30 يونيو يوم الانتقام من الثورة
سؤال المصريين والعرب والعالم اليوم هو ماذا سيحدث يوم 30 يونيو الذى حددته حملة تمرد والمتحالفون معها من تيارات سياسية وقيادات الحزب الوطنى المنحل مع عدد كبير من المصريين الرافضين لحكم الاخوان المسلمين والمعترضين على حكم الدكتور مرسى من أجل سحب الثقة منه والضغط عليه للدعوة لاستفتاء على استمراره أو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة .
حالة عامة من الخوف من المستقبل طغت على المصريين ، خاصة مع تصاعد حالة الاحتقان السياسى ووصول الأمور الى طريق مسدود ورفض كل طرف للتنازل وابداء مرونة فى موقفه ، وعدم مبادرة الأصوات العاقلة من الرموز السياسية المُحايدة ومن العقول المصرية العلمية المهاجرة ومن الدعاة والمفكرين الكبار بتقديم رؤى لتقريب وجهات النظر ووضع حلول توافقية لرأب الصدع ، واستباق انفجار كبير قد يدخل مصر الى نفق الاقتتال والفوضى .
حملة تمرد التى يدعى منظموها أنها جمعت أكثر من 15 مليون توقيع لسحب الثقة من مرسى بعد عامه الأول ، مُطالبة بحشود شعبية تتناسب مع تلك الأعداد التى أطلقتها ، وللرد على المليونية التى دعت اليها فصائل وأحزاب اسلامية فى 21 يونيو الماضى والتى شهدت حشوداً مليونية فى ميدان رابعة العدوية بضاحية مدينة نصر بالقاهرة .
وفى جميع الحالات سواءاً خرجت الحشود الشعبية استجابة لدعوات هذه الحملة ولأحزاب المعارضة أو لم تخرج فهناك احتمالات كبيرة بوقوع أحداث شغب وعنف واسعة النطاق ، بل قد تكون هذه الحشود المسالمة التى خرجت لايصال صوتها المعارض هدفاً للطرف الثالث الخفى الذى يسعى لاشعال الأحداث بوقوع قتلى من الطرفين ليجر البلاد الى الحرب والاقتتال الأهلى ويجبر الجيش المستعصم بثكناته على النزول .
ويتسع نطاق محاولات توريط الجيش فى الأحداث والتى ظهرت بوادره عقب مظاهرات ميدان رابعة العدوية مباشرة بخروج أعداد تحمل الأعلام المصرية للتظاهر أمام وزارة الدفاع تطالب الجيش بالتدخل وباسقاط الرئيس مرسى وانهاء حكمه .
فعلى صفحته على الفيسبوك كتب الاعلامى أحمد عطوان يحذر من مؤامرة خطيرة حضر تفاصيلها أحد أعضاء حزب الدستور الذى يرأسه الدكتور محمد البرادعى القيادى بجبهة الانقاذ ، حيث خرج هذا العضو يحكى ما دار أمامه فى اجتماع مُغلق بعد أن أرقه ضميره ؛ بأنه تم الاتفاق بين قيادات من المعارضة وأعضاء بتنظيم البلاك بلوك على ارتداء 400 شاب ملابس عسكرية للزعم بأنهم ضباط بالجيش وقد انقلبوا على الرئيس مرسى ، وفى ذات الوقت تقوم مجموعة أخرى بارتداء ملابس ضباط الشرطة ، ليعلنوا أن الأمناء والضباط والجنود بوزارة الداخلية قد انضموا للمتظاهرين يوم 30 يونيو ويتوجهون من ميدان التحرير الى قصر الاتحادية وسط مسيرة كبرى حاشدة تعلن انضمام الجيش والشرطة لحركة الانقلاب على الحكم القائم .
وقد حدثت بروفة مُصغرة لهذا الأمر فى المظاهرة التى تمركزت أمام وزارة الدفاع حيث احتفل المتظاهرون بما يزعمون أنه انضمام لاثنين من أمناء الشرطة اليهم .
والحديث عن بروفات يوم 30 يونية التى تُجرى على الأرض منذ فترة يُنذر بالخطر الكبير ؛ ففى فلتات لسان لمشهورين من مختلف المجالات أثناء تصريحاتهم ما يثبت تورط بعد عناصر الشرطة من المتقاعدين فى تدريب بعض الشباب الغاضب على أعمال قتالية ؛ كما حدث فى المؤتمر الصحفى الذى نقلته قنوات فضائية كثيرة للفنان محمود قابيل ، حيث قال عن أحد اللواءات المتقاعدين اعتذاراً عن عدم حضوره ، مُشيراً – وقد تلعثم أثناء حديثه – الى أنه غائب اليوم لانشغاله بالتدريب ؛ فقال نصاً : " يعمل ويدرب وسيكون معنا من أوائل الناس فى الصفوف الأولى " .
