هل الديمقراطية قيمة فلسفية نافذة دون شروط أم تخضعها الأهواء السياسية للمصلحة العليا للغالب؟
وهل المجتمع العالمي المعولم يتعاطى معايير خلقية تنظم شؤون البشر؟
أليس من الديمقراطية أن تحترم اختيارات الشعوب لمنظومتها الإيديولوجية؟
فكيف نفسر الانقلابات على الشرعية في مناطق عربية متعدّدة ..وسكوت العالم ؟
وكيف نفهم محاصرة المسلمين حينما ينجحون في استقطاب مساندة شعبية تعلّلها
الانتخابات ،بتعطيل مشاريعهم التّنموية ،ثم الحكم عليهم بالفشل..؟
الا توجد طُغمة ـ تشكّل سلطة خفاء ـ،تعتقد الفشل في منهج الله؟
إنّ المأثور من الأحاديث الشريفة يخبرنا انّه بعد النّبوّة والخلافة الرّاشدة يأتي ملكا عظوظا ،ثم خلافة على منهاج النّبوة في نهاية المطاف..
وقد اعتقد معظم الدّارسين للفكر والتّاريخ أنّ السياسة خضعت للتوجّه الدّيني الإسلامي فقط في عهد النّبوّة والخلافة الرّاشدة ،ومنذ العصر الأموي خضع الدّين للسياسة وأطماع الحكم ،ورغبة الحاكم..لكنّ نسب الانتماء والتّطبيق تفاوتت من عصر لآخر ..
وفي إطار كلام الله المقدّس الذي لن يتغيّر قراره ورد الجزم في الآية الكريمة:"ولن ترضى عنك اليهود ولا النّصارى حتّى تتّبع ملّتهم".البقرة.
ولئن كان التّاريخ يشهد على المناوشات الدّائمة للخلافة الإسلامية عبر تواجدهات الزّمني على الأرض ، فإنّ حركات الاستشراق،في عهد ظلامية الغرب، التي بدأت ـ على ما يظهر ـ بريئة تبحث عن سرّ التطوّر للأمّة الإسلامية ،ومحاولة الارتشاف من زادها القيمي الذي لا ينضب له معين ،قد ارتقت بعد مدّة إلى بحث سرّ تفوّق المسلم ،واكتشفت قيم سلوكه الحضاري ،ووقفت على أسباب ضعفه ،فعلمت أنّ القرآن هو المحرّك الرّئيسي لهذه الآلة البشرية ،فبحثت طرق انتزاعه من نفسه ،وفصله عن ذاته الحضارية ..
وفي غفلة وإحباط من هذه النّفسية بسبب ما دبّر من فتن داخلية توجّها الآية الكريمة من داخل وخارج الأمّة ،وقع استعمار كلّ الدّول الإسلامية ،وكان الظّاهر مادّي تمثّل في استغلال المسلم وامتصاص ثرواته ،لكنّ الباطن المضمر أخطر لخّصه مصطلح"الغزو الفكري " الذي تطوّر إلى نظام عالمي جديد تديره العلمانية.
حيث "تمركز الغرب حول ذاته"،وانغلق على نفسه ،ولم يتفتّح على الآخر ،رافضا قبول قيم وفكر الآخر،مجتهدا في منع تداول الآخر لإيديولوجيته الخاصّة به. وقد عمل جاهدا ،وبكلّ الوسائل المتاحة على ترسيخ إيديولوجيته العلمانية .
وقد نجح إلى حدّ ما في تغذية فئة بهذا الفكر الدّخيل على الأمّة ،وتفاوتت نسب قبوله من بقعة إلى أخرى ،ولم يغادر الغرب بلداننا الإسلامية إلاّ بعد أن تركها حضارتين في أرض واحدة ،بشخصيتين في مجتمع واحد:
ـ إسلامية تغذّت بفكرها الأصيل ،ولم تنسلخ عن هُويّتها.
ـ فئة مستلبة ،منبهرة،تابعة ،نعتبرها من مخلّفات الاستعمار..
لذا ليس غريبا أن تجد في البيت الواحد ،المسلم العلماني ،والمسلم السّلفي ،ونقصد هنا بالسّلفي كلّ من اعتقد عن قناعة أن منهج الله نزل ليطبّق كاملا في الأرض، دون النّظر إلى مذهبه أكان شيعيا أم سنيا ،معتدلا أم متشدّدا ،طرقيا أم صوفيا سنيا..
وهذا يدلّ أن الاستعمار خرج بجسده لكنّ روحه مكثت قابعة في نفوس من تغذّى بالعلمانية ،حتّى قلنا"لقد خرج الاستعمار ،وبقيت مخلّفاته"،وأخطرها ليس الفقر ،ليس الجهل ،ليس تغريب المسلم عن لغته ،بل في تبعية المسلم له في فكره الذي يعكس بشعاعه روحه..
والغرب المتعالي ،لديه غيرة على إيديولوجيته العلمانية التي عولمها ،ببثّها ثقافيا عبر كامل تراب المعمورة ،وهذه الغيرة تمنعه من قبول إيديولوجية تغالبه بالأساليب العلمية السلمية فتنتصر عليه.
فلا عجب أن يشجّع ،ويحمي ،ويدعم اتباع إيديولوجيته العلمانية ،ولو بحجّة حماية الأقلّية..ولو يقع انقلاب سافر مفضوح بالقوّة ،ليثبت أن "الديمقراطية "ما هي إلاّ لعبة للتّسلية والمراوغة ..فلو كان الغرب يؤمن حقّا بالديمقراطية لما سمح لقلّة قليلة تتّبعه بالانقلاب على شرعية الانتخاب الذي شهد العالم بأسره بنزاهته في عدّة مناطق عربية ..
ولكنّه حكم القوي ،وللقويّ مصالح لا ينبغي أن تدوسها الدّيمقراطية..
تُرى ، لو انقلب الإسلاميون على العلمانية ،كم كان الغرب سيمنحهم مهلة لكي يعودوا إلى رشدهم؟؟؟
إنّنا بحاجة إلى مزيد من الدّعوة إلى الإسلام في الأراضي الإسلامية ..
والإسلام ينجح أكثر لو ينتشر بالغالبية في دولة علمانية قويّة عادلة كألمانيا..