عند المساءات ألتحف النعاس و أستجدي النوم أن يغمرني بالأمان،كي لا تنقض عليّ براثن الحنين؛فليل الشتاء ثقيل،طافح بالوجع،و متواطئ مع الذكرى،فحين يوجعني الفقد أضم نفسي إلي، أتوسد ذاكرتي و أنام؛و ليت الكرى بمسعف قلب تلوكه الآهات و تقضم ضلوعه ألف غصة.. تنهال عليّ نبال الحنين من كل حدب فتدميني ،و تعصف بي ريح اللوعة ،فأستمسك بحبال الصبر و أكتم صرخةً كلّما صعدت إلى فوهة الحلق وأدتها بقبضة الصمت..لكنها لا تموت؛ سرعان ما تنبعث فيها الحياة من جديد، يهيج الوجد ، فتنهض الدمعة من مكمنها.تغرز الصرخة أنيابها في حنجرة البوح فتخذلني الآهات .. أفرّ بوجهي منّي إلى حضن الورق.أبثه زفراتي،و أكفكف بكفيه دمعي.
فيا صاحبي حرفي المعتّق بالحزن يقتات من وجعي،و يشرب من أنفاسي، ألفتْ طعمه الحائر شفاهي،فالوجع متغلغل في المسامات، مقيم تحت جلدي يستفز الوريد، و كلّما عربد في دمي ،سكبتُه بين السطور عرقا،و وقّعته على الدفتر بنبض القلب.و كتبتُ بالآهة الصاعدة من جوفي: هنا دفنت الألم..كي يولد من رحم الحزن فرح لقلبي..
و أدّعي الفرح،فالادّعاء للمتوجّع شفاء،ثمّ أني أرتّق ثوب البسمة بخيط الأمل،لأرتديه في وجه الشامتين،
نكاية بالخيبة أكتب عن الصبر كي أحبّه أكثر،فالصبر قوت المتعبين البؤساء يأكلونه بنهم،و هو شراب بديل للمدمنين على نبيذ الرخاء؛ يتجرّعونه على مضض،
نكاية بالحبّ المطعون بسكين الغدر؛ أكتب أني عاشقة،فالعشق قمح الحالمين،اِن لم يصنعوه رغيفا،كتبوه شعرا قوتًا للعاشقين،
نكاية بالحلم الغريب كظلّي،تارة على مقاسي و تارة أخرى أطول منّي؛أكتبُ أنّ الخيال درب الموءودة أحلامهم في أرصفة التعقّل،لو قال العقل صمتّا..قال الخيال للقلب تكلّم،اقفز،و حلّق..هنا لا حدود للتحليق.
يا صاحبي ذاكرتي المسكونة بالوجع تذّكرني بالحب و الحلم و الحسرات،لكنّها تلهمُ القلم و تحرّر الحرف من قيود التأسّف و الندم،فالذكريات ملح الجراح.قد تزيد الجرح تفتّقا،أو تكون مصلا مفعوله طويل،يعالج القلب من كمد،أو نصلا يقطع رأس الحنين،لو أطلّ الغدر من ثقب الذاكرة يذكّرنا بطعنة قديمة.فلنكتب فالحرف تأريخ لِلَحظة قد تحوكها الأيّام مجدّدا بنفس النّسيج لكن بلون مختلف.