وموقف الشرطة من تظاهرات وفعاليات 30 يونيو مُقلق وغير مُرْض باعتراف كثير من المراقبين والسياسيين ، حيث أشار الدكتور طارق الزمر رئيس المكتب السياسى لحزب البناء والتنمية الى تصريحات وزير الداخلية التى أكد فيها أن قواته لن تحمى الا المنشآت والمؤسسات الحكومة وليس لها شأن بمقار الأحزاب أن الوزير اما أنه خانه التعبير أو أنه لا يعرف بالفعل مهام ودور المؤسسة التى يرأسها فهو مسئول عن أمن جميع المواطنين المصريين وأمن جميع الممتلكات الخاصة والعامة وجميع الهيئات السياسية والمنشآت الاقتصادية .
ويرى الأستاذ الدكتور محمد حجازى شريف المدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أنه من الوارد جداً أن تنسحب الشرطة من الساحة فى حال وقوع اشتباكات .
ومن أحداث اليومين الماضيين نتبين أن الشرطة لن تحسم الأمر فى 30 يونيو باتجاه وقف أعمال البلطجة والعنف ؛ فعن المركز الاعلامى لحزب الحرية والعدالة بمحافظة كفر الشيخ " أن مجموعة من البلطجية التابعين لحركة تمرد وبقايا فلول النظام السابق قاموا بحرق السيارة الخاصة بالمهندس سعد الحسينى محافظ كفر الشيخ – وهو قيادى بارز بحزب الحرية والعدالة – أمام منزله بمدينة المحلة الكبرى وقاموا بالقاء بعض عبوات المولوتوف على المنزل الموجود به والدته وزوجته وأولاده ، وقاموا بالاعتداء على الأهالى الذين حاولوا الاطفاء وقاموا أيضاً بمنع سيارة المطافئ من الدخول لاطفاء السيارة التى احترقت تماماً مما دفعَ مجموعة من الأهالى للتصدى لهم وملاحقتهم ولكنهم تمكنوا من الفرار ، وتصادف أثناء الحادث وجود فردين من أمناء الشرطة فقام هؤلاء البلطجية بالاعتداء عليهما وسرقة سلاحهما الخاص بهما ، وتم تحرير محضر بأسماء البلطجية الذين تم التعرف عليهم من قبل الأهالى " .
ومع تقصى الأمر تبين أن الشرطة لم تتحرك للقبض على البلطجية الذين حرقوا منزل وسيارة كفر الشيخ المنتمى للاخوان المسلمين ، وكان موقف الداخلية أكثر وضوحاً فى أحداث محافظة الغربية حيث استطاع عدد من البلطجية المسلحين فى غيبة تامة لقوات الشرطة منعَ المحافظ الجديد الذى ينتمى للاخوان المسلمين من دخول مكتبه لمباشرة مهام منصبه ، وتواصلت قيادات حزب الحرية والعدالة مع مديرية الأمن لكنها لم تجد استجابة ، فقام بعض أعضاء الحزب بتأمين المحافظ فحدثت اشتباكات بين الجانبين ، وأثارَ البلطجية الذعر بما يحملونه من أسلحة بين المواطنين ، وحاصروا المستشفى الجامعى التى يُعالج فيها المصابون من الاخوان المسلمين ، كما حاصروا مستشفى طيبة ، وذهبوا لمقر الاخوان المسلمين بالجلاء وأحرقوه فى غياب كامل للأمن .
وقد أعلن حزب الحرية والعدالة التابع للاخوان المسلمين يوم الخميس الماضى اصابة 357 شخصاً من عناصر الاخوان بأحداث العنف بمدينة دسوق بينهم 96 بطلقات نارية وخرطوش .
ويبدو أن البروفات الأساسية للسيناريو الذى سينفذ يوم 30 يونيو تجرى على قدم وساق على أرض الواقع حيث تم استهداف مقر حزب النور بمحافظة الغربية بالحرق ، ووقع الشاب السلفى كرم عبد الغنى قتيلاً أثناء اشتراكه فى مسيرة داعمة للشرعية ، كما تم قتل الشاب محمد سعيد شلقانى الذى ينتمى للجماعة الاسلامية فى مسيرة مماثلة بمحافظة الفيوم بعد اصابته بطلق خرطوش .
فالبروفات تشمل اغتيال على الهوية ومطاردة متدينين ومحجبات وأعضاء أحزاب وجماعات اسلامية فى الشوارع ، وحصار وحرق مقار لأحزاب وحصار لمؤسسات حكومية ودواوين محافظات وتعطيل العمل واثارة الذعر بين المواطنين وتمكين البلطجية من السيطرة على الشارع دون تدخل حاسم من الشرطة التى يفسر البعض مواقفها أن كثيراً من أفرادها ينتظرون الفرصة السانحة للانتقام من الثورة التى يعتبرونها فى المقام الأول ثورة عليهم فى يوم احتفالهم الرسمى بعيدهم السنوى ، والتى خصمت من مكانتهم ونفوذهم القوى الذى كانوا يتمتعون به فى عهد مبارك حيث كانوا يعتبرون أنفسهم – كما يردد البعض منهم – أسياد البلد - .
وينتقم سياسيون معارضون من الثورة التى مكنتْ الاسلاميين وهم خصومهم التاريخيون من الحكم والصعود السريع الى السلطة ؛ فقاموا بالتحالف مع نظام مبارك بكل مكوناته لاسقاط الحكم الاسلامى فى ذلك اليوم ؛ وقد دعا الدكتور محمد البرادعى – كما فى عدد صحيفة الشروق المصرية بتاريخ 20 يونيو 2013م الى احتضان ملايين المصريين الذين كانوا أعضاء فى الحزب الوطنى المنحل .
كما دعا لذلك المعارض حمدين صباحى مؤسس التيار الشعبى وأحد قادة جبهة الانقاذ ، حيث قال فى برنامج العاشرة مساءاً على فضائية دريم الخاصة : " الذى يسأل الآخر : هل كنت عضواً بالحزب الوطنى ، فهو يضر بهذه الثورة ضد الاستبداد الاخوانى " .
وهناك انتقام من فلول النظام السابق ورموز الحزب الوطنى المنحل ورجال أعمال نظام مبارك مُوجه فى الأساس للاخوان المسلمين وحلفائهم من الاسلاميين الذين ساهموا ابتداءاً فى نجاح الثورة على سلطانهم وملكهم العريض فعرضوا مصالحهم للخطر ونفوذهم للاهتزاز ، وثانياً لصعودهم على سدة الحكم عقب الثورة الشعبية التى أطاحت بهم وبرأس نظامهم .
وهناك انتقام اسرائيلى من الثورة المصرية التى أطاحت بكنز اسرائيل الاستراتيجى ودفعت بالاسلاميين الى الحكم ، وفى تصريح منشور على موقع وزارة الدفاع الاسرائيلى الرسمى قال الجنرال الاسرائيلى أفيف كوخاف رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية أن أكبر ثلاث تحديات أمام اسرائيل هى " الاقتصاد والثورات والأسلمة " .
وأن انتشار التيارات الاسلامية ووصولها للحكم خطر داهم على اسرائيل .
وأضاف كوخاف فى فيديو مسجل فى مؤتمر هرتزيليا للدراسات الاستخباراتية : " الفوضى التى تشهدها المنطقة العربية – وفى مصر على وجه التحديد – هى فى مصلحتنا خاصة أنها غير اسلامية ، وسيستمر دعمها اقتصادياً لتتواصل ولا تتوقف " .
وهناك ثقة نوعاً ما لدى منظمى حملة تمرد بالرغم من الأعداد المليونية التى خرجت يوم 21 يونيو تأييداً للشرعية ؛ فقد التف حولهم فلول مبارك وتيارات وأحزاب المعارضة وبعض التنظيمات الطائفية المتطرفة والاعلام الخاص الذى يملك تأثيراً كبيراً فى الشارع ، وهناك التنظيمات المسلحة وجيش البلطجية المنظم ؛ فى مزيج يصنع كياناً قوياً قد ينجح فى تنفيذ مخطط الانقلاب على السلطة .
ولذلك عمدت القيادات الاسلامية فى مليونية 21 يونيو الى الرسائل القوية شديدة اللهجة فى اتجاه التحذير من السير فى طريق محاولة قلب نظام الحكم بالقوة والانقضاض على الارادة الشعبية ، حيث جاء على لسان الشيخ عاصم عبد الماجد أحد قادة الجماعة الاسلامية ومؤسس حملة تجرد المؤيدة للشرعية أن القيام بثورة اسلامية خالصة هو رد الفعل الفورى على استيلاء المعارضة على الحكم بالقوة بعد اسقاط القيادة الشرعية للبلاد .
يوم 30 يونيو هو الأمل المتبقى لنظام مبارك للعودة من جديد لذلك يعد له بكل ما يملك من امكانيات ، خاصة مع بوادر اقتراب الافراج عن جمال وعلاء مبارك ، ليصبح هناك انجازان كبيران مُدويان على صعيد الحركة الانقلابية المضادة للثورة ، وهما اسقاط الدكتور مرسى وخروج كبار رموز النظام السابق ، بما يُعد بمثابة الضربة القاضية الموجعة للثورة المصرية .
وبحسب دستور 2012م يحق لعلاء وجمال مبارك الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ، فهما محبوسان احتياطياً .
ويبدو أن مطلب انتخابات رئاسية مبكرة الذى يلح عليه جميع معارضى النظام اليوم لا يُداعب أحلام الدكتور البرادعى وحمدين صباحى وحدهما انما يداعب أحلام ابنى مبارك والمؤيدين لهما كذلك .
رد مع اقتباس
