إبتكار مدرسة الرّسم الفنّي العنكبوتي

بقلم: حسين أحمد سليم

قضيت ردحا زمنيّا مديدا, أعطي الكشفيّة التي إنتسبت لها طفلا, أعطيها من إهتماماتي, وأمارسها بإستدامة في يوميّاتي, وأشارك في نشاطاتها الخلويّة أيّام العطل الأسبوعيّة والفراغات, وأعيش في مخيّماتها الصّيفيّة والرّبيعيّة, وكنت أتابع وأراقب عن قرب وكثب, لحياة الكثير من الطّيور البرّيّة والحيوانات والزّواحف والحشرات والفراشات والأزهار والأشجار والنّباتات وحركة المياه في القنوات والينابيع والأنهار... وأقوم بتسجيل ملاحظاتي في دفتر خاصّ لهذه الغاية, مع رسومات توضيحيّة وصور فوتوغرافيّة, تُساعدني في تقديم هذه الشّروحات وصورها التّوضيحيّة للعناصر والفئات المستهدفة في الحركة الكشفيّة, التي مارست التّدريب والقيادة الفنّيّة والإداريّة فيها, إلى جانب إدارة الشّؤون الإعلاميّة وشؤون الدّراسات وتبسيطها لمتناول الكشّافة بمختلف أعمارها ومراحلها... ومع التّطوّر في إستخدام الحاسوب الشّخصي وبرمجيّاته المتطوّرة, وكذلك مع شيوع إستخدامات الهاتف الخلوي الذّكي وبرمجيّاته الملحقة به... إستطعت أن أقف مطوّلا أمام العديد من مسارات حياة بعض الحيوانات والطّيور والحشرات والزّواحف والفراشات والنّباتات وغيرها من الينابيع ومجاري الأنهار... وأكثر ما أثار إهتماماتي الكشفيّة ومراقباتي, وحفّزني على المضيّ قدماً في البحث والتجريب والمتابعة, عالم النّمل في بناء سراديبه بحرفيّة فنّيّة مميّزة تحت التّراب... وعالم النّحل في تشكيل أقراصه, التي يستخدمها لحفظ العسل والشّمع في فجواتها الهندسيّة, المصمّمة بنمط هندسيّ دقيق, تعتمد المضلّع الهندسي السّداسيّ الشّكل...
هذا وكثيرا ما لفتتني قطرات النّدى والطّلّ على أكمام الورود والنّباتات والتي تعكس جماليّات فنّيّة مميّزة, وهي تتماهى برّاقة تحت أشعّة خيوط شمس الصّباحات... فعكفت على ترجمتها في لوحات ومشهديّات فنّيّة بالرّيشة المعدنيّة والحبر الصّيني...
وكان لحشرة العنكبوت, بمعزل عن عنكبها العاقر, كان لها دورها الكبير, الذي أخذ من إهتماماتي الكثير, وحرّضني بإستمرار وإستدامة, لمتابعة هذه العنكبوت حيث هي, وهي تقوم بنسج وبناء بيوتها الواهية, من خيوط حريريّة خاصّة, تفرزها من أثداء في بطنها, بمزيج كيميائيّ فريد من نوعه, لتبني به بيتها بعلوم فيزيائيّة مميّزة وفريدة من نوعها كمصيدة وفخّ لفرائسها, إضافة للفنّ الهندسي التّشكيلي في نسج شبكتها على أسس هندسيّة متكاملة...
أشكال وأنماط شبكات بيوت العنكبوت الواهية, لفتتني كثيرا, ممّا دفعني قناعة ذاتيّة للوقوف عند تفاصيلها الدّقيقة, ومتابعة كيفيّة مجريات تنفيذها, بدقّة وحنكة ودراية من قبل تلك الحشرة الصّغيرة, التي أتى ذكرها في القرآن الكريم, والتي لا تلتزم بأشكال الحياة الإجتماعيّة التّقليديّة ظاهريّا, لحكمة في خلقها نجهلها, والتي إليها يُنسب وقوفها ومعاضدتها, للنّبي محمّد ونصرته وصاحبه, كفنّانة تشكيليّة قامت بتشكيل لوحتها الفنّيّة من خيوطها الحريريّة بحياكة بيتها الواهي, وذلك عند مدخل الغار الذي لجأ إليه النّبي محمّد وصاحبه تخفّيّا من الأعداء الذين يُلاحقونه, بحيث إستطاعت العنكبوت الحشرة الصّغيرة, بما أوحى لها الخالق من لدنه, من تضليل الأعداء وحراسة ملجأ النّبي محمّد وصاحبه داخل غار ثور في جبل حرّاء, بحيث تكون حشرة العنكبوت الصّغيرة الحجم والتّكوين, أوّل فنّانة تشكيليّة من غير البشر, ساهمت وحياً سماويّا في نصرة الرّسول وصاحبه...
