أحدث المشاركات
صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 29

الموضوع: ربيع بلون الموت

  1. #11
    الصورة الرمزية معزوز أسامة قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2012
    الدولة : الجزائر
    المشاركات : 192
    المواضيع : 62
    الردود : 192
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي ربيع بلون الموت(2)

    ...
    صرخ الجندي في وجه أبي و قَطَع حبل كلامه و أمره بالصّمت وإلاّ... ؟
    - و إلاّ...و إلاّ ماذا؟، و هل تحسبني أخشاك أو عبداً لسيّدك(لا و الله)، تأكد يا هذا أنّ أمهاتنا أنجبتنا أحرارًا و سنبقى و نحيا كذلك ولن نركع إلاّ لربّ الأحرار، و تأكّد أنّنا سنرضى بالموت كيفما كان في سبيل حُريتنا و في أيّ وقت... أمّا المذلّة و الخُذلان فسنتركها لك و للخنازير أمثالك، (تفو) عليك و على أصنامك.
    و هو يمسح البُصاق الطاهر عن وجهه الذّليل، ادّعى أنّ والدي خائن متآمر على تدمير الوطن!، ثمّ غمز مَنْ كانا على جانِبَيْه، و بِحَركة هِستيريّة ضربهما على قفاهما، و بسرعة قام أحدهما بتكبيل أبي من يديه و رجله، أما الخبيث الثاني فاغتنم ضُعفَنَا و بوحشيةٍ شنيعة سحب أمّي من رجلها النّحيفة و لطمها بعرض الحائط ما جعلها تسكن في زاوية البيت مُغما عليها، ثمّ اقترب سيدهم من أختي، "جُمانة" البهيّة التي لم تتفتّح كل ورودها بعد، شعرها الطّويل أمواج ذهبية مُسترسَلَة، ثغرها الصّغير خاتم دري لامع، لكنها ما لبثت حتى صار سحر جمالها مجرد قصة من الماضي، بعد أن أمسكها العربيد و بقوّة ليُجبِرَها و يجرّها إلى خارج البيت و باقي الكلاب يغنّون أغنية الأفراح و كأنّه سيزفُّها إلى بيتها الزوجي!.
    بقي الجميع يصفّق و يرقص و هو يسحبها و هي تصرخ و تُقاوم علّها تُفلت من قبضة يديه الحديدية أمام أول دمعة أراها تتسل حُرقة و ألما من عيون والدي المكبل جسمه الأبيّ المتصدي لعدوان الاستعمار سنوات عديدة، فما كان بوسعه سوى الصراخ عليهم و إرعابهم بعذاب الله و انتقامه لنا، أما والدتي فلازالت مغميّا عليها!.
    صُراخ أختي يرتفع، يصلُ إلى ذروة الألم و القهر، صُراخها يعلو و يعلو، شهقةٌ من أعماقها زعزعت صُمُود الكون، أختي تصمت، لا أسمع أنينها، سُكُونٌ قاتمٌ قاهرٌ يلقي بأشرعته على بيتنا، قلوبنَا، صمتٌ فصمتٌ، لا صوت لنبض الحياة!.
    و هو يبكي بكاء مريرا صرخ والدي بعد عودة سيدهم من خارج البيت دون أختي: "أين هي ابنتي، ماذا فعلت بها، أين هي يا كلب"، فما كان من الظالم سوى أن سلّ سكينا حادا من نفس الجيب الذي دس فيه لسان ابي قبل أن يجف من دمه بعد أن تألق في قطعه و بتأنٍ شديد و تَلَذُّذٍ مقيت، ثم مسح سكينه على وجهه ليقول مُستهزئا:"هذا نصيب من طال لسانه على ربّه، و هذه أجمل هدية سأحتفظ بها". و بعدها اصطفت كل كلابه المسعورة و أفرغت أمعاء رشّاشتها و كأنّها تتنافس على تمزيق جسد أبي المكبل الطّاهر المنتفض كطائر أصابه المطر أمام نيراهم الحاقدة.
    أما أنا و في حالة خوف و ذعر و بكاء شديدين، كادت روحي تنسلّ من حشرجتها البائدة، أسرعتُ لخارج البيت بعد أن غادر الكلاب بيتنا تحت قهقهات و إطلاق رصاص عشوائي و رقصات فاجرة ماجنة لِأجد أختي عاريةً من لباسها...من روحها، ممزقةً أوصالها، منهوشاً ثغرها، صدرها، رأسها الصغير مُعلق بحبل تدلى من شجرة التين المقابلة لباب بيتنا. سحبتها على مهل و دماء عينيّ تكتب على جسدها المضمّخ كلمات الأسى و لوعة الفراق بعد أن فككت العقدة المحُكمة على رأسها الصغير ثم أدخلتها إلى البيت و بقيت أُرتب شتاتها. أما أمّي فلازالت ساكنة في زاوية الغرفة! .

    **********
    لم تكن الأيام الفاصلة بين الفاجعة و رحيلنا عن الريف طويلة، حيث قررت أمي المغادرة بعد أن أقدمت دون تردد على بيع كلّ ما تملك من مصاغ حتى قلادتها العزيزة إلى قلبها من أبي أيّام خِطبتها، هَمُهَا أن تنجو بابنها الوحيد لئلاَّ تطوله يد البطش و الظّلم.
    غادرنا الوطن و سافرنا إلى حيث لا ترانا عين العدوّ و لا يمتدّ إلينا سوطه. كانت البداية في حيّ قصديري، حيث اشتغلت أمّي كمنظّفة في أحد البيوت الرّاقية الغنيّة، تخرجُ من البيت و لحاف الظّلام لم تتلاش كلّ خيوطه بعد و لا تعود إلاّ و بيديها المُرهقتين شمس النّهار لتُسلّمها لدنيا الصّمت و السّكون ضمانًا لديمُومة دراستي و معاشي، لم أشعر يومًا بضجرها، بتعبها، رغم ذبولها وتدهور صحتها! .
    طالت الأعوام و لازلنا نتضوّر من يومٍ لآخر مرارة شوقنا لبيتنا، للوطن... انتقلتُ بين أطوار التّدريس بتميّز و اجتهاد و مُحرزا الرُّتب المتقدّمة راجيا الوصول الى ما يُمَكّنُنِي من الأخذ بالثأر، فلم أجد سوى القانون!، و بعد سنوات قليلة نُصّبتُ في مكتب قانوني راقٍ، اشتريت من مدخوله السخي مسكنا جميلا، لكن و رغم كلّ المحاولات في إخماد نار الشوق الملتهبة في روحنا لم نستطع أن نصبر أكثر... فأمي قد لَفَحَهَا فِراق المدينة و أهلها و أرقَ جفنيْها سنوات عديدة، فقالت لي يومًا و تضاريس وجهها محفوفة بشرائط همٍّ سوداء، بأنّاتٍ حَشرَجَتْ روحها لم تتركها سوى جُثّة تراقصت كلّ صرخات الوجع على نحافتها:
    "دعنا نعُد يا بُني، دعنا نعُد..."
    و كانت العودة بالفعل و من هناك بدأت مراسمها ...أقصد من المكان الذي رسمت فيه أمي بغصنٍ صغير حملته من على أرض المقبرة القاحلة...الساكنة إلاّ من تمتمات الموت المترددة الخالدة هناك، رسمت حُدود قبرها على يمينه و قالت بنبرة تجرّ الخُطى"إيّاك أن تدفنني بعيدًا عنهما يا بنيّ، بل أريده ههنا"
    هكذا كانت عودتُنا كوَدَاعنا لوالدي و أختي جُمانة مُذ عشرين عاما، كان علينا ان ندفنهما جنبا إلى جنب. و لا شك في قُدوم وقت قد يكون قريبا و نجتمع مرة ثانية و نتلاحم كتلاحُمنا في ذلك اليوم المهيب؟.

    طال جلوسنا بين روحيهما الطّاهرتين، و آيات الأسى و الحزن تُرتَّلُ بأفواه البيوت القريبة الجاثية على خرابها و دمارها إخلاصًا من أهل الريف لأبنائهم...لأحفادهم...لصغاره م...لكبارهم، حتى تُطبع و للأبد وصمة العار المقيتة على جبين نظام هَتك و شرّد و سفك و قتل دون رحمة!؟.

    ***********
    دَعَوتُها للعمل بجانبي و جعلِها ...


    يُتبع...

  2. #12
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    ولجت للجزء الثاني ولم أعرف كيف فاتني قراءة هذا الجزء بلغته الأنيقة وسلاسة السرد الذي يجذب المتلقي لتتركنا وشوقنا للآتي
    سأكون هناك للمتابعة وهنا لي عودة لربط الأحداث دائما حتى التتمة رغم أنني أفضل دائما إدراج الأجزاء معا
    بوركت اليراع التي نسجت واحدة من قصص البطولة
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #13
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 392
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    سرد أكثر من رائع ولغة باذخة وانتقال سريع بنا عبر الأحداث يجعلنا لانمل الحكاية رغم ماتحمله من أسى
    مازلت متابعة حتى النهاية
    وشكرا لك أديبنا على العطاء
    تحاياي

  4. #14
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,125
    المواضيع : 317
    الردود : 21125
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    الأخ الفاضل / معزوز أسامة
    أولا .. وقبل كل شىء كنت أتمنى أن لا تفصل الجزء الثانى
    عن الجزء الأول من القصة , ليتمكن القارىء من المتابعة والأسترسال .
    عندك حق فى أن يكون لهذة القصة مكانتها الخاصة فى نفسك وقد صيغت
    من الألام المرة والمعاناة ..
    إنك تجيد السرد وبأسلوب جميل ماتع يأخذ عقل المتلقى , وإن كان يمكن
    تكثيفه لتنجو من لغة الخطابة والتقريرية .
    مازلنا متابعين معك بكل الأهتمام بقية الأحداث .
    دام ألقك ولك التحايا .

