أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16

الموضوع: مع طرفة العبد في تمرّده

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي مع طرفة العبد في تمرّده



    مع طرفة العبد في تمرّده:
    الدكتور عثمان قدري مكانسي
    يصرُخ طرفة بن العبد بوجه من يقف أمام رغباته وينكر عليه أن يمارس ما يريد دون رقيب أوزاجر:
    ألا أيها الزاجري أحضُرَ الوغى وأن أشهد اللذات : هل أنت مُخلِدي؟!
    فإن كنتَ لا تسطيعُ دفعَ منيّتي فدعني أبادرْها بما ملكت يدي
    وأسمع تحديه يملأ الصحراء ، وأراه متوتر الأعصاب يرفع قبضته في وجه ناصحه متحدياً ، ولعله يراه – من وجهة نظره – رجلاً يفرض وصايته عليه ويحد من تعطشه لممارسة حريته في اختيار طريقة حياته ، ولعلنا نتذكر أن طرفة قـُتِل في ربيع الشباب ، ولمّا يتجاوز السادسة والعشرين من عمره ، شأنه شأن الشباب الذين يرون في أنفسهم القدرة الخلاّقة والرأي السديد.
    يعتقد أن الموت حق، وأن ماله بداية له نهاية ، وهومثلنا في نظرته لهذه النهاية غير المرئية :
    أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
    إلا أنه يستبق الموت بسبب من عقيدته المادية بطريقة انتهاب اللذات والعبّ منها دون هوادة ، ولعله يذكرني برجل ستينيّ يدخل على صديقي الطبيب النفسي يخبره أنه حين رأى نفسه يجتاز عتبة الشيخوخة ولمّا يشبع نهمه من لذات الحياة خاض (بحر النساء) يرشف كل ليلة رحيق وردة منهنّ ويتنشّق عبيرها ويغوص في أمواجها إلى أن غرق في دوّامتهنّ وأصابه أمراض الاتصال غير الموزون وأدرانها ، هذا الستيني يعيش في جاهلية القرن الحادي والعشرين ، فلا عتب ولا عجب ان نرى طرفة بن العبد قبل ستة عشر قرناً يقع في بحر اللذات نفسه ، فهما يضربان في مستنقع واحد ، بيد أن طرفة لا ينسى حبه للقتال وشرف مقارعة الأبطال، فللوغى لذة لا تعدلها لذة ، ولا يموت المرء إلا في أجله المحتد ، ألم يعلنها سيف الله على الملإ حين قال قولته المشهورة ( لقد خضت زهاء ثمانين معركة وما في جسمي شبرإلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ، وها أنا اليوم أموت على فراشي كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء) حقاً فلا نامت أعين الجبناء.
    إلاأن الفرق بين عقيدة خالد ومن على دربه وعقيدة طرفة ومن على شاكلته كبير كبير، فخالد يقاتل لمبدأ عظيم يجد في الدفاع عنه لذة آنيّة تدفعه لبذل روحه في سبيله وثواباً عظيماً يناله حين يلقى ربه شهيداً في سبيله ، أما طرفة فهو يسابق الموت قبل أن تفنى اللذات فيفقدها بانتهاء الأجل ، وشتان ما بين الهدفين .
    وعلى الرغم مما اكتنف طرفةَ بن العبد من مفاهيم دنيوية آنيّة أجده حرّ النفس كريمها ، يكره العيش في الزوايا المنسية ، ويأبى أن يكون رقماً مهملاً في حياة تتجنب المغامرة لتحفظ على حياة صاحبها أماناً موصوماً بما تأباه النفس الحرة.
    حين يعلم المرء أن الحذر لا ينجي من القدر ويتخذ من ( المنية ولا الدنية ) شعاراً يعمل من خلاله يجد الحياة الحقة في ظلال السيوف . ويرى الجهاد سبيله إلى العزة والكرامة في الدارين ..

  2. #2
    الصورة الرمزية مصطفى حمزة شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : سوريا - الإمارات
    المشاركات : 4,424
    المواضيع : 168
    الردود : 4424
    المعدل اليومي : 1.01

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د عثمان قدري مكانسي مشاهدة المشاركة


