقتلَني!! .
أعترف ,,أنَّ النِّساءَ ناقصاتُ عقلٍ ودين .
من أجلِ حفنةٍ من المجوهرات المزيَّفة ,التي أعلمُ أنَّني سأرميها يوماً بالزبالة بلا أدنى أسف ,كدْتُ أفقدُ جوهرتي الحقيقيَّة ,,,
جوهرتي,,, التي لا تعادلها كلُّ مجوهرات العالم ,ولو رُصَّت بقدورٍ ذهبيَّة, وجاءتني محمولةً على الرؤوس . جوهرتي,,, التي تساوي عندي كلَّ نجومِ السَّماء الوهاجة ,ولو قُطِفَتْ ,,وجيء بها إليَّ مُحمَّلةً على مخدَّاتِ الغيوم ,والتي يَفوقُ خوفي عليها, خوفي من ارتطامِ الأرضِ بالمرِّيخ ,أو انفجارِ بركانٍ سيقضي رمادُه على كلِّ معالمِ الحياة في الأرض .
ولماذا أتمنَّى أن لا يصيبَ هذة الدُّنيا أيُّ مكروه ؟؟وأتمنَّى أن يظلَّ هذا العالمُ بخير؟؟ إلا من أجلها!!.
كانَ صيف ,,وكانَ (كرنفال),,والكرنفال مساحةٌ في قلبِ المدينة, عليها أن تستوعبَ الآلافَ من المحتفلين ,منهُم سكان المدينةِ نفسها من كبارٍ وصغارٍ وشباب ,ومنهُم سكان المناطقِ المُجاورة .فهي مناسبةٌ سنويَّة قلّما تفوتُ أحداً ,هناك مدينةُ ملاهي تُنصبُ للأولاد ,ضجيجٌ ,,موسيقى صاخبة جداً ,سوقٌ مفتوحٌ تجدُ فيه الكثير جداً من السِّلع المعروضةِ للبيع ,والتي لا تجدُها أحياناً في السوق اليوميِّ العادي,هذا عدا المأكولات والمشروبات والحلويَّات والذرة المشويَّة وغيرها الكثير, ولمدِّة ثلاثةِ أيامٍ متتالية .
أحبُّ زيارةَ هذا (الكرنفال) كلّ سنة, ولو لمرَّةٍ واحدة.
هناك,, يتسنَّى لي اللقاءَ بالكثير من معارفي وأصدقائي الذين لم أرَهم منذ زمن ,أسلِّمُ عليهم ,وأسألُ عن آخرِ أخبارهم .
على مدى ساعةٍ بأكملها ,, جهّزت صغيرتي التي لم تبلغ العامين بعد .
اليوم,,,ستكون هذة الصغيرة عروسةَ الحفل , إذ سَيراها الكثيرُ من معارفي ,,,,ويجب أن تكونَ بأبهى صورة .
وضعتُها بعربتها الجميلة ,وجهها يقابلُ وجهي ,ومشيتُ قاصدةً مكانَ (الكرنفال) ,هو ليس بعيداً,, وها أنا أسمعُ الضَّجيجَ الصَّاخب المنبعثُ من هناك .
ما أجملَ صغيرتي !!!لا تكاد عيني تغيبُ لحظةً عن شعرها الذي تنتهي كلُّ خصلةٍ منه بحفنةٍ من الخواتم الذهبيَّة البرَّاقة ,طفلتي الجميلة قمريَّةُ الوجهِ ,كرزيَّة الثَّغرِ ,ورديَّة الخدَّين , لفتاتها العسليَّة مليئةٌ بالدَّهشة وتختبىء دائما تحت أهدابها الطويلة . مثلَ فراشةٍ بيضاء تبدو بفستانِها الأبيض الجديد .
كانت تلوكُ الكلامَ كلَّ الوقت وتحدثني بكلِّ شيء ,كم هي ثرثارة ,!! وكم تودُّ أن لا تكونَ سجينةَ العربة ,طولَ الطريق تحاولُ الهبوطَ منها والمشي على قدميها ~هي أصلاً لا تجيد المشي ,دائماً تركضُ ركضاً ~كنتُ أجاريها في عدةِ مرَّات, ثم أعودُ لألتقطها وقتَ اللزوم .
