أخبرته كاتبته الخاصة، أن شركته العملاقة لإنتاج الآلات الإلكترونية سترفع يوم السبت السرية عن اختراع مذهل. سيحدث نقلة نوعية في الخدمات الإنسانية. ستقدمه للجمهور في حفل غير مسبوق، بأضخم منتجع في العالم.
شيد السيد أخيل إمبراطورية صناعية باذخة، حققت نجاحات باهرة. بناء هذا الصرح الأسطوري، كان على حساب حياته الخاصة.لا مكان في دنياه للمتعة،و قلبه صخرة صلدة تهشمت عليها أحلام الكثير من منافسيه. في السوق لا مكان للرحمة. مزق خصومه. هد قلاعهم. بدد طموحاتهم.حتى كاتبته الباهرة الجمال، لا يلتفت إليها إلا حين يريد أن يصدر أمرا، أو يؤنبها عن خطأ كاد يكلفه الكثير.يعيش وحيدا في ضيعة مترامية الأطراف،لا يسمح لأحد بزيارتها، إلا إذا كان الأمر يتعلق بالعمل.
في اليوم الموالي لإشهار الابتكار الباهر،فاجأته الكاتبة ممدا في الصالون.عندما صافحته كانت الفرحة تغمرها كليا.لم تتأخر في تقديم المفاجأة التي تخبئها.فتحت الصندوق الحديدي الضخم،و بادرته بالكلام:
- من بين كل الربوهات التي قدمناها في الحفل ذكورا و إناثا،اخترت لك هذه الفاتنة، تقوم بوظائف المنزل بذوق ارستقراطي رفيع، لقد سميتها هيلين. لديها مؤهلات متعددة، ستكون لديك الفرصة لاكتشافها تدريجيا.
بهرته بوسامتها، و تناسق مظهرها،و الاختيار الموفق لألوانها،استبد به الإعجاب، فهمس:
- لقد صب فيها مهندسو الشركة كل قدرتهم على الخلق، يا لروعة ما أبدعت أناملهم! تكاد تكون غادة حقيقية.
نظرت إليه الكاتبة بفخر، و استرسلت في تعداد مزاياها بحماسة بالغة:
- لقد اعتمد المهندسون في مظهرها على مقاييس الجمال في كثير من الثقافات، لتبهر الناس في كل أنحاء العالم، لم يريدوها مجرد آلة منفرة، بل أرادوا لها أن تكون تحفة نادرة، تضفي على الوسط الذي تتحرك فيه رونقا لا يضاهى.
ضغطت الكاتبة على زر التشغيل. بسرعة فائقة حددت هيلين مكان المطبخ،و أعدت فنجاني قهوة لم يسبق لأخيل أن احتسى واحدا بمثل مذاقهما.
في المساء، عندما ولج قاعة الأكل،كانت المائدة تفوح بروائح زكية، لا عهد لأنف أخيل بمثل عبقها .دعته للجلوس.و ضعت شمعدانا جميلا قبالته.أشعلت الشموع الملونة.أطفأت الأضواء،ثم وقفت تتأمله و هو يتلذذ بما أعدته من وجبات مبتكرة بالكامل. بدا لها أنيقا، وكِبر سنه لم ينل من وسامته.مازال قادرا على إحداث رجات عنيفة في قلوب العذارى. حين قام من خلف المائدة، قدمت له وردة حمراء.أمسكت بيده، و قادته إلى شرفة القصر، حيث ينتظره كأس شاي معطر. و موسيقى هادئة. قبل جلوسه على الكنبة التي أعدتها هيلين بعناية فائقة، شكرها على ما أضفته على حياته من تجديد.إطراؤه شجعها على مد يديها، و الشروع في تدليك عنقه بحركات رقيقة،ربما قصدت أن تثير فيه قشعريرة لذيذة،و تحيي بداخلة مشاعر ماتت من فرط ما خاض من غزوات.لم يستسغ جرأتها.انفلت من بين يديها.رماها بنظرة حادة. فهمت مضمونها،و غادرت الشرفة :
- يا له من كائن غريب الأطوار! نموذج رجل الأعمال المتزمت.لم يتقن في حياته سوى الحروب الضارية،فتبلدت أحاسيسه، و نضب معين مشاعره.
باتت تربك السيد أخيل بتصرفاتها. لاسيما عندما ضبطها تتلصص عليه في الحمام،و تسترق السمع لحركاته،و همساته من خلف باب غرفة النوم:
- ألهذه الفاتنة الآلية أحاسيس إنسانية!؟ تدفعها للتقرب مني بشكل يهدم كل الحواجز الرسمية التي يجب أن تكون بيننا.
مع انفتاح أول نافذة للصباح على الضيعة، كانت الكاتبة في الصالون تنتظر.تراقبها هيلين بقلق بالغ،و الأسئلة تتناسل في أعماقها عن السر الكامن في هذه الزيارة المبكرة،و في ذلك الصندوق المنتصب أمام الخزانة.عندما نزل السيد أخيل من غرفته، تجاهل الكاتبة، و توجه نحو الصندوق. فتحه... ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة لا تخلّ بمظهر الوقار الذي يحب أن يكون عليه دائما....ثم التفت إلى الكاتبة:
- فتى وسيم. يليق أنيسا عذبا لهيلين.سأسميه "باريس"
ضغط على زر التشغيل.نظر باريس مباشرة نحو هيلين. مازالت صورتها المشرقة منقوشة في عينيه، عندما مرت أمامه أول مرة في حفل الاستعراض. توجه نحوها.لم تعره أي اهتمام.غادرت المطبخ،و جلست في الشرفة المطلة على الحديقة. أصيب باريس بصدمة عميقة.لأن هيلين تتحاشى التواجد معه في المطبخ.و تتجاهل كل الإشارات الرقيقة التي يرسلها.في حين تستجيب لطلبات السيد أخيل بحماسة كبيرة، تؤجج نار الغيرة في أعماقه. صارت تصرفاتهما مريبة تبعث على القلق. بات معها السيد آخيل مجبرا على حساب خطواته، و تدقيق حركاته حتى لا يغضب من جهة هيلين، و لا يثير حنق باريس من جهة أخرى.
وجد نفسه محشورا بين سندان مشاعر مستحيلة،و مطرقة غيرة حارقة يتعذر التنبؤ بعواقبها.دخل غرفة نومه مستشيطا، أجرى مكالمة بنبرة حادة.
عندما وصلت الكاتبة، كان السيد آخيل ملقى على الأرض، مضرجا بالدماء!؟