سنون على غربتهِ مرّتْ ليعودَ بقليلٍ من المال جَناهُ هناك و كثيرٌمن الاغتراب يَحصدُه هنا.. غُربة بُعدٍ كان يعيشها هناك ،واغتراباً بينهُ وبينَ منْ حوله يحياه الآن.. كثيرٌممّن كانوا مِن حوْله وجدَهُم قد تغيّروا أو ما عادَ ليجدهُم !
سنونَ على غربتهِ مرّت رسمتْ على وجههِ تَجاعيدَ كأنها تواقيعَ على دفترِ ذِكْرياتهِ..كان يتساءلُ بينهُ و بينَ نفسهِ أتساوي أوراقٌ منَ المالِ جنيتهُ أوراقاً تساقطتْ منْ شجَرةِ العمر ؟
أيامٌ مرّت على عودتِه..قلّبَ خِلالها صفحاتِ عمرهِ التي قَضاها ونفَضَ سطورَها بين عينيْه..قرّرأنْ يخرجَ متجوّلاً بينَ طُرقاتِ المدينة صباحاً يتفقّدُ شوارِعها و يتلمّس أرصفَتها..تركَ سيّارته الجديدة التي شحنها منْ بلادِ غُربتهِ جانباً ليعود بذكرياته إلى حافلاتِ نقلِ الرّكاب علّهُ يظفر بعيونٍ غابت عنه و مشاهدَ يستعيدُ بها أطيافاً من ذِكرياته..
قلّبَ نظراتِه في طابورِ نقلِ الرّكاب المقابلِ له حيثُ كان يصطفّ بانتظار الحافلة..كانتْ أشعّةُ شمس الضّحى ترسم ظلالاً للناس كأنها تكشف سوادهم و تصبغُه على الطريق ...أجال بصَرهُ فيمنْ حوله من المصطفّين.. ألفاها أمامه ..أهي هي؟ نعم هي ذاتها ..لم تتغيرْكثيراً ..فكّر أنْ ينسحبَ قبل أن يقع بصرُها عليه فقد تركها وسافرَ وأخذَ معهُ وعودَه التي قطَعها بأنْ يرجعَ ومعهُ مفاتيح أحلامهما ،.. كان لا بدّ من أنْ يستلّ من بين الجمع ..لكنّه الخفقان عادَ ليطرقَ شغافَ قلبهِ ليعيد إليهِ ذكرياتٍ كانتْ فيما مضى....حدّثتهُ نفسهُ أنْ يتقدّمَ اليها فتثاقلت رجلاه ..تحرّك يُمنةً و يُسرى يراوحُ مكانهُ حتى مدّ ظلّهُ ليكونَ أمامها ..أحسّت هي بظلٍّ يتحرك أمام ناظريها ليس كباقي الظلال، فأرسلت بَصرها متتبّعةً امتداد الظلّ حتّى وصلت ببصرِها إليه ..عرفته ! إنّه هو..اضطَربت قليلاً ..أطرقت رأسَها بُرهةً ثم أرسلت عينيها الى السماء.. تحرّكت خطوةً خارج الطّابور باتجاه ظلهِ و مدّتْ قدمَها اليمنى لتدوس على الظلّ ..ثمّ تلاشتْ بين الصّفوف!