جَعَلتُ فِداكَ الرُّوحَ
جَعَلتُ فِداكَ الرُّوحَ يا سيّدي فَخْرا
وَرتَّلْتُ آياتِ الولاءِ لَكُمْ شِعْرا
وفارَقْتُ ماضيِّ الذي كان صادِحًا
لِغَيْرِكَ واسْتَعْذَبْتُ في مَدْحِكَ الأجْرا
حنانَيْكَ عَنْ عُمْرٍ تَقَضّى، وَساعَةٍ
بِها كُنْتُ عَنْ مَغْناكَ في حَضْوَةٍ أُخرى
إذا الليْلُ بالتَقْصيْرِ أثْقَلَ كاهِلي
فإِنَّ نَداكَ العَذْبَ نَوّرَ لي البَدْرا
وَبيْ نَدَمٌ لا يُرتَجى حلوُ بُرْئِهِ
إذا أنْتَ لَمْ تَصْفَحْ، وَدَهْريَ بيْ أزْرى
أتَيْتُكَ مُلتاعًا تَشَظَّتْ دُرُوبُهُ
أُرَدِّدُ آيَ التَوْبِ في حَيْرَتيْ جَهْرا
أتَيْتُكَ والعفو الجَميْلُ بخاطِري
يُعَلّلُ هذي النَّفْسَ في بَوْحِهِ سِرّا
أتَيْتُكَ ظَمآنًا تَفيْضُ بِلَوْعَةٍ
دُموْعٌ ـ مِنَ الأشْجانِ في مُهْجَتي ـ حَرّى
أتَيْتُكَ يَحْدوني الحَنيْنُ لِرَوْضَةٍ
بِها كُنْتُ قَدْ خَلّفْتُ أحْلاميَ الغَرّا
فَجُدْ سَيّدي بِالعَفْوِ حلمًا لِتائِبٍ
إلَيْكَ بِكُلِّ الشّوْقِ في حُبِّهِ أسْرى
إلى طَيْبَةِ المُخْتارِ يَمَّمْتُ وجْهَتي
لَعَلّي بِذاكَ الرَّوْضِ أنْ أُطْفِأ الجَمْرا
تَعلّقَها قَلبي وَقَدْ كُنْتُ يافِعًا
تُرَوِّحُ لي نَفْسًا بِها القُبَّةُ الخَضْرا
بِلادٌ أتاها الغَيْثُ بَعْدَ تَعَطُّشٍ
بأحْمَدَ فاخْضَرَّتْ بأرجائِها البُشْرى
على سَفْحِها قامَتْ هناكَ حَضارةٌ
بِها "قَيْصَرٌ" وَلّى، وَدانَ لها "كسرى"
وَتاهَتْ بِها الأيّامُ فَهيَ خَوالِدٌ
وَأُغْرِمَ أهْلُ الأرضِ في حُبّها طُرّا
وَرَدَّدَ فيْها النّاسُ لَحْنَ خلودِهِمْ
وَقَد كَتَبوا للدّهْرِ مِنْ فَخْرِهِمْ سِفْرا
بأحْمَدِنا هذا الوجودُ مُهَلّلٌ
وَمِنْ هَدْيهِ الأعْوامُ نَوّرتِ الدّهرا
تَتيْهُ بِكَ الأيامُ يا خَيْرَ مُرْسَلٍ
وتُزْهى بِكَ الدُّنْيا فَتَملَؤها عِطْرا
أتَيْتَ وَوَجْهُ الأرضِ بالخِزْي طافِحٌ
فَنَوّرْتَها سَعْدًا، وزادَتْ بِكُمْ قَدْرا
تَضَوَّعَ فيْكَ الليْلُ، وَالجَهْلُ أدْبَرَتْ
كَتائِبُهُ، والخَيْرُ أيْنَعَ، واسْتَمْرا
وَقَدْ خَصَّكَ الرّحْمنُ بالذِّكْرِ شاهِدًا
وَكادَ لَكَ الأعْداءُ في خُبْثِهِمْ جَهْرا
صَبَرْتَ على البلوى نَبيًّا، وَمُرْسَلا
وَلَوْ شِئتَ كانَ التُرْبُ في هَدْيكُمْ تِبْرا
وَرَوّضْتَ أحْلامَ الرّجالِ فَأيْنَعَتْ
بِهِم زَهْرَةُ التّوحيْدِ، واسْتَهْجَنوا الكُفْرا
وَقُدتَ بِديْنِ اللهِ لِلمَجْدِ أمّةً
بِها العَبْدُ أمْسى مِنْ سَماحَتِكُمْ حُرّا
تَحُوطُكَ يَوْمَ الرّوْعِ صيْدٌ أشاوِسٌ
لَهُمْ خَلّدَ التاريْخُ بَيْنَ الورى ذِكْرا