التبرج في الصور التوضيحية في كتب اللغة العربية وجه العلمانية التربوية
(1)
تنحية الدين عن الحياة سمة العلمانية السلوكية التي نتجت من تنشئة الناس على عادات غير إسلامية، وهذه السمة تجدها ثابتة في كتب اللغة العربية في المرحلة الابتدائية والإعداية التي أتيح للكاتب الاطلاع عليها قبل كتابة هذا المقال.
كيف؟
يكون الموضوع التحريري عن امرأة تؤدي خدمات للمجتمع وتأتي الصورة التوضيحية لها متبرجة، ويكون الموضوع المكتوب متحدثا عن أخلاق طيبة وصفات طيبة لفتاة لكن الصورة تأتي لها وهي متبرجة، وتكون الصفحة فيها صورة متبرجة وفي نهايتها آية قرآنية أو حديث فلا أدري هل لمؤلفي الكتب حرية الموافقة على الصور التوضيحية المصاحبة أم لا.
وليس السابق هو الخطير فقط، بل اختيار المهام الحياتية يزيد الأمر خطورة.
كيف؟
تأتي أدوار النساء المتبرجات ليشمل الأم والمعلمة والطبيبة والتلميذة المجتهدة، ولا تكون واحدة منهن خاملة بل يكن كلهن مؤثرات.
كيف ذلك؟
هيا نبدأ؟
(2)
في الصف السادس الابتدائي تمثل الوحدة الأخيرة من وحدات الفصل الدراسي الأول في مقرر اللغة العربية أربعة دروس معنونة بـ"رغبة نبيلة، وزيارة ومفاجأة، وتخطيط رائع، ويوم لا ينسى"، وموضوعها مستشفى 57357 الخاصة بمرضى السرطان من الأطفال.
في هذا المناخ القيمي الإنساني نجد وصف الطفلة مريم وصفا فائقا ص 64-65 حيث يقول المؤلفان: "مريم تلميذة في الصف السادس الابتدائي مجتهدة نشيطة، وإلى جانب تفوقها في دراستها فهي تمارس أنشطة عديدة في المدرسة مثل الاشتراك في جماعة علماء على الطريق وجماعة أدباء صغار، كما أنها تحب زملاءها جميعا بلا تفرقة ولا تمييز وتفعل ما في وسعها لمعاونتهم حين يحتاجون إلى ذلك".
ثم تأتي صورتها متبرجة في الصفحتين اللتين تشهدان هذا الوصف المتميز الذي يمنع أي أحد من انتقاصها.
وإن قبلنا تبرجها لعمرها فكيف نقبل تبرج أمها التي تأتي صورتها التوضيحية في ص69 في درس "زيارة ومفاجأة" في صحبة مريم وأبيها؟ وكيف نقبل تبرج معلمتها في ص80-81 في درس "يوم لا ينسى"؟
إن تناقض الأخلاق الاجتماعية مع معصية الله سبحانه وتعالى يجعل الطفل ينحاز إلى الأخلاق الاجتماعية على الرغم من توقع سماعه لقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
فهل الفصل بين قيم الدين والقيم الاجتماعية قيمة تربوية مطلوبة؟
لا، لكن هذا هو واقع كتب اللغة العربية التي تجعل الطفل لا يتمثل بشاعة المعصية؛ لورودها في إطار إنساني كما اتضح سابقا.
وما يزيد الأمر بشاعة ورود آية أو حديث عقب كل درس؛ مما يوهم الطفل أن الأمر يخلو مما يغضب الله تعالى.
كيف؟
عقب درس "رغبة نبيلة" جاء قوله تعالى ص66: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20]، وعقب درس "زيارة ومفاجأة" جاء قوله تعالى ص70: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]، وعقب درس "تخطيط رائع" جاء قوله صلى الله عليه وسلم ص76 مخرجا من صحيح مسلم: « مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِى خُرْفَةِ الْجَنَّةِ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «جَنَاهَا».
وبعد درس "يوم لا ينسى" جاء قوله تعالى ص82: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
ويبرز السؤال صارخا: هل من يورد هذه الآيات وهذه الأحاديث يورد هذه الصور المتبرجة في كتب تعليمية تهدف إلى غرس القيم في نفوس النشء المسلم من دون حاجة إليها؟
(3)
هل يقتصر الأمر على الصف السادس؟
لا.
كيف؟
إنه يبدأ من الصفوف الأولى.
كيف؟
في الصف الثالث الابتدائي –وهو أول صف تحضرني كتبه في أثناء كتابة المقال- يبدأ أول درس بصورة متصدرة فيها الأم وبناتها متبرجات ص2 في درس "يوم النجاح"، وفي ص11 في درس "زيارة مريض". وتظهر المعلمة متبرجة في درس "أمين الفصل" ص 17، وتظهر الأم متبرجة من جديد ص34 في درس "الطعام المفيد".
ومن يتصفح الكتاب يجد الكثير!
وفي الصف الرابع تأتي صورة السائحة متبرجة شعرا وذراعين ص9 في درس "بساط الريح"، وفي الصف الخامس تأتي صورة المعلمة ص57 في درس "الرسم" وصورة الأم ص93 في درس "الطبيب الصغير"، و... ومن يتصفح يجد الكثير.
(4)
هل يقتصر الأمر على المرحلة الابتدائية؟
لا.
كيف؟
إن مؤلفي كتب المرحلة الإعدادية ينتهجون المنهج ذاته؛ مما يوحي أن تبرج النساء والفتيات مطلب من مطالب وزارة التربية والتعليم تلزم به مؤلفي الكتب التي تختارها، أو أن المؤلفين اجتمعوا واتفقوا على ذلك؛ مما يجعلنا نستحضر قوله تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 53].
في الصف الأول الإعدادي تكثر صور الفتيات المتبرجات كثرة لا تستدعي حصرا، وفي الصف الثاني الإعدادي تأتي صورة الأم ص3 في موضوع "حقوق الطفل"، وفي الصف الثالث الإعدادي تأتي صورة الدكتور سميرة وموسى وغيرها متبرجات.
(5)
وبعد هذه الجولة التي قصدت بها التمثيل لا الحصر يبرز سؤال: لماذا هذا الخلل؟ ولماذا نزين المتبرجة ولا نأتي بالملتزمات وما أكثرهن؟ أو لا نضع صورا توضيحية لاسيما وأنها ليست مطلبا موضوعيا ولا فنيا!
سؤال أضعه بين يدي المعلمين ليستثيروا همم طلابهم إلى العفة والقيم الإسلامية التي تشمل القيم الأخلاقية الاجتماعية ولا تعاندها!