الرّؤى الفنّيّة للشّارة الكشفيّة العالميّة

بقلم: حسين أحمد سليم

الكشفيّة حركة تربويّة خلويّة عالميّة, تُعنى بتنشئة الأطفال من كلا الجنسين, خارج الأطر المدرسيّة وروضات الأطفال التّقليديّة, من عمر الخامسة أو ما دون غالبا, وحتّى سنّ الثّامنة عشر, كمراحل أساسيّة, وما بعدها للقادة والخبراء وحتّى سنّ الكهولة... وتعتمد الكشفيّة في منظوماتها على التّلقين بالمحاكاة, وبالتّرفيه والتّسلية وألعاب الخلاء في رحاب وأحضان الطّبيعة... وقد أسّسها وأرسى قواعدها الأولى, ضابط إنجليزي في بدايات القرن التّاسع عشر الميلادي, إنطلاقا من تجربته بإجراءات ميدانيّة لبعض الضّرورات التّواصليّة العسكريّة والأمنيّة في البوير بأفريقيا... فيما تجدر الإشارة إلى أنّ ما تنطوي عليه الكشفيّة اليوم, من ترشيدات وهدي وتحفيز على ممارساة المهارات والفنون والتّحلّي بالمناقب والأخلاق والفروسيّة وغيرها... كان سائدا ومعمولا به ومعتمداً عند العرب في سالف الأيّام, ومن يتعمّق في هدي وإرشادات الدّعوة الإسلاميّة, وما سبقها من دعوات روحيّة سماويّة, تتجلّى له معالم كثيرة, أتى الإسلام على ذكرها في القرآن, تحضّ وتحفّز على العمل بما دعت له كشفيّة بادن بّاول لاحقاً... ومن المعتقد, وهو ما أجزم به, أنّ بادن بّاول الإنكليزي, كان على إطّلاع على معالم ورؤى الدّعوة الإسلاميّة, وممّا لا شكّ فيه أنّه إطّلع على ما في القرآن الكريم من هدي وتحفيز لممارسة المهارات المختلفة, والفنون المتنوّعة, وعلى أسس تربويّة خلويّة في أحضان الطّبيعة... وهو ما حفّز تفكيره العسكري ميدانيّا, لإبتكار أسلوب كشفيّ ميدانيّ, يعتمد على الأطفال والفتية في حركات أفعال التّواصل اللازمة... ثمّ عكف على الإستفادة من طاقات الأطفال والفتية والشّباب لاحقا, فأسّس الحركة الكشفيّة التّربويّة, التي تنطلق بالصّغار من المحاكاة واللعب والتّسلية في أحضان الطّبيعة...
ومع بدايات الكشفيّة ونشأتها, والمضيّ في تطوّرها التّربوي الخلوي, وشيوعها وإنتشارها في أقاصي الأرض, ودخولها غالبيّة الأقطار والدّول... كان لا بدّ من إبتكار شعار أساسي خاصّ يدلّ عليها, وهو ما حدا ببّادن بّاول كمؤسّس للكشفيّة, من أن يقوم بتصميم الشّعار الكشفى العالمي, الذي أتى فريدا في تصميمه الفنّي وإبتكاره التّشكيلي... ويُمثّل هذا الشّعار زهرة الزّنبق المعروفة, التي تُشير إلى الشّمال في الخرائط والمخطّطات الجغرافيّة القديمة وحتّى الحديثة, وغالبا ما كانت الزّنبقة تُشكّل قاعدة البوصلة المغناطيسيّة التي تُشير إلى الشّمال المغناطيسي... ويُشير هذا الشّعار المبتكر من بتلات الزّنبقة, إلى إلتزام الكشّافين والثّقة بهم إلى أكثر حدّ, و هو يُذكّر الكشّافين بأن يكونوا موثوقين كالبوصلة, التي لا تدلّ إلاّ إلى الشّمال... فهم يجب أن يحترموا الأهداف الكشفيّة ويعملون بها, ويقومون بمساعدة الآخرين فى معرفة الطّريق القويم...
وتُمثّل الثّلاث بتلات للزّنبقة بالشّعار الكشفي العالمي, الواجبات الثّلاث التى يجب إتّباعها من قبل جميع الكشّافين في جميع أنحاء العالم, وهي: حقّ الله, وحقّ الآخرين, وحقّ النّفس... أمّا النّجمتان الخماسيّتان الموجودتان بالشّعار فتمثّلان الصّدق والمعرفة, وتُمثّل أيضاً العشر نقط للنّجوم, البنود العشرة للقانون الكشفي...
الشّعار الكشفي دائريّ الشّكل, والدّائرة دليل التّماسك والتّعاضد والتّكامل, ولونه أبيض ذو خلفيّة بنفسجى, ولهذين اللونين مدلولاتهما في التّفسيرات الفلسفيّة والنّفسيّة عبر التّاريخ... ففي أعلام النّبلاء يُشير اللون الأبيض إلى النّقاء والطّهارة والقداسة, أمّا اللون الأرجواني البنفسجي, فهو يُشير إلى الحكمة والنّضوج وتحمّل المسئوليّة و إلى المساعدة المقدّمة للغير من دون منّة أو مقابل...
ويدور حول بتلات زهرة الزّنبقة, حبل على شكل دائري منظم, مُحكم ينتهي في أسفل الزّنبقة بعقدة مربّعة... ويُشير هذا إلى وحدة الحركة الكشفيّة, ورباط الأخوّة بين أعضائها حول العالم... و كما انّه يستحيل أن تنفلت العقدة المربّعة, فالحركة تبقى متّحدة و هي تتطوّر نحو الأفضل وتسمو بكشّافيها نحو العلا...