    مع طرفة العبد في تمرّده:
    الدكتور عثمان قدري مكانسي
    يصرُخ طرفة بن العبد بوجه من يقف أمام رغباته وينكر عليه أن يمارس ما يريد دون رقيب أوزاجر:
    ألا أيها الزاجري أحضُرَ الوغى وأن أشهد اللذات : هل أنت مُخلِدي؟!
    فإن كنتَ لا تسطيعُ دفعَ منيّتي فدعني أبادرْها بما ملكت يدي
    وأسمع تحديه يملأ الصحراء ، وأراه متوتر الأعصاب يرفع قبضته في وجه ناصحه متحدياً ، ولعله يراه – من وجهة نظره – رجلاً يفرض وصايته عليه ويحد من تعطشه لممارسة حريته في اختيار طريقة حياته ، ولعلنا نتذكر أن طرفة قـُتِل في ربيع الشباب ، ولمّا يتجاوز السادسة والعشرين من عمره ، شأنه شأن الشباب الذين يرون في أنفسهم القدرة الخلاّقة والرأي السديد.
    يعتقد أن الموت حق، وأن ماله بداية له نهاية ، وهومثلنا في نظرته لهذه النهاية غير المرئية :
    أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
    إلا أنه يستبق الموت بسبب من عقيدته المادية بطريقة انتهاب اللذات والعبّ منها دون هوادة ، ولعله يذكرني برجل ستينيّ يدخل على صديقي الطبيب النفسي يخبره أنه حين رأى نفسه يجتاز عتبة الشيخوخة ولمّا يشبع نهمه من لذات الحياة خاض (بحر النساء) يرشف كل ليلة رحيق وردة منهنّ ويتنشّق عبيرها ويغوص في أمواجها إلى أن غرق في دوّامتهنّ وأصابه أمراض الاتصال غير الموزون وأدرانها ، هذا الستيني يعيش في جاهلية القرن الحادي والعشرين ، فلا عتب ولا عجب ان نرى طرفة بن العبد قبل ستة عشر قرناً يقع في بحر اللذات نفسه ، فهما يضربان في مستنقع واحد ، بيد أن طرفة لا ينسى حبه للقتال وشرف مقارعة الأبطال، فللوغى لذة لا تعدلها لذة ، ولا يموت المرء إلا في أجله المحتد ، ألم يعلنها سيف الله على الملإ حين قال قولته المشهورة ( لقد خضت زهاء ثمانين معركة وما في جسمي شبرإلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح ، وها أنا اليوم أموت على فراشي كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء) حقاً فلا نامت أعين الجبناء.
    إلاأن الفرق بين عقيدة خالد ومن على دربه وعقيدة طرفة ومن على شاكلته كبير كبير، فخالد يقاتل لمبدأ عظيم يجد في الدفاع عنه لذة آنيّة تدفعه لبذل روحه في سبيله وثواباً عظيماً يناله حين يلقى ربه شهيداً في سبيله ، أما طرفة فهو يسابق الموت قبل أن تفنى اللذات فيفقدها بانتهاء الأجل ، وشتان ما بين الهدفين .
    وعلى الرغم مما اكتنف طرفةَ بن العبد من مفاهيم دنيوية آنيّة أجده حرّ النفس كريمها ، يكره العيش في الزوايا المنسية ، ويأبى أن يكون رقماً مهملاً في حياة تتجنب المغامرة لتحفظ على حياة صاحبها أماناً موصوماً بما تأباه النفس الحرة.
    حين يعلم المرء أن الحذر لا ينجي من القدر ويتخذ من ( المنية ولا الدنية ) شعاراً يعمل من خلاله يجد الحياة الحقة في ظلال السيوف . ويرى الجهاد سبيله إلى العزة والكرامة في الدارين ..
    أخي الأكرم الدكتور عثمان
    أسعد الله اوقاتك
    خاطرة أدبيّة طريفة جعلت من التضمين الثقافي ( سيرة طرفة بن العبد الجاهليّة ) خيوطاً من نسيجها وحبكتها في تقديم الفكرة .
    أرى أنّ مكان النص في قسم ( النثر الأدبيّ ) وكنت أودّ لو أن في الواحة قسماً خاصّاً بالخاطرة كنوع أدبيّ خاصّ ، تنضوي تحته
    الخواطر بكلّ مواضيعها : الأدبيّة ، والعلميّة ، والتاريخيّة ... الخ ...
    - ألا أيها الزاجري أحضُرَ الوغى = ألا أيهذا الزاجري أحضُرَ الوغى
    تحياتي وتقديري
    اللهمّ لا تُحكّمْ بنا مَنْ لا يخافُكَ ولا يرحمُنا

  3. #3
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Oct 2011
    المشاركات : 261
    المواضيع : 22
    الردود : 261
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي

    هكذا هم الشباب الذين أخذوا على حين غرة في عزّ حيويتهم تسابقوا مع الموت فبصموا حياتهم القصيرة وسطروا نفائس حكمهم وأشعارهم
    كصاحبنا طرفة وكالشابي
    شكرا دكتور على أن تفسحت بنا هنا
    تقديري واحترامي