والتقيتُ بالعديد من أصدقائي ومعارفي, الذين فصلتهُم عنِّي بُعدُ المسافات ,والحياة الضَّاغطة .كنتُ جدّاً سعيدة وأنا أراهم بعد زمنٍ غيرِ قصير ,وأسألُ عن أخبارهم وعن جديدهم, وماذا يحصل معهم.
كم ضحكنا معاً ذاك المساء, ضحكنا على أنفسِنا ,ضحكنا على بعضِنا ,وعلى بعض غيرنا, وكم قلنا (ألله يعطينا خير هذا الضحك)خوفاً .كنَّا نتسابق لتفريغِ شحناتٍ من كلامٍ كثير, تجمَّع في صدورنا يوماً بعد يوم,, يظهرُ أنَّنا جميعاً نعاني من طولِ الصمت .
مع السويديين ,,لا نستطيع الإندماج والتماهي, كم طلبوا منَّا ذلك في المدارس,, وكم حاولت, ولكنَّني لم أرَ نفسي سوى محققٍ في محكمة ,كلَّما حاولتُ ذلك ,,((س)) سؤال ((ج)) جواب, ولا شيء آخر.
مشيتُ مع ثلةٍ من صديقاتي بالسوق المفتوح, دافعةً عربةَ ابنتي أمامي, وعيني لا تغيبُ عنها لحظةً واحدة .
فجأةً لفتَت نظري طاولةً كبيرة مليئةً بأشياءٍ برَّاقة تتلألأُ تحت الأضواء , خطفت بصري!! فأنا أحبُّ البريق حباً جنونياً غامضاً لا أعلمُ مصدره.
أعلمتُ رفيقاتي بأني ذاهبةً هناك.
اخترقتُ الصفوفَ مع عربتي ووصلتُ للطاولةِ بلمحِ البصر مدفوعةً بغريزةٍ مبهمة,, شوقي الكبيرُ لرؤيةِ هذا البريق ولمسهِ كان لا يقاوم . انهمكتُ ذاهلةً أمامَ ما رأيت, حُلاً بتصاميمٍ جديدةٍ, مرصَّعةٍ بأحجارٍ مبهرة .نسيت أمامها كلَّ شيءٍ .
بدأت صغيرتي تزعجُني, فقد أدركَتْ أنَّ شيئاً ما قد أخذني منها .تناولتُها من العربة, وحملتُها على ذراعي الأيمن, مكبِّلةً يديها بقوةٍ كي لا تعبث بالأشياء ,فبدأت تمدُّ رجلَها وتحرِّك المعروضات يمنةً ويسرى .أنزلتُها على الأرض, وأمسكتُ يدَها بشدَّة وهي تتململُ وتحتجُّ وتحاول الإفلات.
اخترتُ مجموعةً جميلةً متناسقة, ودفعتُ ثمنَها ثم اعدتُ المحفظةَ لحقيبةِ يدي ,وبينما كان البائعُ يضعُ الحليَّ في العُلب الصغيرة ,ثم بالكيس الصغير, مددتُ يدِي بحركةٍ آليَّة أبحثُ عن يد ابنتي,لم يكن هناك يدً,! ولم أسمعْ صوتَهاَ تحتجُّ وتتدلَّل, ادرتُ رأسي اليها فلم أرَها., أحسسْتُ أنَّ شعرَ رأسي قد انتفض كلّه للأعلى, وأنَّ عينيَّ قد انخلعتا من محاجرهما, وإنَّني بكلِّيتي أصبحتُ كالحجر الأصم.,لم تعدْ رجلاي قادرتان على حملِ جسمي, وهبطتُ أرضاً لا أرى سوى احذيةِ المارَّة الكثيرة, حتى لساني أصبح حجراً لا يستطيع النطق,, فقط,, كنت أُردِّد اسم ابنتي بصوتٍ ضعيف متقطِّع .
