فجأةً وبدونِ مقدماتٍ تَذَكَّرْتُنِي واهِنا بين الحلمِ واليقظةِ أُرَدِّدُ: لا بُدَّ أنْ تَظَلَّ كلُّ حواسَّي مُفَعَّلَةً ..لابدَّ أَلاَّ تَغْفُوَ إحداها...رَأَيْتُنِي في هُوّةٍ عميقةٍ مُمَدَّداً على خشبٍ في مربَّعٍ يَتَأَرْجَحُ بيْن الصعودِ والهبوطِ إلى دَرَكٍ سحيقٍ....
فتحتُ عيني فلاحظتُ دُروباً متشعِّبَةً وآفاقاً مفتوحةً وألوانَ قوسِ قُزَحٍ تتسارَعُ في أشكالٍ هندسيةٍ مختلفةٍ تلتقي تارةً وتتوازى أخرى ثم تفترقُ....
مَنْ يَرانِي يظنُّ أنَّ عيْنَيَّ تُحَدِّقانِ في فراغٍ ...بينما كنتُ أرَى إشاراتٍ وعوالمَ غريبةً تنفتِحُ بشكلٍ خاطفٍ وتنغلقُ على نفسِها.....
لم يشغلْنِي إدراكُ حقيقةِ هذا المَنامِ ولا مغْزاهُ. ومَا حاولتُ معرفةَ إنْ كان واقعياً أم مجردَ تَخْييلٍ...
نسيتُ تلكَ اللحظةَ ولمْ يؤرقْنِي شيءٌ بعدها إلى أنْ أُصيبَتْ أُذني ذاتَ صباحٍ صيفِيٍّ مِنْ كلِمةٍ طائشةٍ فوجدْتُ حواسِّيَ المُبَرْمَجَةَ على حذفِ كلِّ ما تَلْتَقِطُهُ تُعْلِنُ الثورةَ على هذه البرمجةِ وتَتَّصِلُ بِسلةِ المُهْملاتِ وتَفتَحُ الملفاتِ تِباعاً ...
أرقامٌ وحروفٌ ورموزٌ رياضيةٌ تتراقَصُ في كلِّ اتجاهٍ...
مادَتْ بِيَ الأرضُ وتذَكَّرْتُ غفْوَتِي وما عنَّ لي خلالها...
تَطَلَّعْتُ للعالَمِ من جديدٍ ونَزَعْتُ العَدَسَةَ الملوِّنةِ عن عيني وأمْعَنْتُ النظرَ في كلِّ ما يُحيطُنِي وكأنَّنِي أَراهُ لأولِ مرةٍ ....
ولكنَّ نهايةَ النهارِ لم تُمْهِلْنِي ...
لقد بَدَا العالَمُ بِلا وَجْهٍ ... فَرَكْتُ عَيْنِي وحَدَّقْتُ ثم حَدَّقْتُ ولكنْ لا صورَ تُسِرُّ ...وَفجأةً
تحَوَّلَ العالَمُ إلى مجرّدِ لوحةٍ سوداءَ حالكةٍ جدّاً....
تَعالَتِ الْقَهْقَهاتُ مِنَ الْمجْهولِ وسمعْتُ هاتِفاً يقولُ: لقَدْ فاتَ الأَوانُ ولَنْ ينْفعَكَ الندمُ يا ابْنَ آدَم.
و