451
يحكى أبو الفضل الميدانى فى " مجمع الأمثال " أن ثيراناً ثلاثة كن فى أجمة ؛ أبيض وأسود وأحمر ومعهن فيها أسد ، فكان لا يقدر منهن على شئ لاجتماعهن عليه ؛ فقال للثور الأسود والثور الأحمر لا يدل علينا فى اجتماعنا الا الثور الأبيض فان لونه مشهور ولونى على لونكما فلو تركتمانى آكله صفت لنا الأجمة ، فقالا : دونك فكله ، فأكله ، ثم قال للأحمر : لونى على لونك فدعنى آكل الأسود لتصفو لنا الأجمة فقال : دونك فكله ، فأكله ، ثم قال للأحمر : انى آكلك لا محالة ، فقال دعنى أنادى ثلاثاً فقال : افعلْ ، فنادى : ألا انى أُكلتُ يوم أُكلَ الثور الأبيض .
تلك حنكة المجلس العسكرى منذ البداية للانفراد بكل طرف على حدة ، واليوم فقط يُدرك الاخوان أنهم أُكلوا يومَ أُكل ثوارُ يناير وبعدهم تيار حازم أبو اسماعيل .
وبعدَ المناورات والمساومات والخدع تم التتويج بتمكين الحركة المُضادة للثورة . يتصرف الانقلابيون بما كان يجب على الثورة منذ البداية أن تتصرف مع رؤوس وأبواق العهد البائد - بالقانون وبالحق بلا تلفيق ولا قتل - ؛ فهذا هو حق الثورة وتلك فلسفتها .
غاية الثورة هى الدولة المدنية والديمقراطية ؛ وهذا لن يحدث بالتسامح مع الديناصورات وبالتراتيل والأمنيات الطيبة ؛ انما تحتاج الثورة الى مساحة ضئيلة من ممارسة الديكتاتورية تستغرقُ بعض الوقت لانتزاع السلطة من المغتصبين الفاسدين ، تتم فيها المحاكم الثورية وتُهيئ البلاد للعهد الجديد ، وهى لحظات ديكتاتورية لازمة وضرورية لبناء الدولة المدنية الديمقراطية ؛ حيث من المستحيل الانتقال بالبلاد بالشرعية الدستورية وبرموز وأدوات العهد البائد الى مستقبل مختلف والى تغيير حقيقى .
لا نتكلم هنا عن القتل والمذابح التى ارتكبتْ فهذا من بطش الغلبة وسلوك السلطة الانقلابية الدموية وانتقام المجروح وهى مُدانة ومرفوضة ، انما عن اغلاق قنوات وأبواق الفتنة والتحريض .. فهل فعلها مرسى والاخوان ؟ لا ، انما فعلتها الثورة المضادة .
وعن القبض على رموز التحريض والتمويل والتخطيط ؛ فهل فعلها مرسى استناداً للشرعية الثورية ؟ لا ، انما فعلتها الثورة المضادة مع من تعتقد أنهم العمود الفقرى للثورة .
وعن الاجراءات الخطيرة التى تتم ضد قضاة الاستقلال والمؤيدين للشرعية ؛ فهل فعلها مرسى استاداً للشرعية الثورية ؟ لا انما تقوم بها سلطة الانقلاب استناداً للشرعية الانقلابية .
هذا ما كان يجب أن تفعله الثورة لتنتصر .
شاهدوا ما فعلوه مع حكومة هشام قنديل – المنتخبة الشرعية - ؛ واسألوا فى اندهاش : كيف تعامل الطيبون الرافضون والمؤيدون للشرعية الدستورية مع حكومة الانقلاب .
هذا فقط نموذج من " ثورية " المثقفين الانقلابيين فعلى صفحته على الفيسبوك كتب الشاعر عبده المصرى : " الى أبناء جيلى من يتذكر منكم فيلم 451 فهرنهايت ؟ فلتستعدوا ، كل واحد عليه أن يحفظ كتاباً عن ظهر قلب قبل أن تحترق الكتب والأغانى ويتم مُطاردة من يقرأون الكتب فى الشوارع والبيوت " ، وشاهدنا كيف اقتحموا وزارة الثقافة وحاصروها واعتصموا داخلها واحتلوا مكتب الوزير ، أما أصحاب الحقوق بالملايين فينتظرون الغرق فى المجارى والاختناق بالغازات وزخات الرصاص فى الميادين .
دعونا نتعلم من الثورة المُضادة والانقلابيين ، كيف تنجح الثورات يا شعب الطيبين .