من العنكبوت هذه, تعلّمت مباديء وفنون الرّسم الهندسي الدّقيق, وكيفيّة التّشكيل الفنّي المميّز للمشهديّات واللوحات المميّزة, بكثير من الصّبر والتّركيز وبذل الجهد... ومن العنكبوت تعلّمت فنون وأسس ومباديء القواعد الهندسيّة الإنشائيّة, لإقامة الصّروح وهياكلها القويّة المتماسكة... ومن العنكبوت كذلك تعلّمت فنون العمليّات الكيميائيّة في الخلق والإبداع, وحيث يتطلّب الأمر, فكانت دليلي إلى مزج الألوان ببعضها لخلق اللون الهجين والجميل... ومن العنكبوت أيضاً تعلّمت أساليب وحيل الفنون الفيزيائيّة, حيث يجب أن تُمارس بحنكة علميّة, ودهاء تجريبيّ وكيديّة إيجابيّة... وهي هي تلك العنكبوت التي تقترن بعنكبها وتأكله بعد عمليّة التّزاوج لحكمة خفيّة, حيث لا تتوالد صغارها وتتغذّى إلاّ بهكذا إجراء... هذه العنكبوت التي تختفي عن الأنظار في جحر أو وكر لها من صناعتها, وتُمارس فنون الصّيد لفريستها التي تقع في شباكها العجائبيّة, وتُمارس اللدغ السّامّ والقاتل لمن يقترب منها, ويُحاول إيذائها أو تخريب بيوتها الواهية... تلك العنكبوت هي المعلّمة والمهندسة الكبرى في تلقيني فنون الرّسم والزخرفة الهندسيّة, وهي الأستاذة الفنّيّة التّشكيليّة المميّزة, التي علّمتني فنون التّشكيل الفنّي... ومنها تعلّمت ما لم أتعلّمه على مقاعد الدّراسات الثّانويّة والجامعيّة والتّخصّصيّة, ومنها تلقّنت ما لم يستطع أن يُلقّنني إيّاه كبار الفلاسفة والمخترعين والمبتكرين والمبدعين والصّانعين... ومن فنونها التّشكيليّة وهندستها الدّقيقة لشبكات بيوتها الواهية من خيوطها الحريريّة الكيميائيّة المفرزة من أثدائها, إستطعت أن أستلهم وأستوحي, مباديء فنون الرّسم التّشكيلي العنكبوتي, وعكفت على وضع أسسه وتحديد مباديء هذا الفنّ, بعد تجارب عديدة وممارسات كثيرة, حملتني على صهواتها, لتصل بي بعد جهد وتعب وكدّ وصبر طويل, إلى إبتكار مدرسة فنّيّة عصريّة مستحدثة, محاكاة مع الفنون التّشكيليّة العنكبوتيّة, فكانت مدرسة الرّسم الفنّي العنكبوتي... التي إستطعت تشكيل ورسم وإبتكار مئات اللوحات والمشهديّات العنكبوتيّة, بإستخدامات الحاسوب الشّخصي وبرنامج الرّسم الهندسي الكادي وبرنامج التّشكيل التّصويري الفوتوشوب... من رحم مدرسة الرّسم الفنّي العنكبوتي, التي أوحى لي بها الخالق, رحمة ومودّة وتكريما من لدنه, لحكمة أجهلها, فإبتكرتها وأرسيت قواعدها وأسسها ومبادئها ومساراتها... فسبحانه على ما أوحى وسبحانه ما أعدله فيما أوحى لعبده الفقير لرحمته, التي وسعت كلّ شيء رحمة وحكمة وعدالة...