عزف المطـــر
كانت حبات المطر تنقر زجاج نافذتي نقرا منظما، فحسبت هذا الزخ عزفا جميلا.. وتذكرت على الفور طرقات النحاسين و(الخليل) .
وتذكرت أيضا صديقي الأديب المشهور... الذي وضع أمامي الصعاب والتعقيد والبعد الأدبي .. ؛ مازلت أتذكر قولته الملعونـــــــة :
" كل من هب ودب عاوز يكتب "
تلك هي المقولة الذي كان ـ دائمـا ـ يطـارد بها محاولاتي وهي تحبو على الورق، متطلعة إلى التنوير والتطوير. تلك هي المقولة
التي انتزعتني من داخل أسوارالأحاسيس والمعاني، ورمتني خارجه ثلاثون عاما إلا قليلا. كنت أرى الشعراء والأدبـاء يتنعمون
بأحلامهم، وغذاء أرواحهم، وأنا أتلظى على نار الانشقاق!. أتخيل نفسي وكأني من أهل (الأعراف) ذلك الحائرون جـوار سورهم
العالي لايعرفون مثواهم، جنة أو نار ؟
أخرجت قصيدتي المعيوبة، التي كانت السلمة الأولى في سلم الإبداع، ورحت اقراءها بلطف، وثقل ، ولهف ... اقراءها وأنا أرى
صبايَ في كل حرف وفي كل معنى.. يتطلع إلى نثار البياض الذي داهم سوالفي؛ يستجيرني بأن أعتق الحلــــــــم المحشور داخل
شرنقة صنعها خليلي، كي يحتكر الشعر والشعور وحده ..!! ثلاثون عامـــا إلا قليلا وفي رأسي عقل أديب معطل .. وفي روحي
موهبة طـُعنت وهي على سطورها الأولى ...
فرغت من قراءة قصيدتي المعيوبة، وفرغت نفسي من بواقي حطامهـا، وفرغت السماء هي الأخرى من بواقي الغيـــوم، وبدت
صفحة السماء نقية يتوسطهــــــا شطرا من القمـر ، وبدا كل شيء على الأرض مغسول بالمطـر، الأرض، الجدران، الأشجـار...
إلا قـوب البشر .. ! بقيت على غير نظافتها وهي تتململ في غمرة النوم !...
ولما انتهيت من ترميم قصيدتي، رن هاتفي :
ــ مرحبا بالأديب الكبير ...
ــ انتظرني بسيارتك على أول طريق البلدة، أنا قادم من السفر .
ــ حسنا ، دقائق قليلة ــ انشاء الله ــ ستجدني هناك
وبعدما انتهينا من حوارنا عاودت عليه قصيدة الزمان
وبدأ يقراء بصوت تهكمي مسموع ، وبنفس ابتسامته القديمة المرسومة :
...
...
...
وسرعان مافرغ من القراءة، فنظر طويلا في الورقة وتكلم عن نفسه
عبدالله عيسى
4 / 5 / 20015
الأعراف : هم أناس تساوت حسناتهم مع سيئاتهم ؛ فهم ليسوا من أهل الجنة ، ولا من أهل النار،
حتى ينظر الله في أمرهم ، ويبقوا في مكان برزخ عـالٍ مرتفع يرون النـار ويرون الجنة، يبقون
فيه ما شاء الله وفي النهاية يدخلون الجنة، وهذا من تمام رحمة الله سبحانه وتعالى