إنهم من الجن
أقصوصة
نزار ب. الزين*
*****
ضج أصحاب المزارع من تكرار سرقة عجولهم و أغنامهم ، جندوا الحراس ، أكثروا من الكلاب ،
ثم ....
طلبوا حماية (مخفر الدرك)* و لكن هؤلاء و اؤلئك عجزوا عن ضبط اللصوص ،
جُن جنون قائد مخفر الدرك ، فأمر رجاله باعتقال المشبوهين .
ثم ...
باعتاقل حراس المزارع بتهمة التواطؤ ؟! ..
جوعوا هؤلاء و اؤلئك ، حرموهم من النوم ، أوسعوهم ضربا و تعذيبا .. دون أن يصلوا إلى اية نتيجة ،
ثم ..
صارت أخبار اللص الشبح أو اللصوص الأشباح على كل لسان ..
و بدأت الشائعات من كل لون تنتشر انتشار النار في الهشيم ،
إلى أن أبدى إمام جامع القرية رأيه الحصيف ، فقال :
" اللصوص أيها الناس ليسم بشراً ، إنهم من الجن ! "
و منذ تلك اللحظة ، امتنع الناس عن التجول في القرية بعد غياب الشمس ،
فاليوم يخطف الجن العجول و غدا قد يخطفون الأطفال ، و ربما النساء و الرجال ...
و نشط من ثم سوق المشعوذين و العرافين ، يكتبون الأحجبة و يقدمون الوصفات الناجعة ، لمنع أذى الأسياد !!!
أما حراس المزارع فقد استقالوا ..بعضهم احتجاجا على اعتقالهم و تعذيبهم ،
و بعضهم خشية الجن و العفاريت ..
و هكذا ، خلا الجو أكثر و أكثر ، للص أو اللصوص ..
*****
ثمت سيارة شاحنة تحول مكان الشحن فيها إلى حجرة كبيرة ،
و قفت الآن أمام إحدى المزارع ،
يترجل منها أحدهم و بيده مقص خاص بتقطيع الحديد ،
و ترجل آخر يحمل قطع اللحم المغمس بمخدر قوي ،
يبدأ الأول بمهارة بتقطيع الشبك المعدني الذي يشكل سور المزرعة ،
يفتح ثغرة تصلح لمرور رجل زحفا ،
بينما يلقى الآخر بقطع اللحم إلى الكلاب الهائجة ،
و إن هي إلا دقائق حتى يغط الكلاب بنوم عميق ،
يترجل آخر ،
يتسلل إلى حظيرة الأبقار ،
يطعن ثلاثة من العجول السمينة بمخدر ،
فتخور العجول ألما ،
ثم ..
تسقط أرضا ، بلا حراك ،
ثم ...
يترجل آخرون ،
يتسللون نحو الحظيرة ،
و بسرعة و رشاقة يحملون العجول المخدرة ،
ثم ...
يتعاونون معا على رفعها إلى باطن الشاحنة ، الواحد بعد الآخر ،
ثم ...
تبتلعهم الشاحنة ،
ثم ....
تتحرك بهم و كأن شيئا لم يكن ..
*****
باطن الشاحنة عبارة عن ورشة عمل كبيرة ،
طاولة مثبتة في الوسط ،
وُضِع فوقها عدة فرّامات ، و مناشير ، تعمل جميعا بالكهرباء ، و تستمد طاقتها من محرك كهربائي ثُبَّت في إحدى الزوايا ..
و على الجدران عُلِّقت سكاكين و سواطير* من مختلف المقاسات ..
و من السقف تدلت عدة ( شناكل )* ، كما تدلت عدة قناديل تشع بإضاءة قوية ..
*****
و بسرعة و رشاقة تم فصل رؤوس العجول عن أجسادهما ،
ثم ..
عُلقت على الشناكل ،
ثم ...
بدأ الرجال و هم جزارون محترفون ، بعملية السلخ ،
ثم ...
بعملية التقطيع ،
ثم ...
تولى أحدهم توضيب الأحشاء ،
ثم ...
قام آخر بجمع الدماء المراقة فوضعها في دلوين كبيرين ،
ثم ...
قام آخر بتنظيف المكان .
*****
كانت الشاحنة فد وصلت إلى دكان الجزار ( أبو عيشة ) ، في مركز القضاء ،
و بنفس الرشاقة ، نقلوا اللحوم و الشحوم و العظام و الأحشاء إلى دكانه ،
ثم ....
علقوا قطع اللحم على (الشناكل) في واجهة الدكان ،
ثم ...
قدم أبو عيشه لرجاله حصتهم من الغنيمة ،
ثم ...
أخذ يردد باعلى صوته :
" يا فتاح يا عليم ... يا رزاق يا كريم ! "
ثم ....
جلس في انتظار الزبائن .
*****
و ذات يوم و بينما كانت شاحنة ( ابو عيشه ) تعبر القرية بعد إحدى غزواتها ، و كانت الشمس قد بدأت تطرد جحافل الظلام ، عبر غلام الشارع متجها نحو المخبز ..
كانت الشاحنة مسرعة ، فقد تأخرت عن أوقات مغادرتها المعتادة ، و لم ينتبه السائق إلى الصبي فدهسه ..
كان بعض الفلاحين على حافة الطريق ،
سمعوا صوت صياح الغلام ، و مكابح الشاحنة ،
فهرعوا نحو موقع الحادث ،
ليشاهدوا السائق يزيح الصبي المصاب بطريقة وحشية ،
ثم يحاول العودة إلى الشاحنة مسرعا يريد الفرار ..
تكأكؤوا حوله فمنعوه ،
ثم ..
كبلوه ،
ثم ...
فوجئوا ببوابة الشاحنة الخلفية تُفتح ،
و بأشخاص يترجلون منها حاملين السكاكين و السواطير ..محاولين فك أسر السائق من قبضته ،
ثم ...
تشتعل معركة حامية سلاحها الحجارة و السكاكين و السواطر ..
تتجمع أعداد أخرى من القرويين بينهم أم الصبي المصاب و أبوه و إخوته ،
يشتركون جميعا بالمعركة ، ثم يشنون هجمة رجل واحد انتهت بإمساكهم جميعا و تكبيلهم بالحبال ، بعد أن أوسعوهم ضربا ،
ثم ...
صعد البعض إلى قلب الشاحنة ،
ليكتشفوا الحقيقة المذهلة !
====================
• الشناكل : علاقات معدنية معكوفة و هي خاصة بتعليق السائمة بعد ذبحها .
• الدرك : شرطة الأرياف ، أيام الإنتداب الفرنسي
• ساطور : سكين عريضة تستخدم لتكسير العظام
====================
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع : [