أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 18

الموضوع: تماسك من أجل البقاء

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    المشاركات : 1,517
    المواضيع : 346
    الردود : 1517
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي تماسك من أجل البقاء

    تماسك من إجل البقاء
    كان فاهم أكبرهم سنا , وأكثرهم ذكاء وفطنة , و كان المرجع الذي يلوذ إليه كل من حامد ورؤوف , وكان حامد أكثرهم تدينا وتقوى وأما رؤوف فأطيبهم قلباً وأكثرهم بساطة وحسن نية , وكان كل من حامد ورؤوف يستشيرون فاهم في كل شؤنهما , فكأنه الأب الروحي والعقل المدبر الذي يضعون بين يديه أفراحهم وهمومهم!! فهو بالنسبة لهما البلسم الذي يشفي, والسراج الذي يضيء ؛ لأنه يعلم قدر الكلمة الحانية, ومدى تأثيرها على النفوس,!! لذلك كان يستمع باهتمام بالغ لأناتهم وأوجاعهم فيخفف برقة كلماته العذبة شيئا من معاناتهم , فيجدون ما يرسمه لهم من معالم النصح , ودلائل الرشد , حقيقة ماثلة أمام أعينهم. فيزداد أعجابهم به وحبهم له , فيبادلونه الوفاء بالوفاء إن لم يكونوا أشد.
    لقد أحبوه دون هوادة ورأوه مثلهم الأعلى.. لا يقطعون أمرا دونه ولا يخالفون له قولا وإن كانوا لا يشتهونه, ولو تبين لهم خطأ رأيه يخطؤون رأيهم ويصوُّبونه , هكذا استطاع فاهم بحنكته وحسن تعامله أن يكسب ودهم ويحظى بثقتهم.
    ترى هل كان السلوك منه سجية طبع عليها أم تكلفاً له مرامٍ ومقاصد لا أحد يعلم ؟!.
    فما أحلى الصداقة التي تبنى على أعمدة القيم و جسور الأخلاق , وليس على شفا جُرفٍ هارٍ من حطام الدنيا الزائل.. هكذا كان يظن من يرى استمرار صداقتهم , فما بني على أساس متين يستمر شموخه وسلطانه, وما بني على غير ذلك من شغاف المتاع وشبق المادة , فإنه سرعان ما يتهاوى بنيانه ويخر كيانه وتتهدم أركانه...
    كان جميع زملائهم يرون هذه الصداقة طريقاً معبدا للتآزر , وجسرا ممهدا للتناصر, تَعْبُرُ عليه قوافل المحبة ومواكب المودة, إلى مُحيطات السعادة... يرونهم سواعد تتعاضد في الرخاء والشدة , يُدخل أحدهم يده في جيب صديقه فيأخذُ ما شاء, وما أخذ أحبُّ إليهم مما لم يأخذ...لا عيب لهم إلا الطيبة الزائدة والثقة المفرطة.
    فكانوا يغبطونهم على هذه الصحبة الرخيمة والصداقة الحميمة , لدرجة أن صفوان وسمية ؛ إذا أراد أحدهم أن يعبر للآخر عن حبه يقول له: إني أحبك أكثر من نفسي بل أكثر من حب حامد لصاحبيه وحب صاحبيه له , فلقد كان توادهم قدوة ومضرب المثل لهذين المتحابين المعقود قرانهما مع وقف التنفيذ إلى حين اكتمال بناء منزلٍ صغيرٍ يضمهما.
    بالمقابل كان حال حسام وناهد عكس ذلك, فلم يكن ما يصدر منهما غبطة إنما كان حسداً , تشي به نفسيتهما الغير سوية , وتنبئ عنه نظراتهما المريبة , وتصدق ذلك ولا تكذبه , تصرفاتهما المعيبة , وكان الجميع لا يرتاحون لهما, ولولا قرابة مدير الشريكة لحسام , لثار الموظفون عليهما ,وهاجوا في وجهيهما...إنهم يتحملون سوء أفعالهما خشية على وظائفهم.
    في صبيحة أحد الأيام توجه صفوان إلى بوفية راشد قرب الشركة فوجد الأصدقاء الثلاثة "حامد ورؤوف وفاهم" قد سبقوه يتناولون إفطارهم, وكانت الضحكات تملأ المكان, الذي يضحك مرددا صدى ضحكاتهم .
    ألقى صفوان السلام وقد تهلل وجهه فرحا برؤيتهم.
    ردوا التحية وقد انبسطت أساريرهم لرؤيته ,
    رؤوف وهو يصب كأسا من الماء : أهلا بك صفوان , تعال شاركنا طعامنا فلك وحشة.. لم نرك منذ أيام اين اختفيت أيها المحامي البارع.
    صفوان وهو يتناول مقعدا بجوارهم وقد أشار لراشد بتقديم وجبته المعتادة , والبسمة تفتر من بين شفتيه كما يفتر الصباح عند انفلاقه... والبهجة تتمطى على محياه وتنعكس على أقرانه وأصدقائه بالملاطفة, ـ أشكرك يا صديقي كنتُ أتابع بعض القضايا ومنها السيارة المسروقة.
    أين وصلت معها ؟
    ـ قصتها تطول دعنا الآن منها... أخبرني أنىَّ لصَبٍ مثلي يترقب موعدا يَلقى فيه صبابته على ناصيته , أن يجد وقتا يلاطف فيه من يحب والشريكة الموقرة لا يقر لها قرار إلا أن ترهقني بأعمالها دون سويا , فلا هدء الشط ولا توقفت الأمواج فما. أصنع؟!!
    حامد : لابد دون الشهد من إبر النحل , السعادة تأتي بعد العناء والنصر صبر ساعة , فاصبر حتى تأخذ إجازتك المعتادة.
    صفوان دعني من هذا الآن فما أتيتني بحديد , واسمح لي أشارككم الحديث الذي أضحككم, وأنهل مما تنهلون منه , فمن يراكم وأنتم منهمكون في الحديث يظن بأن لقاءكم جاء بعد طول فراق وانقطاع.
    ـ حامد: كذلك, هو منذ مساء أمس لم نلتقِ يا عزيزي!!
    قهقه صفوان... وبلسان الساخر: يا له من زمن طويل يشتاق فيه الصديق لصديقة والخل لخليله...فتستحث الأحاسيس خطاه , وتلتهم اللهفة دقائقه والشوق سويعاته , فيحضر دون إبطاء , هنيئا لكم صداقتكم...لكني عليكم أخشى من الحاسدين , ونزغ الشياطين , فإنهما ما وجدا حبيبين إلا اجتهدا في التفريق بينهما.
    وكزهُ فاهم مداعبا وقال: لا ينطبق علينا ما تخوفنا به فنحن ثلاثة والثلاثة ركب, لا يقربهم الشياطين ولا ينالهم الحساد, ولسنا حبيبين كما تزعم إنما أحباء وأصدقاء , بل ينطبق عليك وسمية
    قاطع حامد فاهم قائلا :معذرة يا صديق أضف إلى ما ذكر أخي شيئا هاما , هو أننا نفتتح بوابة الصباح الجميل بمأثور الدعاء , ونغلقها في المساء به , فأنَّى لمن تحصَّنَ بأسوار الأذكار, وتعلق بحبال الرحمن , أن يصاب بلمةِ حاسد أو نزغة شيطان..
    رؤوف: مصفقا واحد صفر يا صفوان , عليك أن تغتسل بأنهار الصلوات وتتطيب بمسك النوافل , وتحتمي بقلعة المأثورات , وتتوضأ بحصن الأذكار, فهي العروة الوثقى لا انفصام لها لمن أراد النجاة.
    وتبعه حامد: لا تستاهل يا صفوان لو عوَّدتَ لسانك التفاؤل بالخير لما ألقمناكَ الحجة , ألم تسمع بأن البلاء مُوَكَّل بالمنطق , و النبي(صلى الله عليه وسلم) يوجهنا فيقول: عوِّدوا ألسنتكم الخير... وإذا خفت أمرا فقل أعوذ بالله مما أخاف وأحاذر, أو كما قال: عليه الصلاة والسلام.
    ـ أطرق صفوان برهة... وقد اختفت بسمته كأنما تطيَّر بما سمع لضعف تديُّنهِ وقلة عِلمه , ثم قال: المشكلة أنكم ثلاثة وأنا وحدي , لقد تكالبتم عليَّ كتكالبكم على ما اجتمعتم عليه , ودهمتموني كما تداهم أمواج الليل الكثيف خيط النهار الآزفة عند غروبه , لوكان الزميل سمير حاضرا لغلبتكم...ألا ترحمون نُحول مُضنىً برَّحَ به العشق, وأضرَّ به الهيام!! ألا ترفقون بكبوة لبيب إذا تعثر وما هي والله بكبوة لولا أنكم جعلتموها كذلك , لا أنازلكم بعد اليوم بمفردي ولا أدعكم بجمعي.
    كأن وساوس الخوف تناوشت صفوان على دوحة السعادة , وكأس الحب المترع الذي يرشف منه وحبيبته سمية , من أن يصاب بسهام حاسد أو غدر ماكر؛
    لذلك انكمشت بسمته وخفَّتْ حدته وقل جداله , ظهر ذلك عندما حدق بناظريه إلى حامد وهمس في أذنه بصوت منخفض لقد أقلقني حديثك أنفاً أخشى أن أصاب بما أخوف الناس منه..: إني لأخشى على سمية من ناهد فإني أرى الغدر بين عينيها كلما لقيتها أراه يتطاير كالشرر يصيب كل من حوله ومن أتى عليه ليبلغ فاه , وإني لا أظنه يخطئنا وإنه لا بالغ فاه .. ولقد نكأ حديثكم مخاوف نفسي التي تراودني بين الفينة والأخرى , فما صنع؟ إهمس ولا تفصح.
    ـ استعن بالله ولا تتشاءم فإن التطير ممقوت , والتفاؤل محمود فهو خير كله , واعلم بأن من توكل وقي , ومن تطير بالإصابة ولم يتعوذ أصِيب , إلا أن يشاء ربي شيئا , فلك ما اعتقدت والله حسيبك , فانصب نفسك أمام محاريبه ولذ بحياضه مغترفا من أطايبه , ولا تلتفت لسواه , تنجو مما تخاف وتحاذر , وعليك بالصعود إلى برج حسن الظن اصعده واثقا بلا تهيب ولا وجل , ولا تنزل عنه عندها تصحبك السلامة بلا انقطاع وتصيبك الحياة الطيبة بلا نزاع فأنت وما تظن؟.
    صفوان وهو يطوي ما تبقى من الخبز والجبن ويتناول كأس الشاي ليحمله معه إلى مكتبه: وقد اصفر لونه , وطأطأ رأسه ربما حياء وخشية من عصيان ألم به أو صوب جانبه , أو شعور بالتفريط في جنب الله انتابه وتغشاه , لا يعلم أكنة ما في الصدور إلا الله...ثم انتفض واقفا كأنه لدغ,
    ـ أستأذنكم أحبابي أنا على موعد.
    ـ رؤوف يبدو أنها سمية أفصح أيها العاشق الولهان, هنيئاً لكما هذا الأنس فما أجمل فترة العقد إنها تذكرني بأيامي الخوالي ..! إن لها مذاقا آخر لا مثيل له... تختلف عن مذاق أيام العسل التي تأتي بعد الزفاف !! فلكل مرحلة مذاقها , فمن لم يمر بفترة العقد , فقد فاته الشيء الكثير, وأظن صديقييَّ اللذان بجواري لم يمرا بها... لأنهما طارا ـ دون ترانزيت ـ إلى قفص الزوجية .. وتبسم ضاحكا مصغيا بكلتا أذنيه ؛ لينظر ردة فعل صفون و صديقيه بعد مزحته التي توجس منها خيفه خشية تطاوله على حرم الخصوصية.
    قال صفوان وهو يودعهما منصرفا: ربما , و على صاحبيك أن يعيدا الكرة إذن , ثم هرول متلهفا لموعده , وقد تلقى دروسا كأنها لكمات لقلبه أن يثب إلى الإنابة , وصرخات لعقله أن يهب إلى السعة والرحابة , ليمتطي منا بر العلم , ويلج أروقة الصلاح و ... ولو وعاها حق الوعي لكانت زاده وعدته التي يهد بها الصعاب ويشق بها السيل الهادر العباب... وما سمح له بالانصراف إلا بعد أن تواعدوا على اللقاء في صباح اليوم الثاني :.

    حامد وهو يبتسم: ليعرف مكنون صديقيه فاهم ورؤوف ومدى ما يحملان من تصور حول تعدد الزواج , ما رأيكما فيما قال صفوان قبل انصرافه... عندما أشار بإعادة الكرة أي علينا أن نتزوج بالثانية:
    رؤوف: هذا أمر حتمي فالتعدد أمر لا بد منه بالنسبة لي. فكلما رأيتُ السعادة تبزغ بين عيني صفوان وسمية تذكرتُ أيامي الجميلة مع سلوى...فلم نعد نرتدي تلك المشاعر المطرزة بالحب الطافح و الهيام المتدفق كتدفق السيل الذي كان يغشى وديان أرواحنا فتنتفش وأرصفة قلوبنا فتنتعش, كما ينتعش العشب الذابل بعد أن يروى بماء المشاعر , وقد تزاحمت الأعمال , كتزاحم طلاب الفصول الأولى أثناء خروجهم للراحة , فلا الراحة وجدنا ولا الهم نفضنا.
    حامد: قد أخالفك الرأي:!! , فما يزال حبي لأسماء قويا, هادرا كالسيل بعد أن كان كالنبع في بدايته وأني لأرجو أن أحقق لها ما تصبو إليه وتأمل.
    رؤوف :أتراني إذا أعدتُ الكرة , تعود تلك الأيام بنسمات العشق المعبَّقة بالشيح والريحان, والفل والأقحوان , وبرحيق الصبابة الملتف بعرام الفؤاد , و نشاط الفتوة , أواه يا لها من أيام هيهات أن تعود...هكذا أمني نفسي عندما يتسلل إليها الملل أو يَدْهمها الكدر بعودتها , تنفتح شهيتي لزواج أخرى , فأقول لعلها تعيد أيامي الفضية وسنيني الذهبية , لكن التمني شيء والجدية شيءٌ أخر.
    تنهد فاهم بنهنهة التأثر والحنين وقال : وما يمنعك من الجد ,وقد أحله الله وشرعه , وأنت في سعة من العيش وبسطة من الرزق وأنت يا حامد ما يمنعك؟.
    استحسنَ حامد الحوار وأراد أن يبسط في الإجابة وكأنه أحس بميلٍ من أحدهم للزواج ؛ فاراد أن يثبطه ويصرفه عنه , فهو يعلم بأنه إذا تزوج أحدهم تبعه صاحباه...لفرط حبهم لبعضهم وهو لا يريد ذلك لفرط حبه لأسماء زوجته:
    ـ يمنعني حبي لأسماء وعشرتي معها , فإني أخشى على مشاعرها من أن يجرحها الطل الندي فكيف بالزواج !! ما أكاد أمزح مزحةً خفيفة معها في هذا الشأن حتى تتغير ملامحها !! ويصفر لونها, ويتعكر صفوها , كأنما صاعقة من السماء نزلت , أو طامة من الأرض هبتْ عليها ...و لا أكون مبالغا لوقلت :لعلَّ فقد المرأة لزوجها أخف وطأة من زواجه بأخرى !! أظن معظم النساء في مجتمعنا كذلك.
    رؤوف : أمَّا هذه فأنا معك , إنهنَّ يَرينهُ السم الناقع الذي يفتك بهنَّ , ولا يقبلنَ فيه صرفاً ولا عدلا.
    قال فاهم المال يكفينا مؤنة العناء ؛ نسترضيهنَّ ونفعل ما نشاء.
    رد حامد: ليس كل شيء يشترى بالمال, لو كان كذلك لكانَ معك يا صديقي أربع جميلات تتأرجح بين عيونهن ونحورهن؛ فأنت أكثرنا مالا.
    ثم ضحك وقال: ولا بمال الدنيا , إلا أن تُغلبَ على أمرها , فإذا استرضيتها تصنَّعت الرضا وهي كارهة.
    كانت أسماء أحيانا إذا بلغ المزاح مبلغه , تضحك كي تظهر أنها غير مبالية ؛ لتواري بكبريائها غيضا يغلي داخلها كأنه مرجل, فإذا كان هذا في حال المزاح فكيف لوكان فعلا جزما.
    قال فاهم : هذه حالة خاصة بك وبأسماء لفرط المحبة بينكما , لا تدوخ خعقولنا بها فتمنعنا مما أحل الله وشرع ...لا يمكن تعميمها على غيرك, فلسنا مثلك, نحن نمزح ونهدد ونعزم أحياناً بصدق إذا رأينا تقصيرا فاضحاً ومنكرا بيناً.. فلا نجد الحدة السادرة ولا المثالية النادرة ...ثم صمت فجأة و لم يكمل وقد قطب جبينه وتغير لونه وكساه الحزن كأنما زاره الردى في نفسه أو فجعه في عزيز عليه , بعد أن كان هاشا جذلا, فما الذي أهمه وما الذي أغمه؟!!..
    اندهش كلا من حامد ورؤوف لما أصاب فاهم وسألاه عن سبب صمته وما حل به , فأجابهم وقد ثقل لسانه وخفتَ نبرات صوته لا شيء استمرا.
    أراد حامد أن لا يشعر فاهم بأحرج , فاستمر قائلا: ربما تكون حالة خاصة كما ذكر فاهم , وهذا ما جعلني أترك الكلام في الزواج مازحا أو جادا , وأبدلته بعذب القول وحسن الحديث الذي يبعث على الطمأنينة والرضا , وذلك سر سعادتي وأسماء وهو أولى : فما جدوى أن أجعلها في قلق يقضُّ مضجعها ويؤرِّقُ صفوها ويهزُّ كيانها, حتى لو كنتُ جادا مُنفذا لا ينبغي لي إقلاق سكينتها كل يوم بالتهديد .
    فالذي يهدد ربما أسوء من الذي ينفذ , لأن ألم التنفيذ مرة واحدة وألم التهديد مرات متعددة فأيهما أخف وطأةً عليهن؟!!
    ـ رؤوف وهو يطلب كأسا من الشاي :إنما نلجأ للتهديد عند احتدام الشجار, بل نعزم أحيانا بجدية الزواج إذا شط الخلاف عن حده.
    حامد: في حياتي اعتمدت منهجا نبويا حكيما بدد الخلاف وأذهب الشجار , قول النبي الكريم (ص) " لا يفرك مؤمن مؤمنة , إن ساءه منها خلق فسيرضيه خلق أخر" وهذا عزَّز قراري وعزمي بأن لا أفجعها قولا ولا فعلا إلا أن يشاء الله.
    ـ رؤوف وقد امتعض كالنسر الجريح , وكأنه لم يرق له ما سمع.. وبدأ ينظر إلى ساعته : قال :لا تضيق واسعا يا حامد, فما أحل الله التعدد إلا لحكمة ومنفعة , ففي التعدد مصلحة اجتماعية , وما أكثر النساء اليوم وأقل الرجال , ألا ترى أن الحروب تأخذ نصيبها منهم فتكثر النساء ويقل الرجال.
    ــ قد تكون وجهة نظري هذه لنفسي ؛ لأني أعتبر الزواج الثاني دون حاجة نزوةً غريزية لا ضرورة لها ولا مبرر , بل ربما يكون نوعا من الترف , فآثرتُ الوفاء ولكل ظروفه وعذره ودوافعه , فأسرار البيوت لا يعرفها سوى أصحابها... فلا تمتعض يا صدقي فسأكون عونك متى شرعت بالزواج , ليكن عندك الشجاعة والإقدام وستلقاني بجوارك عند الحاجة..
    ــ لم أمتعض لكن ألا ترى أنك تبالغ بما تسميه وفاءً , بينما التعدد في نظري أراهُ ضروريا كالماء تتجدد معه الحياة , وتزهر كما تزهر الوردة بعد ذبولها. حتى لو لم يكن هناك حاجة له ولا مبرر.
    تبسم حامد وهو ينزع نظارته, ثم تنهد كأنما حنَّ لفقيد, أو أشجاهُ بعيد...كيف لا أفي مع من وفت؟!! وهي التي أفنتْ زهرة عمرها وأيام شبابها من أجلي, وما زالتْ تعطي بلا حدود , وتفرش بين يديَّ الورود , و إذا اشتطَّ بيَ الضَّيم , فهي الحنونُ الودود , التي أحُطَّ حمائل همي بين يديها فتواسيني بأعذب الكلمات , وتمحو برقتها عنتي, وتداوي بعطفها جراح أيامي , كيف لا أراعي شعورها؟ , وهي مستودع سري وراعية بيتي , وأم أولادي , فهي عوني في كل مُلِمَّة , وشريكتي في كل مٌهمة, تصوِّبني إذا أخطأت وتعينني إذا أصبت , أفضي إليها بما يعتلج في صدري فتئنُّ لشكوايَ, كما يئنُّ الجريح عندما يبلسم الطبيب جراحه وكأنها هي من أصيبت. فكم تحملتني في الشدائد!! أفلا يجدر بي أن أتحملها إن هي وهنت وناوشتها العوائد ؟! , وكم صبرتْ علَيَّ في الضراء , ألا يَحسنُ بي أن أكافئها في السراء؟! , بسمتها تبرئ الجروح , ودعاؤها يفتح الفتوح , فكيف أجازيها بضرَّةٍ تعكِّرُ صفوها, وتمحقُ طمأنينتها ,وتهتك مسرَّتها ؟! فتتخيل أني قد عِفْتها وكرهتُ عشرتها, وعِبْتُ سيرتها, وجحدتُ فضلها!! لا أفعل أبدا وقد أوصاني حبيبي بها , فقال :استوصوا بالقوارير خيراً ... وصمت برهه لعله تذكر أسماء وحن إليها , وهو حديث عهد بها ولم يكاد يفارقها...واستطرد مستلذا بذكر مناقب العشرة
    فقال: ولئن رضيتْ بضرتها كغصةَ في حلقها مرغمة بقبولها , فلن تتقبل نظرات صُوَيْحِبَاتِها , حيث تظنُّ أنهن شامتات بها محقراتٍ لها ؛ يتناقلنا القول فيما بينهن فتقول الأولى للأخرى إلفها لا يحبها... زهد عنها واستبدل سواها !.. وهذا ما يفت عضدهنَّ ويمزقُ قلوبهنَّ , هذا الشعور لوحده يعد كالأفعى التي تلتف حول رقاب عامة النساء .. وهو ناجم من سوء تصرف الذين تزوجوا و لم يتقوا الله في زوجاتهم اللاتي تزوَّجوا عليهنَّ ولم يعدلوا بينهن بالسوية , هجروا القديم وآثروا الجديد! ذاك ما جعل النساء ينفرنَ ولا يرضين بالضرائر... فقل الطلب على التعدد وزاد الشطط واللغط حوله , حتى أصبح في بعض المناطق كأنه جريمة نكراء وفي بعض الدول يعاقب عليه القانون فمن ينصف النساء وهذا حال الرجال ممن تعددوا ولم يعدلوا...؟!!.
    لم يجد رؤوف ما يقوله بعد الذي أفصح عنه حامد بجلاء منقطع وقول بليغ.. عم السكون والصمت أرجاء المكان !! ثم قال رؤوف: تكلم يا فاهم فقد أقلقنا صمتك.
    قال فاهم وهو ينقد ثمن الإفطار ويضعه على الطاولة: صدق حامد و أصاب كبد الحقيقة, إن سوء معاملة البعض لزوجاتهم السابقات واهتمامهم الزائد بالزوجات الجديدات, أضرم النار في الهشيم ووسع الهوة وزاد الخرق اتساعا , وتعاظم الأمر عليهن, وأصبح التعدد في مجتمعاتنا كأنه جريمة شنعاء على الأقل في أعين غالبية النساء... بالإضافة إلى مورثات خاطئة زادت الطين بله, لذلك عزَّ ... فتوسعت دوائر العنوسة في أوساط النساء والعزوبة في أوساط الشباب وخاصة بعد موجة غلاء المهور !!
    فلو أقيم العدل , لما ضخَّمت النسوة تبعاته في مشاعرهنَّ, ولربما كان الرضا مع الغيرة سبيلهنَّ...
    ولعلكما تذكران زينب زوجة عاصم حينما توخت في زوجها العدل لم تمنحه الرضا فحسب , بل خطبت له وزوجته بنفسها , لتصبحَ مثالا للمرآة الناضجة عقلا ونبلاً بكل ما تحمل المثالية من النبوغ الفريد.
    رؤوف: بعد أن أشار إلى ساعته منبهاً بأن الوقت أزف وحان موعد العمل.
    قال وهو ينهض لينتصب قوامه: الوقت يزحف نحونا كأنه سيل جارف ينبغي الذهاب إلى حيث نأمن عبابه , ولا يطالنا رغاؤهُ وضبابه , هيا بنا لنفسح له ونغادر هذه الجلسة الممتعة ؛ كي لا يجرفنا فنغرق, ولولاه لاسترسلنا في هذا الحديث الشيق الذي أثر في نفسي , وعزمتُ على إطفاء حرائق نزقي , ولهيب شططي , وكل ما يقلق سكينة عمري! وموطن سكني!!
    من اليوم سأكون بإذن الله متحريا لحسن العشرة , مبادرا للكلمة الطيبة والتصرف الحسن! وهذا لا يمنعني إن تيسر لي التعدد بشرطيه العدل والإحسان, فحرارة عزمي عليه متوقده , لكم دينكم ولي دين , دون إرهاصٍ مُحرق ولا تهديد مُقلقْ , لا معرضا بنقيصة ولا ملوحا بفريسة...أستغفر الله لما سلف .
    شكرا لروحيكما هيا بنا... ولن نمضي حتى يخبرنا فاهم ما الذي غيره وعكر صفوه فأمسك عن الكلام فجأة؟!!.
    فاهم بعد أن نهض واقفا, وخطاه تحاذي خطى صاحبيه, وتقرأ الطريق ببطيء شديد كأنما تتهجاها تهجيا , وهم نحو مكاتبهم سائرون لمصافحة أعمالهم...قال: حرارة الموضوع ذكرتني بأناس يقسون بشدة على زوجاتهم ـ ليس في إقلاقهن بالزواج عليهن كما ذكر أخي حامد, فذلك أمر هين من وجهة نظري, ولكن في إرهابهن كلما انكسر كأس, أو ضاعت ملعقة , بغول الطلاق اللعين وإرساله بين الحين والحين, كأنه لعبة أطفال , يتلهى بها صغار العقول, وضيقِّي الآفاق لأتفه الأسباب , وهم كثر , وأرقني ماذكرته من حالة ابنة أختي التي أصابها الطلاق ظلما دون سبب يذكر ومعها ابنتين وطفل فانتكست ولم تتحمل فجيعتها وأصابها.... ولم يستطع أن يكمل كأنه أصابها خطب جلل أمسك عنه , بعد أن عنَّجَ بالبكاء فهو يقاومه ويصده حياء وتجلد.
    ـ ذلك هو ما وقع في نفسي , ونكئ جرحي فغمني ذكره وأعياني انتشاره , ولابد من وقفة توعوية جاده لإيقاف هذا العبث الذي يدمر الأسر.

