في كل مرة .. لم تكد تصفو أيامنا حتى تخترمها عادية أخرى من عوادى الدهر .. كنت أحلم ببيت مسقوف .. فلما أظلني سقفه مات أبي ؛ لأنه في علم المصريات إما أن تلهث نَصَباً ؛ فتصل الليل بالنهار ليكون لك بيت صالح للسكنى وإما أن تعيش ..!
فأحرزت بيتا مسقوفا صالحا للعيش ولا أزال حيا ..!
عشت .. حتى إذا آذنت الفجيعة بانقضاء ..تعللت أمى من أشياء (بسيطة) .. ربما كانت تصر من قبل على عدم البوح بها ، لتوفر لنا مساحة أعرض من الهدوء والطمأنينة ..
فلما بلغ الأمر منها مبلغا ؛ تبدّى رغما عنها ما كانت تخفيه وتقصيه ، ارتسمت آثار ذلك على ملامحها فهمدت حركاتها شيئا ...
..... قاوَمَت ولم تزل ، حتى بقى لديها كُلْية معطوبة بعد توقف الأخرى ... ولله الأمر من قبلُ ومن بعد .
لم أستطع فعل شئ حتى لأخي الأصغر الذى أودع في السجن (هناك ) منذ فترة طويلة تمهيدا لترحيله إلى مصر ..
ضربت في الأرض سعياً ، وخلّفت مع أمي أخي الفتي الذي تحسنت مِشيته شيئا ما ، بعد التئام ٍجزئي لقدميه المكسورتين ، وعقبيه اللذين تفتتا إثر سقوط مدوٍ من علٍ .. خلّفته معها ليقوم على أمرها ..!
لم ألبث سوى بضعة شهور حتى عدت أدراجي من أقاصي الأرض فزعا مذعورا؛ لأحضر جنازة أخي الشاب الفتىّ الذي لم تكد تتحسن مشيته حتى لاقى ما يلقاه كثير من جيراننا .. دهسته سيارة حقيرة على طريق غبي (صُنع في مصر )
عدت ولا أبالى بقصور العصب السمعي، والطنين المستمر في أذنيّ .. ومن خلف العتومات المزمنة التي عششت في عيني ، والدموع التي تنساح على وجهي ، استطعت أن أرى أمي ، وأرى زهرتين خلّفهما أخي، اطمأننت على أحوالهم ..
سافرت ، ثم عدت بعد أشهر ؛ لأمكث دهرا واقفا في طابور مصري طويل من أجل حجز تذكرة دخول إلى قسم جراحة التجميل ، وأنا أتساءل طيلة الوقت :هل حقا سيتمكن الطبيب - أي طبيب - أن يعالج رأس ابن أخي الراحل بعد أن ذابت مساحة كبيرة من فروة رأسه وسقطت مع جلد صدغه الأيمن على إثر مقلاة زيتٍ مغلىٍ انكفأت عليها .؟!
.... لا محيد عن الصبر، ولا أمل إلا في الرضا بما تصرّف به القضاء ..
من يدري لعل أموري يوما أن تتحسن فأشتري لنفسي جهازا لمراقبة داء السكري ... كالذي اشتريته لأمي منذ أشهر قليلة ..!