صورٌ مرعبةٌ تعاقبت في خيالي,, كأنَّه فلم رعبٍ فظيع .
رأيتُها مرَّة مرميَّةً تحتَ عجلاتِ سيارة مثل قطَّةٍ تائهةٍ , نازفةً غارقةً بدمها. فاقتلعتُ ما تيسَّر من شعري وألقيتُه على أرْجُلِ المارَّة .
و مرَّة رأيتُها مرميَّةً تحت أحذيةِ المحتفلين, مخنوقةً زرقاء, بعينينِ جاحظتين, ونفَسٍ مقطوع, لا يشعرُ بها أحد. فلطمتُ وجهي بعنفٍ مجنون, مطلقةً أنيناً لا أدري كم كان مداه.
ُثمَّ رأيتُها عاريةً مخدَّرةً ممدَّدةً على طاولة, وحولها مجموعةُ اطِّباءٍ بقرونٍ حمراء وكمّامات, حاملين أمواساً وسكاكين يشحذونها لتقطيع ابنتي وسرقةِ أعضائها .فصرخت صرخةً مبحوحةً مخنوقة كأن الأمواس قد غُرست في قلب قلبي.
ورأيتها بين يدي أحد الشَّواذ وهو يغرس أنياباً تقطر دما في لحمها الغض,, فاقتلعت بقية شعري ونثرته حولي , وغُصْتُ في بئرٍ مظلمة, فلم أعدْ أرى شيئاً ولا أسمع,, ولا أحس .
لا أدري كم استمر هذا.
استيقظت على أيدٍ كثيرةٍ تهُزُّني, و علىماءٍ بارد يُدلق على وجهي ورأسي, ولغَطٍ كثير لا أفهم منه حرفاً واحداً,, نظرتُ للأعلى, فرأيت حلقةً من الرؤوس تصطفُّ فوقي في دائرةٍ شبه متكاملة ,,وعيوناً كثيرةً تحدِّق بي .
استشعرتُ أنَّ ابنتي تتموَّج في أحضاني, وهديلَها يتناهى لمسامعي , تحسّستها فاذا هي حقيقة, مع أنَّ كلّ شيءٍ كان كابوساً مرعباً,وكنت قد ظننت أن ذلك بداية جنون مؤكد , ضممتها بشدَّة,, ووقفت بمساعدة أيد ٍ .كثيرة
لم أنطقْ بكلمة,,كنت أسمعُ أسئلةً كثيرة ,,كلاماً كثيراً, والبائع يحاول ايصال الكيس لي, وصديقاتي حولي يخبرنني كيف وجدنها. لكنني شبهُ مخدَّرة, لا أشعرُ ولا أحسُّ بأي شيء, ولا بأيِ أحد .
بسرعةٍ وعصبية ,,وضعت طفلتي في العربة, وشددتُ وثاقها, ودفعت العربةَ عائدةً لبيتي دون أن أعبأ بأي شيء ,ودون أن أنطق بأي حرف.
لم يطرقْ سمعي في تلك الأثناء سوى صوت أمي وهي تقول كلمةً كانت كثيراً ما تردِّدها (احذرْ كثيراً,, ولكن اعلمْ, أن الحذر لا يمنعُ القدر ) .
قالوا لي ,,أنني في طريق عودتي كنتُ مثل غولةٍ مجنونة, قد خرجت تواً من معركةٍ حامية.
قالوا لي,, أن إحدى صديقاتي قد وجدتها في يد امرأةٍ عجوز كانت تحومُ بين الناس باحثةً عن أهلها,ولم تكن بعيدة .
شكراً لله ,شكراً للقدر ,شكراً للمرأةِ العجوز, وشكراً لصديقتي ,وتباً لي أنا, تباً لي, تباً لي !
قالوا لي,, أنني كنت أقسم بأنّي لن أرتدي بعد اليوم حِليّا .
/
نعم,, لم أرتدِ بعد ذلك اليومِ حليةً, طبيعيّةً كانت أم صناعيّة ,كبيرة ولا صغيرة , /هكذا عاقبتُ نفسي وأظنُّ هذا لا يكفي!!!.
ماسة