    حامد صدقت يا أخي علينا أن نوجد طرائق وسبل, ونعمل على إثراء مثل هذه المواضيع التوعوية , وننسج من خيوطها , ونضوِّع عبير أفكارها في المجتمع , بما يجعل الجميع حريصين على بنية الأسرة وتماسكها ؛ وذلك بإفساح مكانٍ واسعٍ في منازل القلوب , ودُور الأفئدة ؛ كي تحل الطمأنينة والسكينة معززتين مكرمتين في ضيافة دائمة لا تنفك عراها ولا ينقطع سناها.
    عندها تشرق السعادة في غرف الحنايا وصالات المهج الظامئة , كما تشرق الشمس على الأرض الطالبة للدفيء ؛ فيسري تيار الأنس في أعصاب تربتها مؤذنا بالحياة الكريمة الهانئة بأن تدب عليها.!
    كيف لا وزمامها التقوى وقائدها الورع ,فبهما يشع الهناء ويطيب العيش,و يرحل غول الشقاء وذئب القلق , الَّذيْن يُفتِّتَانِ بمخالبهما جسم الوئام, فتكثر مطبات الخلاف وحفائر الشجار التي تدمر بنيان الأسرة , ويضيع تحتَ كومة ركامها الأبناء , وما أكثر حالات الطلاق في أيامنا , ولا حول ولا قوة إلا بالله ... ما ذكرته أخي فاهم أثارني وأشعل ثورة نفسي , لقد نكأت جرحا عميقا حُقَّ لك أن تحزن لهذا الأمر فهو جد خطير.