  4. #4
    الصورة الرمزية لانا عبد الستار أديبة
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    العمر : 53
    المشاركات : 2,496
    المواضيع : 10
    الردود : 2496
    المعدل اليومي : 0.60

    افتراضي

    خاطرة طلبت زادها من أعماق التاريخ والأدب
    فجأءت بروعة طرفة بن العبد وقوته
    أشكرك

  5. #5
    الصورة الرمزية سامية الحربي أديبة
    غصن الحربي

    تاريخ التسجيل : Sep 2011
    المشاركات : 1,578
    المواضيع : 60
    الردود : 1578
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    إذا كان طرفة بن العبد رغم نظرته وعقيدته المادية و شبابه الوارف يخوض بحر اللذات لكنه يأبى إلا أن يختم نهاياته و آثاره بما يخلده فما عذر من شاب مفرقه و قد ولد على الفطرة والوحدانية لكنه لا يتوانى عن تدنيس محطاته الأخيرة ؟! الدكتور الفاضل عثمان مكانسي بوركت و رسائلك التربوية النيرة.تحيتي وتقديري.

  6. #6
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.85

    افتراضي

    حين يعلم المرء أن الحذر لا ينجي من القدر ويتخذ من ( المنية ولا الدنية ) شعاراً يعمل من خلاله يجد الحياة الحقة في ظلال السيوف . ويرى الجهاد سبيله إلى العزة والكرامة في الدارين ..
    رأي سديد ...
    شكرا على ما تفضّلت به دكتور عثمان
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  7. #7
    الصورة الرمزية زهراء المقدسية أديبة
    تاريخ التسجيل : Jun 2009
    المشاركات : 4,596
    المواضيع : 216
    الردود : 4596
    المعدل اليومي : 0.85

    افتراضي

    وشتان بين غلام قتيل غرق في لذته وبين عجوز أهلكته لذته

    حرف خيّر يسوق العبرة لمن أراد أن يعتبر

    جزاك الله خيرا دكتور عثمان
    ـــــــــــــــــ
    اقرؤوني فكراً لا حرفاً...

  8. #8
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    المشاركات : 6,061
    المواضيع : 182
    الردود : 6061
    المعدل اليومي : 0.91

    افتراضي

    وعلى الرغم مما اكتنف طرفةَ بن العبد من مفاهيم دنيوية آنيّة أجده حرّ النفس كريمها ، يكره العيش في الزوايا المنسية ، ويأبى أن يكون رقماً مهملاً في حياة تتجنب المغامرة لتحفظ على حياة صاحبها أماناً موصوماً بما تأباه النفس الحرة

    السلام عليكم
    ما أحلى أن يعيش الإنسان حياته مناضلا من أجل مبدأ يؤمن به
    وما أحلى أن يكون هذا المبدأ مبنيا على المحبة في الله ولله
    فأن الورع في الجهاد المستمر ,وليس في العيش أمنا في الزوايا المنسية
    والجهاد ليس في ساحات الوغى والحرب كما سنفهم فقط ,لكنه في كل مجالات الحياة,, كالعلم مثلا
    ولكن ,خير للمرئ أن يكون رقما منسيا ,,من أن يقلد الجهاد تقليدا, دون مبدأ يؤمن به, فيتسبب بالأذى لغيره
    شكرا لك أخي
    جميل هذا النص ورائع
    ماسة

  9. #9
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    نموذج منتقى بنهارة عارف لشاب من قرن كان الإباء شيمتهم والشمم ديدنهم
    ومثل طرفة بظني - والله أعلم به- لو أدرك الاسلام لما مات على غيره

    خاطرة رائعة وطرح بعيد المرامي

    دمت بألق أديبنا

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    يسرني - إخوتي الاكارم - ان وقفتم على صورة من حياة الجاهلية القديمة ، تتبعها صورة من الجاهلية الحديثة .....
    وصورة لرجالنا الذين عرفواالمعنى الحقيقي للحياة ، فأناروا جنباتها بنور الحق والإيمان ............
    لكم خالص تحياتي القلبية ... مع طاقة عبقة من ورد الأنوار المعرفية

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. بيني وبين طرفة بن العبد
    بواسطة حسين الطلاع في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 12-11-2018, 12:37 PM
  2. شاهد كيف يكون العالم دون مهندسين-طرفة علمية
    بواسطة د. محمد صنديد في المنتدى عُلُومٌ وَتِّقْنِيَةٌ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 08-03-2006, 12:53 PM
  3. طرفة جميلة عن أشعب
    بواسطة عطية العمري في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 08-11-2005, 08:39 AM