هذا التّصميم الفنّي الجميل التّشكيل المشتقّ تعبيريّا وترميزيّا من زهرة الزّنبق, والذي إختيرت ألوانه بكثير من الحكمة والدّقّة والدّراية, والهادف بما يكتنز به من أهداف سامية, يبسط ويكتنز بمدلولات الشّارة الكشفيّة العالميّة... إضافة إلى أنّ هناك عبارات مهمّة و ذات معنى و دلالات تاريخيّة أكيدة في بعضها, و دلالات معنويّة في أخرى!!!
وللإضافة فإنّ الشّرح الأوّلي الذي وضعه بادن باول حول الشّارة الكشفيّة, لا يختلف عن الشّرح الحالي كثيرا... إلاّ أنّ النّجمتان و إضافة لمعناهما الحالي, فقد قال: أنّهما تذكّران بالشّبل الذي يجب أن يفتح عينيه قبل أن يكون كشّافاً... فما إن يصل إلى مرحلة الشّبل ذو النّجمين و هي المرحلة التي تسبق مرحلة الفتيان, فسيكون قد صار في إمكانه أن ينتبه و يفتح عينيه...
أمّا البتلات الثّلاث للزّنبقة, والتي ترمز حالياً إلى مبادئ الحركة الكشفيّة الثّلاث: الواجب نحو الله و نحو الآخرين ونحو الذّات, فقد كان بادن باول يقول: أنّها ترمز إلى بنود العهد الكشفي الثّلاثة, وهي: أن يقوم الكشّاف بواجبه نحو الله, و أن يساعد النّاس في كلّ الظّروف, و أن يعمل بقانون الكشّاف... وقانون الكشّاف يتكوّن من بنود عشرة, تُشكّل النّظام الكشفي العالمي, الذي يجب على كلّ كشّاف الإلتزام به, وهو ما يخلق تلك الأسرة العالميّة المميّزة...
هذا وقد إجتهد الكثير في وضع شروحات كثيرة وتفسيرات شتّى, لمدلولات الشّارة الكشفيّة العالميّة, أتت في غالبيّتها متطابقة, و تقترب كثيرا, التّفسيرات والشّروحات من بعضها البعض... و لا تجد بينها إلاّ بعض الاختلافات البسيطة, والتي لا تؤثّر في أصل وأساس الموضوع... هذا وقد إبتكرت كلّ دولة, شعارها الكشفي مع الإحتفاظ بروحيّة شكل بتلات الزّنبقة, وكذلك إبتكرت كلّ جمعيّة كشفيّة, شعارها الكشفي الخاصّ بها والمميّز لها, مع الإحتفاظ كذلك بروحيّة وشكل بتلات الزّنبقة...
هذا وتجدر الإشارة إلى أنّ الشّروحات التي سبق وتحدّثنا عنها في هذه المقالة, هي من وحي المدلولات الرّسميّة المعتمدة من قبل المنظّمة الكشفيّة العالميّة, و الموثّقة و المنشورة رسميّا بتاريخ تشرين الأوّل من العام الميلادي 2006 و هو ما تمّ إقتباس روحيّة هذا النّصّ الرّسمي العربي, كما ورد في موقع المنظّمة الكشفيّة العالميّة...
وبادن باول, هو مؤسّس الحركة الكشفيّة واسمه الكامل ( روبرت ستيفن سميث بادن باول ) ولد بلندن سنة ( 1857 )م في 22 شباط و توفي بكينيا في 8 كانون الثّاني ( 1941 ) م انخرط في صفوف الجيش الانجليزي و شارك في حروب كثيرة بأفريقيا و الهند أشهرها حرب البوير بجنوب أفريقيا التي انتقلت منها لديه فكرة تكوين الحركة الكشفيّة. و ذلك عندما حوصرت حاميته في مدينة مافكينغ من طرف قبائل البوير وعجزت حاميته القليلة العدد عن حماية المدينة. فأضطرّ بادن باول إلى جمع الفتيان و الفتيات و درّبهم على أعمال الدّفاع المدني ليترك الفرصة لكافة جنوده بأن يواجهوا العدوّ و بفضل ذلك تمكّنت المدينة من الصّمود طيلة 217 يوما من الحصار إلى أن وصلت إليه التّعزيزات و عندما رجع إلى إنجلترا كوّن أوّل فرقة كشفيّة سنة 1907 م ثم نودي بة قائد كشّافة العالم سنة 1920م في أوّل جامبوري دولي للكشّافة. ومن أشهر كتبة معينات الكشّافة – الكشفية للفتيان...
والحركة الكشفيّة, هي حركة تربويّة للفتية و الشّباب ذات طابع تطوّعي غير سياسي و هي مفتوحة للجميع دون تفرقة في الجنس أو السّنّ أو اللون أو العقيدة و برامجها تتماشى وفق الأهداف و المبادئ و الطريقة التي و ضعها مؤسّسها .
كانت الحركة عند نشأتها سنة 1907م موجهة للفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 11 – 17 سنة ثم شملت المرشدات سنة 1909 و في سنة 1914 ظهرت حركة الأشبال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 – 12 سنة و تم الاعتراف بها كقسم تابع للحركة سنة 1916 ثم ظهرت حركة الجوالة خلال سنة 1918 م و بذلك انقسمت الحركة إلى ثلاث مراحل سنية ثم أستحدث بعد ذلك مرحلة الكشّاف المتقدّم فمرحلة ما قبل الأشبال عن طريق المؤتمرات الكشفيّة العالميّة. ظهرت الحركة الكشفية في البلاد العربية لأول مرة بلبنان سنة 1912 م عندما أسّس الاستاذ / محمد عبد الجبّار الخيري بتشجيع من الشّيخ / محمد توفيق الهبري أوّل فرقة كشفيّة عربيّة بدار العلوم تحت اسم الكشّاف العثماني...