  2. #2
    الصورة الرمزية مصطفى حمزة شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : سوريا - الإمارات
    المشاركات : 4,424
    المواضيع : 168
    الردود : 4424
    المعدل اليومي : 1.01

    افتراضي

    أخي الأكرم الأستاذ هائل
    أسعد الله اوقاتك
    نصٌ من الأدب الإسلاميّ الملتزم الهادف
    لكنّ التوجيه المباشر ، والوعظ وطرح رأي الكاتب بشكل مباشر وتقريريّ ؛ كلّ ذلك أضعفه من الناحية الفنية .
    الأدب الإسلاميّ المنشود هو أدبٌ أولاً بكامل عناصره وأسسه الفنية والجمالية ، ثم إسلاميّ بفكره وغرضه ..
    - في المقطع الأول خطأ في استخدام الضمير ، إذ استخدم ضمير جمع الذكور في الكلام على اثنين ! فضلاً
    عن أخطاء لغويّة أخرى سقطت في النص .
    تحياتي وتقديري
    اللهمّ لا تُحكّمْ بنا مَنْ لا يخافُكَ ولا يرحمُنا

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    المشاركات : 1,517
    المواضيع : 346
    الردود : 1517
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    أشكرك أستاذنا على مرورك وملاحظاتك المفيدة القيمة وعلى صبرك مع طول النص
    تحياتي ودعائي

  4. #4

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    المشاركات : 1,517
    المواضيع : 346
    الردود : 1517
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    شكر لك ندا لقد أعدت كتابتها فعلا
    وبدت إن شاء الله أجمل
    ولو كان يسمح هنا بالتعديل لأعدت نشرها
    تحياتي ودعائي

  6. #6
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : May 2012
    المشاركات : 4,790
    المواضيع : 82
    الردود : 4790
    المعدل اليومي : 1.10

    افتراضي

    أخي هائل لغتك قوية وجزلة ماشاءالله , تطرقت إلى ضية مهمة في المجتمع رغم أن كل منا من النساء لاتحب ذلك لكن إن وقع الأمر فمالحل ؟ هذا مانريد أن تؤمن وتققبله كل امرأة فكر في الحل ولاتلجأ إلى طلب الطلاق لاسيما أنه ابغض الحلال إلا في حالات نادرة لاتقدر فيها على استحمال الأمر بتاتا , قصة جميلة
    تحياتي

  7. #7
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    نفس سردي طويل وإسهاب واستفاضة
    ونص إيجابي الطرح هادف المحمول
    شابته مباشرة أضعفته

    تتطور حروفنا باستمرار المحاولة والإكثار من القراءة
    وكلنا هنا نتعلم ونتناصح لنرتقي بأداتنا

    دمت بخير أيها الكريم

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    المشاركات : 1,517
    المواضيع : 346
    الردود : 1517
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    شكرًا لقمك أنت وبراءة
    نتعلم ونتطور بجهودكم وملاحظاتكم القيمة
    دمتما بألق

  9. #9
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    نفس سردي طويل ولغة ثرة وبينيان قصصي قوي ونص من الأدب الإسلامي حمل الدرس والحكمة
    سعدت بالقراءة لك شاعرنا الفاضل
    دام ألقك
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2011
    المشاركات : 1,517
    المواضيع : 346
    الردود : 1517
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    أشكرك أمال المصري من كل قلبي على مرورك وتعليقك الراقي
    سعدت به
    دام لنا حرفك وشكر الله لك
    مودتي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مُظاهرة مِن أَجل غَزّة
    بواسطة أحمد فؤاد في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-08-2014, 05:15 PM
  2. البقاء لله.. وفاة والدة الشاعر إكرامي قورة..
    بواسطة مصطفى الجزار في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 08-11-2007, 03:38 PM
  3. كان على حماس البقاء كقوى للمعارضة.
    بواسطة فاطمة أولاد حمو يشو في المنتدى نُصْرَةُ فِلِسْطِين وَالقُدْسِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 27-02-2007, 02:57 PM
  4. من أجل رأس صدام لا من أجل عرض عائشة رضي الله عنها
    بواسطة أديب قبلان في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 22-01-2007, 11:37 AM
  5. لن أسألك البقاء
    بواسطة عائشة المرزوقي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 30-09-2006, 04:07 PM