|
مَرَّتْ بِعَيْنِي كَأَنْوَارٍ مِنَ السِّحْرِ |
فِي طَرْفِهَا هَمَسَاتٌ لِلْهَوَى تَسْرِي |
مَرَّتْ كَطَيْفٍ مِنَ الأَحْلامِ يَحْضُنُهَا |
حُسْنٌ رَشِيْقٌ وَأَنْسَامٌ مِنَ العِطْرِ |
تَمِيسُ فِي خَطْوِهَا لِينًا فَلا أَثَرٌ |
تَعْلُو عَنِ الأَرْضِ إِشْفَاقًا بِلا كِبْرِ |
عُصْفُورَةٌ فِي رِيَاضِ الْحُسْنِ قَدْ مَرَحَتْ |
فِي رِقَّةٍ فَأَثَارَتْ غَيْرَةَ الزَّهْرِ |
قِيْثَارَةٌ لِلْهَوَى غَنَّتْ إِذَا ضَحِكَتْ |
وَلَحْنُهَا بَسْمَةٌ تَخْتَالُ فِي الثَّغْرِ |
بَدْرٌ عَلَى الأَرْضِ بَيْنَ النَّاسِ فِي أَلَقٍ |
يَمْشِى الْهُوَيْنَى كَرِيْمٍ مَاسَ مِنْ خَفْرِ |
تُبْدِي السُّرُورَ شُمُوْخًا بِابْتِسَامِ فَمٍ |
وَالدَّمْعُ يَشْرَقُ فِي العَيْنَيْنِ كَالدُّرِ |
حُزْنٌ دَفِينٌ فَلا يُنْبِيكَ عَنْ أَلَمٍ |
إِلا أَنِينٌ عَلَى سَهْوٍ مِنَ الفِكْرِ |
رَنَتْ إِلَيَّ وَعَيْنُ الْحُبِّ وَادِعَةٌ |
وَغَادَرَتْنِي وَعَيْنُ الْحُبِّ فِي بهْرِ |
فِي لَحْظَةٍ أُسِرَتْ رُوْحِي بِأَمْرِهِمَا |
أَمْرُ العُيُونِ وَأَمْرُ القَلْبِ فِي الصَّدْرِ |
فَمَا نَأَى طَيْفُهَا إِلا وَبِي دَنَفٌ |
مِنَ الْحَنِينِ وَوَجْدٌ بَاتَ يَسْتَشْرِي |
أَمِيْرَةٌ مَلَكَتْ قَلْبِي فَيَا قَدَرِي |
كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى مَنْ عَاشَ فِي القَصْرِ |
غَابَتْ عَنِ العَيْنِ حَتَّى خِلْتُهَا حُلُمًا |
وَأُسْكِنَتْ فِي عَبِيرِ الشَّوْقِ والعُمْرِ |
فَعِشْتُهَا أَمَلاً أَرْنُو لِبَهْجَتِهِ |
وَفِي الْخَيَالِ هُيَامَ السُّكْرِ فِي الذِّكْرِ |
مَا زِلْتُ فِي أُفْقِهَا نَجْمًا يَدُورُ كَمَا |
دَارَ الْحَنِيْنُ عَلَى إِرْهَاصَةِ الشِّعْرِ |
وَطَيفُهَا بَهْجَةٌ فِي القَلْبِ أُسْمِعُهُ |
هَمْسَ الصَّبَابَةِ وَالشَّوْقَ الذِي يَجْرِي |
فِيهَا نَقَاءٌ كَنُورِ الفَجْرِ تَأْسِرُنِي |
فِيهَا البَرَاءَةُ أَنْقَى مِنْ رُؤَى الفَجْرِ |
فِيهَا لَيَالٍ تَهِيمُ الأُمْنِيَاتُ بِهَا |
وَذِكْرَيَاتٌ تُوَارِي الدَّمْعَ بِالصَّبْرِ |
لا أَحْتَفِي طَرَبًا إِلا لِهَمْسَتِهَا |
وَلا أَبَشُّ سِوَى لِلْعَاشِقِ العُذْرِي |
أُسَائِلُ القَومَ عَنْ بَدْرٍ أَتُوقُ لَهُ |
فَيَضْحَكُونَ عَلَى المَلْهُوفِ فِي سُخْرِ |
صَبْرًا؟ يَقُولُونَ صَبْرًا وَالأَسَى شَبَحٌ |
فِي شَأْفَةِ الفَقْدِ يَبْكِي رَأْفَةَ الجَمْرِ |
يَا مَنْ تَلُومُونَ، بَدْرِي لا يَغِيبُ لَهُ |
طَيْفٌ بِقَلْبِي وَلَو يَومًا مِنَ الشَّهْرِ |
إِنْ غَابَ يَوْمًا عَنِ الأَنْظَارِ مَفْرَقُهُ |
أَنَارَ كَوْنًا مِنَ الأَشْوَاقِ كَالْجَمْرِ |