  5. #15
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    سرد رائع ومشوّق ينبّئ بكاتب روائيّ متمكّن من أدوات السّرد والقصّ
    بوركت وبورك إبداعك
    تقديري وتحيّتي

  6. #16
    الصورة الرمزية معزوز أسامة قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2012
    الدولة : الجزائر
    المشاركات : 192
    المواضيع : 62
    الردود : 192
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آمال المصري مشاهدة المشاركة
    سرد أكثر من رائع ولغة باذخة وانتقال سريع بنا عبر الأحداث يجعلنا لانمل الحكاية رغم ماتحمله من أسى
    مازلت متابعة حتى النهاية
    وشكرا لك أديبنا على العطاء
    تحاياي
    كعادتك دائما ما يغرقني ثناؤك ...
    الرائعة آمال لك مني شاهق ودّ و تقدير .

    أسامة

  7. #17
    الصورة الرمزية معزوز أسامة قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2012
    الدولة : الجزائر
    المشاركات : 192
    المواضيع : 62
    الردود : 192
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نادية محمد الجابى مشاهدة المشاركة
    الأخ الفاضل / معزوز أسامة
    أولا .. وقبل كل شىء كنت أتمنى أن لا تفصل الجزء الثانى
    عن الجزء الأول من القصة , ليتمكن القارىء من المتابعة والأسترسال .
    عندك حق فى أن يكون لهذة القصة مكانتها الخاصة فى نفسك وقد صيغت
    من الألام المرة والمعاناة ..
    إنك تجيد السرد وبأسلوب جميل ماتع يأخذ عقل المتلقى , وإن كان يمكن
    تكثيفه لتنجو من لغة الخطابة والتقريرية .
    مازلنا متابعين معك بكل الأهتمام بقية الأحداث .
    دام ألقك ولك التحايا .
    الجميلة نادية تحية عطرة لك

    ماكنت لأفعل ذلك لولا خشيتي كما قلت من قبل أن يتلاشى خيط تتبعها من يد الاحبة

    ألف شكر لمرورك البهيّ ...

    سموات تقدير

    أسامة

  8. #18

  9. #19
    الصورة الرمزية معزوز أسامة قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2012
    الدولة : الجزائر
    المشاركات : 192
    المواضيع : 62
    الردود : 192
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كاملة بدارنه مشاهدة المشاركة
    سرد رائع ومشوّق ينبّئ بكاتب روائيّ متمكّن من أدوات السّرد والقصّ
    بوركت وبورك إبداعك
    تقديري وتحيّتي

    الكريمة الأستاذ الراقية كاملة بدرانة ... بورك تواجدك السخي ...

    قوافل احترام و ودّ

    أسامة.

  10. #20
    الصورة الرمزية معزوز أسامة قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2012
    الدولة : الجزائر
    المشاركات : 192
    المواضيع : 62
    الردود : 192
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام هلالي مشاهدة المشاركة
    قرأتها واستمتعت باللغة الجميلة الطيعة وانسيابية السرد .
    سأنتظر تتمتها بشوق.
    تحيتي وتقديري.
    الجميل المبدع صديقي عبد السلام هلالي ...وكم استمتعت بمرورك الجميل ...

    تحاياي...

    أسامة

صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. بلون الرماد . . .
    بواسطة ياسر سالم في المنتدى بَرْقُ الخَاطِرِ وَبَوحُ الذَّاتِ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-01-2012, 07:44 PM
  2. جرح بلون البحر
    بواسطة أميرة عبده في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 21-04-2010, 10:56 PM
  3. قمح بلون الدم ؟؟؟؟؟
    بواسطة علي أسعد أسعد في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 12-06-2007, 05:18 PM
  4. نجوى سالم وفراشاتها الملونة بلون الذاكرة
    بواسطة فضل شبلول في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-08-2006, 06:11 PM
  5. على لسان الشهيد 00 القعيد 00 الذي لم يطأطأ كالعبيد 00 ( قصيدة بلون الدم )
    بواسطة عاشق الفل في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 26-03-2004, 03:29 AM