لا تَعْذِلُوا نَزَقِي فَالْحُبُّ ذُو نَزَقٍ |
وَالْقَلْبُ مُرْتَهَنٌ صَفْوًا لِمَنْ يَدْرِي |
طَالَ انْتِظَارِي لَهَا حَتَّى الْتَقَيْتُ بِهَا |
فَكُنْتُ كَالظَامِئِ الْمَلْهُوفِ لِلنَّهْرِ |
هَلَّ الْفُؤَادُ بِفَيْضٍ مِنْ تَوَرُّدِهِ |
فِي نَشْوَةِ الرُّوحِ فَاقَتْ نَشْوَةَ الْخَمْرِ |
يَا نَاعِسَ الطَرْفِ يَا دُنْيَا بِلا أَلَمٍ |
يَا بَهْجَةَ الْدَوْحِ فِي أَلْوَانِهِ الْخُضْرِ |
إِنِّي أُحِبَّكِ فِي وَجْدٍ وَفِي وَلَهٍ |
حُبَّ الْحَيَاةِ وَحُبَّ النَّحْلِ لِلزَّهْرِ |
غَرِقْتُ فِيكِ وَبَاتَ الطَيْفُ مِنْ دَنَفٍ |
كَالظِّلِّ لِلرُّوْحِ لا يَنْفَكُّ فِي إِثْرِي |
أَنَا الأَسِيرُ لِمَنْ بِالنُبْلِ قَدْ فَتَنَتْ |
لُبَّ الوُجُوْدِ وَأَوْهَتْ قَسْوَةَ الصَّخْرِ |
هَذَا الفُؤَادُ لَدَيْكِ اليَوْمَ أَرْهَنُهُ |
فَاحْنِي عَلَيْهِ حَنَانَ الأُفْقِ بِالطَّيْرِ |
قَالَتْ وَقَدْ صَمَتَتْ حِينًا مُغَالِبَةً |
دَمْعًا يَهِلُّ مِنَ الْعَيْنَيْن كَالْقَطْرِ |
إِنَّ الْهَوَى يَا عَزِيْزِي نِعْمَةٌ عَظُمَتْ |
إِنْ صُنْتَهَا وَنَعِيمٌ دَامَ بِالشُّكْرِ |
الْحُبُّ نُورٌ يُرَى فِي نِيَّةٍ صَدَقَتْ |
لا فِي احْتِفَالٍ بِمَا يُثْرِي وَمَا يُطْرِي |
الْحُبُّ لَيْسَ عُيُونًا فِي مُغَازَلَةٍ |
بِنَاعِمِ اللَفْظِ وَالوَعْدِ الذِي يُغْرِي |
أَذَاقَنِي الْحُبُّ كَأْسًا مِنْ مَرَارَتِهِ |
خَانَ العُهُودَ وَأَدْمَى القَلْبَ بِالغَدْرِ |
فَأَمْطَرَتْ لَوْعَتِي دَمْعَ الأَسَى نَدَمًا |
وَصَامَ قَلْبِي عَنِ الأَفْرَاحِ وَالبِشْرِ |
عُذْرًا فَإِنِّا عَصَيْنَا لِلْهَوَى سُنَنًا |
وَأَعْلَنَ القَلْبُ فِي شَرْعِ الْهَوَى كُفْرِي |
أَجْبْتُهَا وَشُجُونُ النَّفْسِ تَهْتِفُ بِي |
وَالعَيْنُ تَصْدُقُ مَا فِي القَلْبِ مِنْ أَمْرِ |
يَا تَوْأَمَ الرُّوحِ لَوْلا أَنَّهَا انْفَصَلَتْ |
قَبْلَ الوُجُودِ عَنِ الأَجْسَادِ فِي طُهْرِ |
لَوْلا رَأَيُتُكِ قَبْلَ الآنَ فِي قَدَرِي |
وَعِشْتُ حُبَّكِ فِي سِرِّي وَفِي جَهْرِي |
مَا جِئْتُ أَرْهِنُ رُوحِي دُونَمَا وَجَلٍ |
وَلا نَظَمْتُكِ أَبْيَاتًا مِنَ الشِّعْرِ |
إِنْ تُنْكِرِي شَجَنِي فَاللهُ أَرْحَمُ بِي |
أَوْ تَمْسَحِي أَلَمِي خَيْرٌ مِنَ النُّكْرِ |
وَالْحُرُّ يُظْهِرُ مَا تُخْفِي سَرَائِرُهُ |
وَالدَّهْرُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْهَذْرِ |
قَالَتْ وَقَدْ نَظَرَتْ مِنْ خَلْفِ دَمْعَتِهَا |
فِي فَرْحَةٍ رَقَصَتْ فِي العَيْنِ وَالثَّغْرِ |
أَنْتَ الْحَبِيبُ إِذَنْ يَا خَيْرَ مُؤْتَمَنٍ |
أَنْتَ الْحَبِيبُ وَحَتَّى آخِرِ العُمْرِ |